بلدي الأصلية أفغانستان. وكان والدي يقيم في عاصمة "لوجار" التي تبعد 75 كيلومتراً من مدينة "كابول" عاصمة بلادي، وكان والدي "باياندا خان" يشغل وظيفة لواء في الجيش الأفغاني، وكان معروفاً في بلدنا باسم اللواء "باهادور خان".
وبفضل من الله امتلكت ناصية العلوم التي كنت أودّ أن أدرسها، إذ أكملت دراسة علم الكلام، ثم أقبلت على دراسة الأحاديث والتفاسير. وكنت أثناء النهار أدرس مع زملائي، وفي الأمسيات أتلقى دراسات خاصة على يدي أستاذي مولانا السيد عبد الجليل.
المواجهة الأولى:
وذات يوم في طريق عودتي مع بعض أصدقائي من نزهة، مررت بأناس مجتمعين بالقرب من مدرستنا. وعندما اقتربت منهم سمعت حواراً يدور عن عقيدة التثليث بين واعظ مسيحي وبعض تلاميذ مدرستنا. وكان الواعظ يحاول أن يبرهن عقيدته في الثالوث من قول القرآن "ونحن أقرب إليه من حبل الوريد" (سورة ق 16). فقال إن كلمة "نحن" بصيغة الجمع تدل على أن وحدانية الله وحدانية مركبة، لا وحدانية بسيطة. ولو كانت وحدانية الله بسيطة لقال: "أنا". ولم يقدر تلاميذ مدرستنا أن يجاوبوه. فطلب أصدقائي مني أن أردّ. فتدخّلت وقلت: "إن كلمة [نحن] بصيغة الجمع تدلّ على الجلال والعظمة". وكانت تلك أول فرصة لي ألتقي فيها مع مسيحي في دائرة الجدال والمناظرة. ومن ذلك اليوم تولّدت في داخلي رغبة في مجادلة المسيحيين. وبدأت أجمع الكتب التي تهاجم المسيحية، ودرستها بدقة، ثم أخذت أذهب في أيام معيّنة إلى اجتماعات الحوار لمناقشة الوعاظ المسيحيين.
وذات يوم أعطاني أحد الوعاظ عنوانه وطلب مني أن أزوره في بيته مع عدد من أصدقائي. فاصطحبت ثلاثة منهم وذهبت إلى بيته. فكان صدوقاً ولطيفاً. وأثناء احتسائنا الشاي، دارت بيننا مناقشة جذابة حول الدين. فسألني: "هل قرأت الكتاب المقدس؟" فأجبته: "لماذا أقرأ كتاباً تحرّف، ولا زلتم تغيّرون فيه كل سنة؟" فظهرت على وجهه علامات الأسى وقال بابتسامة باهتة: "هل تظن أن مخافة الله ناقصة عندنا حتى نخدع العالم بتغيير كتابنا المقدس؟ إن هذا اتهام بالخداع وعدم الأمانة؟"
ثم قدّم لي الواعظ نسختين من الكتاب المقدس، إحداهما باللغة الفارسية والأخرى باللغة العربية، وطلب مني أن أقرأهما. فشكرناه وخرجنا من بيته. ولم أعر ما قاله الواعظ التفاتاً، ولا فتحت أياً من الكتابين اللذين أعطاهما لي، فقد كانت كل رغبتي قراءة أجزاء معينة فقط من الكتاب المقدس بهدف اكتشاف الأخطاء التي أشار إليها أصحاب الكتب التي تهاجم الكتاب المقدس. ولم أجد عندي حاجة لأقرأه كله، وصرفت مدة إقامتي في "دلهي" أجادل المسيحيين وأهاجمهم.
في بومباي
واستقر عزمي على أن أسافر إلى بومباي، حيث سنحت لي الفرصة لمقابلة مولانا هدايات الله. وكان محترماً في كل المنطقة كرجل متفقّه في علوم الدين بدرجة عظيمة. وكان أصلاً من كابول ويعرف عائلتي. وعندما عرفني، وعد أن يقدم لي كل معونة ممكنة، ونصحني أن أدرس الأدب، وسمح لي أن أستخدم مكتبته العظيمة، فبدأت أدرس تحت إرشاده.
وذات يوم كنت أتمشّى مع بعض أصدقائي الطلاب، عندما وجدت بعض الوعاظ المسيحيين يخاطبون الناس، فتذكرت ما حدث معي في دلهي، واتجهت بعزم نحوهم فشدّني أحد زملائي وقال لي: "لا تُلق انتباهاً لمثل هؤلاء الناس، ولا تضيّع الوقت وأنت تجادلهم. إنهم يجهلون البحث ولا يعرفون أصول المناظرة. إن كل ما يدفعهم إلى عملهم هو الأجر الذي يتقاضونه. فلا فائدة من الحوار معهم". فأجبته: "أعرف أن هؤلاء الناس قد لا يعرفون أسلوب الجدل، لكنهم يعرفون كيف يضللون الناس. ومن واجبنا أن ننقذ إخوتنا البسطاء من مكرهم وخداعهم". واتجهت فوراً نحوهم، وأثرت مجموعة نقاط هجوماً على المسيحية، فأجابوني بكثير من التوضيح. واضطررنا أن نوقف الجدل بسبب ضيق الوقت. وانتشر خبر حواري مع المسيحيين بين طلبة المدرسة، فامتلأوا غيرة وحماسة، وأقبلوا على الجدال. فكنا نذهب مرتين أسبوعياً لنجادل المسيحيين.
ولما وجدت أن زملائي التلاميذ لا يعرفون الديانة المسيحية، وغير مختبرين فن الحوار، نصحني مولانا "عباس خان صاحب" أن أستأجر بيتاً نتحاور فيه، ففعلت ذلك، وكوّنت جماعة "ندوة المتكلمين"، وكان هدفنا أن ندرّب الدعاة الإسلاميين ليحاوروا المسيحيين ويخرسوهم.
ولما وجد أستاذي أن كل اهتمامي موجّه للجدال والمناظرة، جاء إلى غرفتي بعد صلاة المغرب، فوجدني أقرأ الإنجيل. فقال بغضب: "أخشى أن تصبح مسيحياً". فضايقني تعليقه، ولم أشأ أن أسيء إليه، ولكني وجدت نفسي أقول له: "هل يمكن أن شخصاً مثلي يجادل المسيحيين كل هذا الجدل، ويصبح مسيحياً؟ وهل قراءة الإنجيل تصيّر الإنسان مسيحياً؟ إنني أدرسه لأدمّر المسيحية من أساسها، وليس لأصير أنا مسيحياً. كنت أظنك تشجعني على أن أجد الأخطاء في هذا الكتاب".
يوم الحج
في يوم الحج لبست ملابس الإحرام وسرت نحو عرفات. وفي ذلك اليوم رأيت منظراً رائعاً؛ رأيت الفقراء والأغنياء، العالي والدون، جميعاً يلبسون الزيّ الأبيض نفسه، وكان موتى القبور قد بُعثوا من قبورهم ليقدموا حساباً عن عملهم. وسالت الدموع من عينيّ. ولكن طرأ خاطر قوي على فكري: لو لم يكن ديني هو الدين الصحيح، فماذا تكون حالتي في اليوم الآخر؟ فدعوت الله: "اللهم أرني الحق حقاً، وارزقني اتّباعه، وأرني الباطل باطلاً وارزقني اجتنابه. يا مثبّت القلوب ثبّت قلبي على إيماني إن كان حقاً وصدقاً، ولا تزلّ قدمي بعد ثبوتها. وإن كان باطلاً فاصرفني عنه. إلهي هذا قلبي بين يديك خالصاً لوجهك الكريم، فوفّقه لما تحبّه وترضاه. إنك نعم المولى ونعم المجيب".
وبعد زيارة قصيرة للمدينة رجعت إلى بومباي. وأثناء غيابي، توقّفَت "ندوة المتكلمين". فأسست جماعة أخرى اختاروني رئيساً لها، ورتبنا أن ندعو كل أسبوع شخصاً مسيحياً ليخاطبنا ثم يجاوب واحدٌ منا على ما أثاره من موضوعات. واعتاد رجل الدين المسيحي مونشي منصور مسيح أن يجيء إلينا بانتظام.
أين الخلاص؟
وذات يوم كلّمنا مونشي منصور مسيح عن أن الدين الصحيح يجب أن يقدّم طريقاً للخلاص. وطلب أعضاء جمعيتنا مني أن أردّ عليه، فحاولت بكل طاقتي أن أبرهن أن في الإسلام طريقاً أكيداً للخلاص. وفرح الحاضرون بكلامي. ولكنني علمت في أعماقي أن ما قلته ليس مقنعاً. وأثناء حديثي، كنت أحسّ أن ما أقوله ضعيف بالرغم من أن صوتي كان أعلى من صوت مناظري!غير أن صوت مناظري الرقيق كان يرنّ كالرعد في أعماق نفسي بقوة غير عادية. وانتهت المناقشة في الحادية عشرة قبل منتصف الليل. فعدت إلى بيتي أفكر فيما قاله مونشي منصور مسيح. وكلما فكرت أدركت أن خلاص النفس من براثن الخطية هو أهم هدف لأي دين صحيح بل هو الأساس الحقيقي للدين، وبدونه لا يكون الدين ديناً قيّماً صحيحاً.
ولقد تذكّرت أن كل الأديان تعلّم أن الإنسان ظلوم، كافر، جاحد، نفسه أمّارة بالسوء. ولن تجد إنساناً يعيش حياة طاهرة دون أن تلطخها الخطية، فالخطية هي الطبيعة الأكيدة للإنسان حتى إننا نقول، إن الخطأ شيمة البشر. والسؤال الأساسي هو: كيف ننجو من عقوبة خطايانا؟ كيف نجد خلاص نفوسنا؟
ولقد وجدت أن واجبي الأول هو دراسة وبحث هذا الموضوع الهام بكل أمانة وبغير تحيّز. فإذا وجدت أن الخلاص في ديني، شكرت الله على ذلك، وكم ستكون حالتي سعيدة! وإن لم أجد الخلاص فيه، فعليّ أن أفتّش على خطة الله للخلاص الذي يمكن أن يشبع قلبي. وعندما وصلت إلى هذا القرار ركعت على ركبتيّ في دعاء إلى الله وأنا أبكي قائلاً: "لن أقرأ الكتاب المقدس كما سبق لي أن قرأته، لكنني سأقرأه كخاطئ عاجز، يحاول أن يجد طريق الخلاص".
منذ ذلك اليوم تبدّل موقفي وصرت باحثاً مخلصاً وراء الحق، فبدأت أدرس الكتاب المقدس والقرآن دراسة مقارنة لأجد طريق الخلاص. ورفعت يديّ إلى الله في دعاء:
"اللهمّ، إنك تعلم أني بك آمنت، وعليك توكّلت، وإليك أتيت، فاغفر لي وارحمني يا أرحم الراحمين، وأنر قلبي بنورك الذي لا ينطفئ، واهدني صراطك المستقيم. اللهم إن أحييتني فأحيني، وأنت راض عني، وإن توفّيتني فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت".
ووجدت أن الخلاص، في ديني، يتوقّف على العمل الصالح الذي يؤديه الإنسان، "أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات، فلهم جنات المأوى نُزُلاً بما كانوا يعملون. وأما الذين فسقوا فمأواهم النار. كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها، وقيل لهم، ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون" (سورة السجدة 19-20).
"فمن يعمل مثقال ذرّة خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره" (سورة الزلزلة 7-8).
وعندما نلقي النظرة الأولى على هذه الآيات نكتشف أنها جميلة ومشجعة، ولكنها أثارت داخلي سؤالاً: هل يمكن أن يعمل الإنسان الخير دون الشر؟ وعندما فكرت في شهوات الإنسان ورغباته، اتضح لي أنه من المستحيل أن يعمل الإنسان الخير وحده، ولا يمكن أن يكون عمله دائماً عملاً صالحاً فقط.
وفي دراستي للأحاديث رأيت بوضوح أن كل أبناء آدم خطاة، لأن خطية آدم دخلتهم جميعاً بمن فيهم الأولياء والأتقياء. وهكذا اعترف آدم وحواء: "قالا: ربنا ظلمنا أنفسنا، وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننّ من الخاسرين" (سورة الأعراف 23). ويقول النبي إبراهيم: "ربنا اغفر لي ولوالديّ وللمؤمنين يوم يقوم الحساب" (سورة إبراهيم 41).
الحقيقة العظمى
وأثناء هذا البحث، واجهتني هذه الحقيقة العظيمة: إن النبي عيسى إنسان. ويعزو القرآن الخطأ إلى كل الأنبياء، ولكنه لا يسجّل للمسيح خطأ واحداً. وسألت نفسي: لماذا؟ واتجهت بفكري إلى الإنجيل فوجدت أمامي قول المسيح: "من منكم يبكتني على خطية؟" (إنجيل يوحنا 46:8). ويقول الإنجيل عن المسيح: "لأنه جعل الذي لم يعرف خطية، خطية لأجلنا، لنصير نحن برّ الله فيه" (2كونثوس 21:5). ويقول أيضاً: "ليس لنا رئيس كهنة غير قادر أن يرثي لضعفاتنا، بل مجرّب في كل شيء مثلنا، بلا خطية" (عبرانيين 15:4). ويقول أيضاً: "الذي لم يفعل خطية، ولا وُجد في فمه مكر" (1بطرس 22:2). ويقول: "وتعلمون أن المسيح أُظهر لكي يرفع خطايانا، وليس فيه خطية" (1يوحنا 5:3).
وهكذا نرى أن عندنا برهاناً أكيداً أن كل البشر ارتكبوا الإثم ما عدا المسيح، فكيف أتمكّن من الحصول على الخلاص بأعمالي الصالحة، بينما الأولياء والأتقياء والفلاسفة قد فشلوا في أن يعملوا الصلاح فقط. فاتجهت إلى القرآن أفحص تعاليمه مرة أخرى. وطالعت الآيتين: "وإن منكم إلا واردها. كان على ربك حتماً مقضيا. ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا" (سورة مريم 71-72)
ولا يستطيع أحد أن يتخيّل مقدار الرعب الذي وقعت فيه من خوفي من الجحيم الذي ينتظرني. لم أجد أي راحة بعد ذلك، لأن أفكاري أصبحت كوابيساً. كان صعباً عليّ للغاية أن أهجر إيمان آبائي. فقد كان موتي أهون عليّ من ذلك. وحاولت أن أجد طريقة تمنعني من التفكير في هذا الموضوع، وتبعدني عن مواجهة المشكلة، حتى لا أترك دين آبائي. فأخذت أفتّش من جديد في الحديث. ولم يكن هذا أمراً سهلاً، لأن الأحاديث كثيرة وفي مجلدات كبيرة. ولكنني قررت أن أستمر في الدراسة معتمداً على معونة الله.
وبعد أن أغلقت كتب الحديث بعد دراسة ممتدة عميقة فيها، رفعت قلبي إلى الله أدعوه: "إلهي، يا من تعلم السر الخفي. منك المبدأ وإليك المنتهى. أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي، وحيرة قلبي. اللهم، اهدِ قلبي لدينك القويم وصراطك المستقيم، وافتح لي أبواب رحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم، إني أسألك بكل اسم هو لك سمَّيت به نفسك، أو علّمته لأحد من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تبدّل خوفي أمناً، وحيرتي حقاً ويقيناً. اللهم، هذا جهدي وما أملك، فاجعل منه حقاً أنتهي إليه، ويقيناً أحيا به وأموت عليه. إنك سميع مجيب الدعوات".
الطريق والحق والحياة
قرأت في الإنجيل المقدس قول المسيح: "تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم" (متى 28:11). ولا أستطيع أن أصف مقدار فرحي بهذه الآية. فقد كانت بالنسبة لي أنا الخاطئ إعلاناً بأخبار مفرحة. لقد تركت الآية تأثيرها العظيم على نفسي، فمنحني السلام والراحة والفرح. وضاع مني فوراً كل إحساس بالضياع والقلق. إن المسيح يقول: "أنا أريحكم"، وهذا يعني أن الخلاص متوقّف عليه. إنه لا يشير إلى طريق نسلكه لنجد الراحة، لكنه هو نفسه الطريق، ثم قرأت بعد ذلك قوله: "أنا هو الطريق والحق والحياة. ليس أحد يأتي إلى الآب إلا بي" (يوحنا 6:14).
ولكن سرعان ما واجهني سؤال: هل يمكن أن يضع الإنسان ثقته في هذا الوعد الضخم من المسيح؟ وأجبت: إن الإنسان يمكن أن يجد راحته في هذه الكلمات، لأن المسيح في نظر الإسلام كامل بلا خطية "وجيه في الدنيا والآخرة"، وهو "كلمة الله وروح منه". وهذه كلها تعلن كمال المسيح. ثم إن المسيحيين يقولون إنه الإله الكامل، والإنسان الكامل الذي خلت حياته من كل إثم وكل خطأ وكل رغبات أرضية. ولذلك فإن المسيح العظيم الكامل في نظر الجميع، لا بد أن يمتلك من الإمكانات ما يجعله قادراً على تحقيق وعده بالراحة لكل من يأتي إليه.
ثم بدأت أفكر في مواعيد المسيح لي بالخلاص. فوجدت قول المسيح: "ابن الإنسان لم يأتِ ليُخدم بل ليخدِم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين" (متى 28:20). وعندما قرأت هذه الآية اكتشفت أن المسيح يقدم للإنسان خلاصه، فقد بذل المسيح نفسه عن الخطاة. وهو الطريق العجيب الذي لا يمكن للعالم كله أن يقدّم نظيراً له. ولقد أسس كثير من البشر ديانات في عالمنا، ولكن لم يقل واحد منهم أن موته سيكون سبب غفران الخطايا. المسيح وحده هو الذي قال عن نفسه هذه الكلمات، وحققها فعلاً.
وعندما وصلت إلى هذه النتيجة امتلأت نفسي بالابتهاج الفائق الحدّ. وتركت صورة المسيح ومحبته في قلبي تأثيراً بالغاً. وعندما كنت منتشياً بهذه الفرحة السماوية، داهم عقلي سؤال:ولكن ما هي الحاجة إلى كفارة المسيح وتضحيته؟ ألم يكن ممكناً أن يقدم الخلاص دون أن يموت؟ وجعلت أفكّر في هذا السؤال الجديد. ووجدت له الإجابة. إن الله رحيم وعادل. فلو أن المسيح وعدنا بالخلاص دون أن يبذل نفسه عنا، فإن مطالب الرحمة تكون قد وفيت تماماً. لكن إن كان الله يريد أن يوفي مطالب عدله، فلا بد أن يكون المسيح كفارة عن كثيرين بدمه. وهكذا بيّن الله محبته لنا، ثم وجدت في الإنجيل هذا القول العظيم: "في هذا هي المحبة، ليس أننا نحن أحببنا الله، بل أنه هو أحبنا، وأرسل ابنه كفارة لخطايانا" (1يوحنا 10:4).
وظللت أفتّش وأبحث في العهد الجديد. قرأته عدة مرات من أوله إلى آخره، فوجدت مئات الآيات، وعشرات الأمثال التي تبرهن بغير ظلال من شك أن الخلاص هو في الإيمان بالسيد المسيح، وهذا الخلاص يجب أن يكون هدف كل ديانة. فالإنجيل يقول: "ونحن نعلم أن كل ما يقوله الناموس فهو يكلم به الذين في الناموس، لكي يستدّ كل فم، ويصير كل العالم تحت قصاص من الله. لأنه بأعمال الناموس كل ذي جسد لا يتبرّر أمامه. لأن بالناموس معرفة الخطية. وأما الآن فقد ظهر بر الله بدون الناموس، مشهوداً له من الناموس والأنبياء. بر الله بالإيمان بيسوع المسيح، إلى كل وعلى كل الذين يؤمنون. لأنه لا فرق. إذ الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله. متبررين مجاناً بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح، الذي قدّمه الله كفارة بالإيمان بدمه" (رومية 19:3-25).
قلت لنفسي: "يا سلطان، عليك أن تذكر أنك ابن الساعة التي أنت فيها، وأن العالم كله باطل وفان. وعندما ستموت لن تنفعك أموالك، ولا ميراثك، ولا عائلتك، ولا أصحابك. فكل هؤلاء ينتمون إلى العالم الحاضر، ولن يبقى معك شيء أو شخص تمضي معه إلى ما وراء القبر إلا إيمانك المبني على أساس عمل المسيح.
وركعت لأصلي، قلت: "يا ملك الملوك، يا مبدع الكون، إليك سلمت وجهي، فتقبّل مني، واغفر لي وارحمني. ربنا، إنك تعلم ما نخفي وما نعلن. ربنا لا تجعل الدنيا أكبر همي وغمّي. أنت ملجأي وملاذي، بك أستعين وأستعيذ من كل ضعف يحول بيني وبين الإيمان بالمسيح، كلمتك. يا من قلت، وقولك الحق: "تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثقيليّ الأحمال وأنا أريحكم". يا من وعدت ووعدك صادق: "اقرعوا يُفتح لكم". إلهي أدعوك وأنا موقن بأنك سميع مجيب الدعوات، فتقبّل مني صلاتي".
منقول
[b]