--------------------------------------------------------------------------------
قديـس عظيم و أم عظيمة
بينما أنا جالس في عيادتي ، إذ بسيدة تدخل حجرة
الكشف معها طفلة جميلة عمرها لم يتجاوز 5 شهور
، قالت لي الأم بلهفة : أرجوك يا دكتور سعد أن
تطمئني ، أنا شعرت أن ابنتي مارتينا عينها غير
طبيعية ، قد تكون هذه مجرد شكوك بسبب قلقي
الزائد عليها ، هل نظرها ضعيف ؟ هل تحتاج إلي
نظارة مستقبلا ؟
قلت لها : سأطمئنك حالا بعد الكشف ، وبدأت في
اختبار نظرها و وجدت إنها لا ترى حتى الضوء ،
ثم أجريت لها فحص قاع عين و....
يا للمصيبة ! إنه الورم السرطاني الذي يصيب
شبكية العين بالأطفال (Retinoblastoma ) و يؤدي
ليس فقط لفقدان البصر بل قد يمتد إلي المخ عن
طريق العصب البصري مهددا الحياة وقد ينتشر في
الدم لباقي أجزاء الجسم ، إن الأمر في غاية
الخطورة و يستدعي استئصال العين بأسرع ما يمكن.
لقد تعودت أن أصارح المرضى بحقيقة الأمر ولكني
هنا شعرت إني في مأزق رهيب ، كيف يمكنني أن
أبلغ أم بضرورة استئصال عين فلذة كبدها.
قلت لها و أنا متألم : إنها قد تحتاج لعمل
عملية سريعة و للتأكد من هذا الأمر ، نأخذ رأي
أ. د.. أحمد م. ب.
قالت لي بلهفة شديدة : و هل هي عملية مضمونة ؟
هل ستبصر ابنتي ؟ شعرت أن لساني قد انعقد و
وقفت الكلمات في حلقي وقلت لها : الله يعمل
الخير.
لم تمض أيام حتى جاءت السيدة المعذبة وهي تقول
لي في أسى شديد شعرت به في عيونها الحزينة :
لقد عرفت الحقيقة كاملة وذهبت لعدة أساتذة
وعملت الفحوصات اللازمة ( رنين مغنطيسي وموجات
فوق صوتية وأشعة مقطعية ) و قد طلب مني أحد
الأساتذة 3 آلاف جنيه للعملية لأنها تحتاج
لمهارة خاصة حتى لا يترك أي جزء من الورم يساعد
على انتشاره ثانية.
قلت لها في أسى : علينا الامتثال لإرادة الله ،
ولكنها أردفت قائلة في حزم شديد وإيمان عجيب :
أن أثق في محبة الله لي و سأعود لك قريبا لأقول
لك عن نتيجة ما عزمت أن أفعله ، قلت لها : يجب
أن تخضع مارتينا للعملية سريعا قبل أن يمتد
الورم لباقي أجزاء الجسم.
كان ذلك في 28/ 4/ 2002 و بعد يومين فقط أي في
30 / 4 / 2002 وجدتها أمامي تحمل طفلتها قائلة
: أرجوك أن تفحصها ثانية ، فكرت في نفسي : ما
أهمية تكرار الفحص وما الذي سيستجد في يومين ؟
ولكني بالطبع لم أملك أن أرفض.
بدأت في فحص العين المصابة وإذا بي أجدها
طبيعية تماما ، أصدقكم القول إن شعر رأسي وقف
!!
> قلت لنفسي لعلها العين الأخرى ، ففحصتها
ووجدتها سليمة تماما ، تفرست في وجه السيدة
باندهاش شديد ، فوجدتها تضحك بسعادة غامرة ،
قلت لها : ماذا حدث ؟
أجابتني : أبو سيفين.
ثم بدأت تحكي قصتها قائلة : لقد دبرت مبلغ الـ3000
جنية بصعوبة شديدة لكني لم أذهب به للطبيب بل
ذهبت لكنيسة أبي سيفين بالإسكندرية و طلبت منه
بمرارة وألم ولكن بعشم شديد ، قلت له : ( أنت
اللي حتعمل العملية لبنتي ) و قدمت له المبلغ
كله مقدما و لم أفكر لحظة ماذا سيحدث لو أردت
أن أدفع هذا المبلغ للعملية ؟ و عدت وأنا أشعر
بسلام عميق ، و في الصباح شعرت أن مارتينا شفيت
وأردت أن تكون أول طبيب تفحصها لأنك أول طبيب
رأيتها.
لم أصدق نفسي ، ليتمجد اسمك يارب ، إن عصر
المعجزات لم ينته وصممت أن أرسلها ثانية لـ أ.
د. أحمد م. ب. الذي اتصل بي على الفور ليتأكد
من إنها نفـس الطفــلة التـي أرسلتها له و
أجريت لها نفس الفحوصات التي سبق أن أجرتها في
دار الأشعة بالإسكندرية و أثبتت خلوها من أي
ورم.
[b]