مـنـتـديـات الـمـحـبـه الـمـقـدسـه

القيامة تشهد على لاهوته2 Wellcome
عزيزى الزائر / عزيزتى الزائرة :- يرجى التكرم بتسجيل الدخول اذا كنت عضو معنا او التسجيل ان لم تكن عضو
وترغب فى الانضمام الى أسرة المنتدى
ونتشرف بتسجيلك معنا

مع تحيات ادارة منتديات المحبه المقدسه




انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

مـنـتـديـات الـمـحـبـه الـمـقـدسـه

القيامة تشهد على لاهوته2 Wellcome
عزيزى الزائر / عزيزتى الزائرة :- يرجى التكرم بتسجيل الدخول اذا كنت عضو معنا او التسجيل ان لم تكن عضو
وترغب فى الانضمام الى أسرة المنتدى
ونتشرف بتسجيلك معنا

مع تحيات ادارة منتديات المحبه المقدسه


مـنـتـديـات الـمـحـبـه الـمـقـدسـه

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


    القيامة تشهد على لاهوته2

    فرايم حبيب
    فرايم حبيب
    مشرف عام المنتديات
    مشرف عام المنتديات


    عدد المساهمات : 549
    عدد النقاط : 12323
    تاريخ التسجيل : 14/03/2010
    العمر : 74

    القيامة تشهد على لاهوته2 Empty القيامة تشهد على لاهوته2

    مُساهمة من طرف فرايم حبيب الأحد 18 أبريل 2010 - 10:20

    وجاء أولاً إلى القبر". (4)
    كان الاثنان يركضان معًا، فما سمعاه من مريم المجدلية لم يسببا لهما حالة إحباط، إذ لم يكن في أيديهما ما يعملاه، لكن على العكس أراد أن يعملا بسرعة من أجل راحتها، ولاكتشاف حقيقة الأمر. انطلقا معًا، ولم تكن هناك مزاحمة بين الصديقين عمن يدخل القبر أولاً. وإن كان يوحنا لصغر سنه سبق بطرس، فالعمل مشترك، مما شجع الواحد الآخر للانطلاق إلى القبر، ولم يعق الواحد الآخر، بل كان كل منهما يسرع قدر طاقته. لم يحسد بطرس يوحنا لأنه أسرع منه، ولا احتقر يوحنا بطرس لأنه أبطأ منه. وإن كان بطرس قد تاب، لكن إنكاره للسيد وشعوره بالذنب أبطأ من حركته نحو القبر، دون أن يحرمه من التمتع بالقائم من الأموات. هذه هي الصداقة الروحية الجادة، التي تحمل روح العمل الجماعي دون إعاقة الواحد للآخر. وكما يقول الحكيم: "اثنان خير من واحدٍ، لأن لهما أجرة لتعبهما صالحة" (جا 4: 9).
    يرى البعض أن مريم المجدلية انطلقت إلى التلاميذ بعد أن رأت هي ومن معها من النسوة الملاك، وقد أخبرهن عن القيامة. لكن مع دهشة الموقف لم تخبر التلاميذ بما قاله الملاك، فإن كل ما كان يشغلها أن تجد جسد السيد المسيح أو تلتقي معه. وربما بدا لها رؤيتها للملاك وحديثه معهن أشبه بحلمٍ أو خيال. ولم يتحرك من التلاميذ سوى بطرس ويوحنا.
    "وانحنى فنظر الأكفان موضوعة،
    ولكنه لم يدخل". (5)
    لم يدخل يوحنا لأنه وثق أن ما قالته مريم المجدلية حقيقة وهو أن الجسد غير موجود. وتأكد من مجرد النظر إلى القبر الفارغ. لكن ما أن دخل بطرس حتى تبعه هو أيضًا ورأى وآمن بأن الجسد غير موجود بالقبر.
    "ثم جاء سمعان بطرس يتبعه،
    ودخل القبر،
    ونظر الاكفان موضوعة". (6)
    اقتربا ونظرا الأكفان الكتانية موضوعة بنظامٍ وترتيبٍ، وهي علامة القيامة، فإنه لا ينزع أحد الأكفان من كان في نيته سرقة الجسد أو نقله. لأن السارق لن ينشغل بترتيب الأكفان، والذي ينقل الجسد لا يعرّيه. فلو كان البعض سرقوا الجسد فهل يربكون أنفسهم بنزع المنديل ويضعونه ملفوفًا في موضع آخر؟ ما حدث حتمًا لم يتم خلال نابشي القبور أو سارقي الجثث.
    v انحنى يوحنا ليرى، أما بطرس فدخل ونظر الأكفان الكتانية موضوعة لم يستفسر فورًا بل توقف. أما الغيور فدخل أكثر وانحنى يتطلع في كل شيءٍ بدقة ونظر أمرًا أكثر، عندئذ دعا الآخر لكي ينظر، إذ دخل بعد بطرس ورأى الأكفان موضوعة والمنديل في موضع وحده.
    v كان لابد أن يأخذوه كما هو. لهذا السبب يخبرنا الإنجيلي يوحنا مسبقًا أنه دفن بمرٍ كثيرٍ، هذا يجعل الأكفان تلتصق بالجسد، ليس بأقل من الرصاص. هكذا عندما تسمعون أن المنديل في موضع وحده لا تسلكون كالقائلين بأنه سُرق. فاللص لا يمارس تصرفًا لا حاجة إليه. فإنه لماذا ينزع الأكفان ويزيل المنديل؟ بجانب هذا كيف يمكنه أن يهرب من اكتشاف أمره إن قضى وقتًا طويلاً في فعل هذا؟ فسيًقبض عليه خلال التأخير والتواني. بل ولماذا توضع الأكفان الكتانية منفصلة والمنديل وحدها ملفوفة؟ لكي تتعلموا أن التصرف لم يحدث في تسرع أو بطريقة صاخبة.
    v إن قلت: فما الغرض في أن "المنديل الذي كان على رأسه ليس موضوعًا مع الأكفان بل ملفوفًا في موضع وحده"؟! أجبتك: لتعلم أن هذا الفعل ما كان فعل من كان مسرعًا ولا مضطربًا، فمن هذا الفعل صدقوا قيامته.
    القديس يوحنا الذهبي الفم
    v لو أن الأعداء سرقوا الجسد، فمن أجل المكسب المادي ما كانوا قد تركوا الأكفان. لو أن الأحباء فعلوا هذا لما سمحوا بتعرية الجسد وأهانته... هذا يظهر بالأحرى إن الجسد وقد عبر إلى الخلود لا يحتاج إلى ملابس في المستقبل.
    القديس أمونيوس الإسكندري
    "والمنديل الذي كان على رأسه ليس موضوعًا مع الأكفان،
    بل ملفوفًا في موضعٍ وحده". (7)
    ترك السيد المسيح الأكفان والمنديل الذي كان على رأسه ملفوفًا داخل القبر، فإنه قام ولا يعود يموت ليُكفّن مرة ثانية. لقد التحف جسده بثوب مجده تاركًا ثياب العالم التي تُبلى داخل القبر. ففي الفردوس لا نحتاج إلى ثيابٍ كما على الأرض، إذ نلتحف ببرّ المسيح ونشاركه مجده. عندما صعد إيليا في مركبة نارية منطلقة إلى السماء سقط ثوبه لأنه ليس في حاجة إليه.
    لنترك مع المسيح أكفان القبر خلفنا، إذ نحمل عربون عدم الفساد عوض الفساد الذي حلّ بنا.
    ترك لنا السيد المسيح الأكفان في القبر موضوعة بنظام، والمنديل الذي كان على رأسه في موضع وحده، حتى يجد كل مؤمن متى انطلق إلى القبر فراشًا أعده له الرب بأكفانه الثمينة، ويجد منديله يمسح الدموع التي سكبها في جهاده في العالم.
    يعلق القديس يوحنا الذهبي الفم على ترك الأكفان والمنديل في القبر بأن مسيحنا المصلوب يحثنا ألا نبالغ في الأكفان عند دفن موتانا، فإن جسم الميت سيقوم في مجدٍ بهيٍ لا يحتاج إلى ثيابٍ فاخرة!
    v يا لعظمة قوة المصلوب! إنه يحث الذين يهلكون (جسديًا) بأن الموت ليس موتًا. فلا يعملون كأناسٍ هالكين، بل كأناسٍ يبعثون بالميت الذي أمامهم إلى موضعٍ بعيدٍ ومسكنٍ أفضل. يحثهم على أن هذا الجسم الأرضي الفاسد سيرتدي ثوبًا أكثر مجدًا من الحرير والثياب المذهبة، يرتدي ثوب عدم الفساد، لذا يليق بهم ألا يرتبكوا بخصوص دفنهم، بل يحسبوا الحياة الفاضلة هي ثوب كالنسيم العجيب...
    v أي عذر لنا إن كنا نزين جسمًا يُستهلك بالفساد والدود، ونهمل المسيح وهو عطشان ويسير عاريُا وغريبًا؟ لنكف إذن عن هذا التعب الباطل. ليتنا نتمم جنازات الراقدين بما فيه لصالحنا وصالحهم لمجد الله، لنكثر من العطاء لأجلهم. لنبعث معهم زادا في الطريق... لنبعث بالراقد إلى القبر وهو بهذه الثياب (التي للعطاء) فيكون المسيح ميراثًا له.
    القديس يوحنا الذهبي الفم
    "فحينئذ دخل أيضًا التلميذ الآخر الذي جاء أولاً إلى القبر،
    ورأى فآمن". (8)
    لقد سبق يوحنا بطرس في ركضه نحو القبر، لكن بطرس سبقه في الجرأة، إذ دخل القبر بنفسه كمن يبحث عن الجسد، ويتحقق الأمر من كل جوانبه. يتسم البعض بالحركة السريعة، والآخرون بالجرأة أكثر من غيرهم، والكل يسند بعضهم البعض خلال المواهب والقدرات المتباينة. سرعة يوحنا شجّعت بطرس على الحركة بأكثر سرعة، وجسارة بطرس شجّعت يوحنا على الدخول في القبر. بطرس رأى وتعجب (لو24: 12)، ويوحنا رأى وأمن (يو20: 8).
    موت السيد المسيح بالجسد ودفنه في قبرٍ نزع عنا الخوف من الموت والقبر، فإنه سيحل بنا الموت قريبًا ونُوضع في قبر. لذا يليق بنا أن نردد مع أيوب البار: "قلت للقبر أنت أبي، وللدود أنت أمي" (أي 17: 14).
    "لأنهم لم يكونوا بعد يعرفون الكتاب،
    أنه ينبغي أن يقوم من الأموات". (9)
    يعلل الإنجيلي يوحنا بطئه هو وبطرس في الإيمان بعدم معرفتهما العميقة للنبوات، كانا في حاجة أن يفتح اللَّه ذهنيهما ليفهما الكتب، كما حدث مع تلميذي عمواس (لو 24: 44-45). لم يدرك التلاميذ ما تنبأ عنه المرتل: "لأنك لن تترك نفسي في الهاوية، ولن تدع تقيَّك يرى فسادًا" (مز16: 10). ولا فهموا ما قاله السيد المسيح عن تحقيق آية يونان بقيامته (مت 12: 40).
    لم يقل الإنجيلي: "أنه يقوم من الأموات"، وإنما "ينبغي أن يقوم من الأموات". فالقيامة كانت من جانب هي جزء حيوي رئيسي في خطة الله لخلاصنا وتبريرنا، لذلك تحقيقها كان أمرًا ضروريًا, ومن جانب آخر لم يكن ممكنًا للسيد المسيح القائل: "أنا هو القيامة" أن يحبسه الموت، أو يقبض عليه القبر!
    "فمضى التلميذان أيضًا إلى موضعهما". (10)
    عادا إلى الموضع الذي كان التلاميذ يجتمعون فيه، خاصة بعد الصلب، وليس إلى منازلهما، لأنه لم يكن لهما منزل في أورشليم. عادا إلى التلاميذ لا للكرازة بالقيامة، ولا لتأكيد أنهما لم يجدا جسد السيد، وإنما غالبًا ما خشيا من الأحداث القادمة. لأنه لم يكن ممكنًا لهما أن يتوقعا ما سيفعله قادة اليهود حين يكتشفوا عدم وجود الجسد في القبر. عادا إلى اخوتهما ينتظرا ما سيعلنه اللَّه. حتمًا تحدثا مع التلاميذ عما حدث، وقرر الكل أن يجتمعوا معًا في العُليّة في مساء ذات اليوم، حيث ظهر لهم السيد المسيح، ولم يكن توما حاضرًا معهم. كان لابد للتلاميذ أن يجتمعوا خاصة وأن ملاكين ظهرا لمريم المجدلية، بينما لم يظهر ملاك لبطرس ويوحنا.
    يرى القديس يوحنا الذهبي الفم انهما ذهبا أولا في دهشة، كل إلى بيته، حيث بدأت القيامة تتجلى أمامهما، ثم عادا فاجتمعا ببقية التلاميذ حسب أمر السيد.
    2. صباحًا: مريم المجدلية والملاكان
    "أما مريم فكانت واقفة عند القبر خارجًا تبكي،
    وفيما هي تبكي انحنت إلى القبر". (11)
    بينما انطلق التلميذان إلى اخوتهما التلاميذ بقيت مريم المجدلية عند القبر تبكي. لم يكن ممكنًا لها أن تفارق القبر حتى ترى جسد السيد المسيح.
    بالحب تلتصق النفس بالسيد المسيح، وتود أن تتعرف على أسراره وتراه. فيما هي تبكي انحنت إلى القبر تنظر. لقد تأكدت أن الجسد ليس بالقبر، ودخل التلميذان وتأكدا، لكن حبها له جعلها بين الحين والآخر تتطلع منحنية نحو القبر لعلّه يوجد ما يعزّيها!
    v الجنس النسائي إلى حد ما مملوء بالمشاعر، ويميل بالأكثر نحو الحنو. أقول هذا لئلا تندهشوا كيف أمكن لمريم أن تبكي بمرارة عند القبر بينما لم يحمل بطرس عاطفة! إذ قيل: "فمضى التلميذان إلي بيتهما"، أما هي فوقفت تزرف الدموع. ذلك لأن طبيعتها ضعيفة، ولم تكن بعد قد أدركت بدقه موضوع القيامة. أما هما فإذ شاهدا الأكفان الكتانية آمنا ورحلا إلى منزليهما في دهشة. ولماذا لم يذهبا فورا إلى الجليل كما أمرهما السيد قبل الآلام؟ ربما لأنهما انتظرا الآخرين، كما كانا في قمة الدهشة. هذان إذن ذهبا في طريقهما، أما هي فوقفت في الموضع. وكما قلت فإن مجرد التطلع إلى القبر وهبها تعزية عظيمة...
    على أي الأحوال لقد نالت مكافأة ليست بقليلة بسبب غيرتها العظيمة. فما لم ينظره التلميذان رأته هذه المرأة أولاً. نظرت ملاكين جالسين، واحد عند القدمين، والآخر عند الرأس، في ثيابٍ بيضٍ، حتى ثيابهما كانت مملوءة تألقا وبهجة.
    القديس يوحنا الذهبي الفم
    "فنظرت ملاكين بثيابٍ بيضٍ جالسين،
    واحدًا عند الرأس،
    والآخر عند الرجلين،
    حيث كان جسد يسوع موضوعًا". (12)
    بعد انصراف التلميذين، في ذات اليوم بعد طلوع الشمس على الأرجح، عادت مريم وحدها، وكانت لا تزال تبحث عن الغائب عنها، ولم تكن حالتها النفسية قد تغيرت إذ انحنت إلى القبر وهي تبكي، فقدم لها القبر إعلانًا آخر، إذ رأت ملاكين بثيابٍ بيضٍ جالسين، واحدًا عند الرأس والآخر عند الرجلين. كأنهما كانا يقيسان جسده لا بمقاييس العالم بل بمقاييس سماوية، حيث أمكن تقديم جسده القائم من الأموات عبر كل العصور ليقيم منه الكنيسة الجامعة، جسده المقدس.
    استجاب الرب لحبها ودموعها، ففتح عن عينيها لترى ملاكين يشهدان للقيامة، إذ على فم شاهدين تقوم الشهادة. لم تنظرهما من قبل ولا نظرهما التلميذان عند دخولهما القبر. لقد ذكر القديسان متى ومرقس أنها رأت ملاكًا واحدًا، ربما اكتفيا بالإشارة إلى الملاك الذي تحدث معها.
    تشير الثياب البيض إلى النقاوة.
    لماذا كانا جالسين؟ لا يحتاج الملائكة إلى الجلوس للراحة، لأنهما بلا أجساد قابلة للتعب، لكن جلوسهما يشير إلى الدعوة ألا نخاف من القبر، فحيث يوجد السيد المسيح نجلس ونستريح. إن كان العالم قد وضع جنودًا لحراسة قبر السيد المسيح لئلا يقوم، فقد قام وارتعب الجند وهربوا، أما جنود الرب فهم الملائكة الجالسون في طمأنينة ويقين بغلبة المسيح ونصرته على قوات الظلمة.
    يشير الملاكان إلى الشاروبين اللذين كانا على غطاء تابوت العهد حيث عرش الرحمة وحضرة الله وسط شعبه (خر ٢٥: ١٨). لم يحملا سيفًا كما حمل الشاروب عند باب جنة عدن ليمنع الإنسان من الدخول، وإنما كانا جالسين عند الرأس والرجلين، يرحبان بنا، ويقودان كل مؤمن للتمتع بالشركة مع المسيح المصلوب القائم من الأموات، لنتمتع بالحياة الأبدية خلال الصليب، شجرة الحياة.
    يرى البابا غريغوريوس (الكبير) أن ملاكًا عند الرأس يعلن عن لاهوته: "في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله "(يو1: 1). والثاني عند الرجلين يعلن عن التجسد: "الكلمة صار جسدًا وحل بيننا" (يو1: 14). يمكن أيضًا القول بأنهما يشيران إلى العهدين القديم والجديد، كلاهما يقدمان ذات الرسالة بأن الرب صار إنسانًا ومات وقام. إنهما كالشاروبين اللذين كانا على غطاء تابوت العهد حيث كان مجد الرب يتجلى. وكلمة شاروب تعني "كمال المعرفة "، وماذا يعني الشاروبان إلا العهدين؟ وما هو كرسي الرحمة إلا الرب الذي صار إنسانًا. يعلن العهد القديم عن أمرٍ لابد أن يحدث، ويعلن العهد الجديد أن هذا الإعلان قد تحقق وتم. وكأن العهدين ينظران الواحد نحو الآخر بينما اتجه الاثنان نحو كرسي الرحمة، يتأملان الرب الذي صار إنسانًا، وبقلب واحدِ يصفان سرّ تدبيره.
    v لماذا كان أحدهما جالسًا عند الرأس، والآخر عند القدمين؟ أليس لأن الكلمة اليونانية المترجمة ملاكين في اللاتينية nuntii (حاملا الأخبار)؛ وبهذا فإنهما يشيران إلى إنجيل المسيح الذي يُكرز به من الرأس حتى القدمين، أو من البداية حتى النهاية؟
    القديس أغسطينوس
    v إذ لم يكن ذهن المرأة قد ارتفع بما فيه الكفاية لقبول القيامة من خلال برهان المنديل (والأكفان)، حدث أمر آخر، إذ رأت ملاكين جالسين في ثياب برَّاقة، حتى يقيماها إلى حين من حزنها الشديد، ويهبانها راحة. لم يتحدثا عن القيامة، لكنها اُقتيدت إلى هذا التعليم بهدوء. رأت ملامح بهية غير عادية، وشاهدت ثيابًا مضيئة، وسمعت صوتًا معزيًا.
    القديس يوحنا الذهبي الفم
    v كرّم اليهود القدامى قدس الأقداس من أجل ما احتواه من الكاروبين وعرش الرحمة وتابوت العهد والمن وعصا هرون والمذبح الذهبي. هل يبدو قبر المسيح أقل كرامة منه؟ فإننا إذ ندخله غالبًا ما نرى المخلص في أكفانه، وإن تأخرنا نرى ملاكًا جالسًا عند قدميه وآخر عند رأسه. هذا القبر نحته يوسف الرامي، وجاءت نبوة إشعياء تخبرنا عن مجده: "في راحته يكون مجيدًا" (إش 10:11)، بمعنى أن موضع دفن الرب ينال كرامة عالمية.
    القديس جيروم
    "فقالا لها: يا امرأة لماذا تبكين؟
    قالت لهما: أنهم أخذوا سيدي،
    ولست أعلم أين وضعوه". (13)
    أظهر الملاكان حنوًا نحو مريم المجدلية الباكية، فقد دُهشا لبكائها، إذ كانا ينتظران أنها تفرح بقيامته. حقًا وسط آلامنا يشاركنا السمائيون الحب، ويندهشون لحزننا، إذ أدركوا ما يعده القائم من الأموات من أمجاد لمؤمنيه.
    لم يكن ممكنًا حتى لرؤية الملاكين أن يشبعا قلب المجدلية، فقد جاءت تطلب السيد المسيح نفسه.
    v منعها الملاكان من الدموع، لأنه بمثل هذا الوضع يليق بهما ماذا يعلنان سوى أنه بطريق أو آخر أنه موضوع فرح المستقبل... لقد وضعا السؤال: لماذا تبكين؟ كما لو قالا: لا تبكين. أما هي فظنتهما يسألان لعدم معرفتهما عن سبب دموعها.
    القديس أغسطينوس
    v في كل هذه الظروف كان كما لو أن الباب ينفتح أمامها لتدخل قليلاً قليلاً إلى معرفة القيامة. كانت طريقة جلوسهما دعوة لها أن تسألهما، إذ أظهرا لها أنهما يعرفان ما قد حدث. ولهذا لم يجلسًا معا بل كل منهما على انفراد... ماذا قالت؟ تحدثت في حرارة وانفعال: "إنهم اخذوا سيدي، ولست أعلم أين وضعوه" (13). ماذا تقولين؟ أما عرفتِ بعد شيئًا عن قيامته، بل لازلتِ تتخيلين أنه لا يزال موضوعًا في مكان؟ ألا ترون كيف أنها لم تقبل بعد تعليمًا عاليًا؟
    القديس يوحنا الذهبي الفم
    v لم تكن تطلب الجسد، بل الرب الذي أُخذ.
    البابا غريغوريوس (الكبير)
    v "في الليل على فراشي طلبت من تحبه نفسي" (نش 1:3). وقد قيل: "جاءت مريم والظلام باق"، "في الليل على فراشي طلبت من تحبه نفسي، طلبته فما وجدته". وفي الأناجيل تقول مريم: "أخذوا سيدى ولست أعلم أين وضعوه؟!".
    القديس كيرلس الأورشليمي
    3. صباحًا: لقاء المجدلية مع المسيح
    "ولما قالت هذا التفتت إلى الوراء،
    فنظرت يسوع واقفًا،
    ولم تعلم أنه يسوع". (14)
    موضوع "المكان" الخاص أين يمكث يسوع، وأين يذهب، هو موضوع حيوي. ففي بداية الإنجيل سأله التلميذان الأولان: "يا معلم أين تمكث؟" (يو 38:1). وفي العشاء الأخير قال له توما: "لسنا نعلم إلى أين تذهب" (يو5:14). وعند القبر سألته المجدلية: "إن كنت قد حملته، فقل لي أين وضعته، وأنا آخذه" (يو 15:14). وعندما سألها أن تبشر بقيامته وجّه نظرها إلى أين تذهب، إذ أراد لها كما للتلاميذ أن يصعدوا درجات أعلى في معرفتهم لقيامته.
    قبل أن يجيب أحد الملاكين عليها جاءت الإجابة عمليًا من السيد المسيح نفسه الذي وقف وراءها ليتحدث معها ويجيب على سؤالها. كان شهوة قلب المجدلية أن ترى جسد المسيح الميت، لكنه وهبها ما هو أعظم، إذ ظهر لها "القائم من الأموات". إنه يعطينا أكثر مما نسأل وفوق ما نطلب.
    التفتت إلى الوراء ربما لأنها شاهدت الملاكين قاما بعملٍ غير عادي كالسجود متجهين نحوه، أو أن أنظارهما قد تحولت عنها إليه بوقار شديد. رأته إنسانًا عاديًا فلم تتعرف على شخصه. لم تكن نفسية المجدلية أو فكرها مهيأ للقاء مع القائم من الأموات. وربما بسبب حزنها الشديد لم تستطع أن تتعرف على شخص ربنا يسوع. حقًا كانت تبحث عنه بدموعٍ بقلبٍ منكسرٍ، ولم تدرك أنه قريب من منسحقي القلوب (مز ٣٤: ١٨)، أقرب مما يظنوا. هكذا يليق بنا حين نطلبه أن ندرك أنه قريب إلينا جدًا، فوق كل تصورٍ بشري. فهو في داخلنا يود أن يعلن ذاته لنا.
    لم يروِ لنا يوحنا الإنجيلي أن أحد الملاكين قد أخبراها بقيامته، ربما لأنه سبق فأشار إلى ذلك الإنجيليون الثلاثة (مت ٢٨: ٥-٧؛ مر ١٦: ٦-٧؛ لو ٢٤: ٥-٧).
    v على ما يلوح لظني أنها إذ قالت إنهم أخذوا سيدي ولست أعلم أين وضعوه ظهر السيد المسيح خلفها بغتة! فأخاف الملاكين، فإذ عاينا سيدهما أظهرا في الحال بشكلهما وبنظراتهما وبحركتهما أنهما قد أبصرا ربهما، بهذا الحال استمالا التفات مريم.
    ظهر لهما بهذه الكيفية، ولم يظهر هكذا للمرأة، حتى لا ترتعب منه عند أول نظرة إليه. إنما ظهر لها في شكل عادي بسيط كما يظهر من كونها قد ظنته أنه البستاني.
    كان هذا يليق بفكر غير متقدم أن ينطلق إلى الأمور العلوية ليس دفعة واحدة بل بهدوءٍ، لهذا سألها: "يا امرأة لماذا تبكين؟ من تطلبين؟"
    القديس يوحنا الذهبي الفم
    v إذ أحبت وشكت رأته ولم تتعرف عليه؛ حبها أعلنه لها، وشكها منعها عن معرفته.
    البابا غريغوريوس (الكبير)
    "قال لها يسوع:
    يا امرأة لماذا تبكين؟ من تطلبين؟
    فظنت تلك أنه البستاني،
    فقالت له: يا سيد إن كنت أنت قد حملته،
    فقل لي أين وضعته،
    وأنا آخذه". (15)
    ربما جاء تساؤل السيد المسيح يحمل شيئًا من الحزم: يا امرأة لماذا تبكين؟ من تطلبين؟ وكأنه يقول لها: لماذا أتيتِ إلى هذا الموضع باكرًا؟
    لقد سبق فرُمز لهذا التصرف بيوسف الذي تظاهر أمام اخوته كغريبٍ قبل أن يكشف لهم عن شخصه (تك 44، 45). إنه يعاتبها: "لماذا تبكين؟ أنا قمت! من تطلبين؟ ها أنا أمامك! قيامتي فيها الإجابة على كل أسئلتك، وفيها شبع لكل احتياجاتك".
    جاءت إجابتها تحمل معنى: "لماذا تلومني على دموعي الغزيرة؟ ولماذا تسألني من أطلب؟ أنت تعرف سرّ دموعي وموضوع طلبي"، وإذ حسبته البستاني ترجته أن يخبرها أين هو إن كان قد حمله إلى موضع آخر.
    ربما ظنت أنه كبستاني لم يقبل أن يوضع جثمان مصلوب مرفوض من المجتمع في قبر سيده الجديد، لذلك حمله إلى موضع آخر. لذلك طلبت أن تأخذه لتجد له قبرًا آخر تضعه فيه. بحبها لم تشعر بأي ثقل من جهة حمل جسد المسيح والبحث عن قبرٍ لائق به.
    v مرة أخرى تتحدث عن جسد موضوعٍ أو محمولٍ بعيدًا كما عن جثة ميت. إنها بهذا تعني: "إن كنت قد حملته خوفًا من اليهود، أخبرني. فإنني أأخذه". عظيم هو حنو المرأة وانفعالها المحب، لكن لم يكن لديها شيء علوي. لذلك يضع الأمر أمامها بالصوت لا بالمظهر.
    القديس يوحنا الذهبي الفم
    v سألها عن سبب حزنها لكي يزيد من شوقها، حتى إذ سأل تلك التي تبحث لترى تشعر بحب ملتهب متزايد من نحوه.
    البابا غريغوريوس (الكبير)
    "قال لها يسوع: يا مريم.
    فالتفتت تلك، وقالت له:
    ربوني، الذي تفسيره يا معلم". (16)
    إذ بحثت عنه بغيرة متقدة ومحبة تأهلت أن تسبق غيرها في التمتع بصوته المفرح. لقد سرّ السيد المسيح أن يهبها فرح قيامته، لكي تشهد وتكرز بإنجيل القيامة. تحدث معها لا بلهجة بستاني حارس للبستان، وإنما بنغمة المحبة التي اعتادت عليها. سمعت اسمها على فمه فعرفت شخصه، وكما قال السيد عن خرافه أنها تعرف صوته (يو ١٠: ٤). كان يكفيها كلمة واحدة، أن يناديها السيد باسمها. وكما تقول الكنيسة: "صوت حبيبي، هوذا آتٍ طافرًا على الجبال، قافزًا على التلال" (نش ٢: ٨).
    قالت له: "ربوني" وهو لقب يحمل نوعًا من الكرامة أكثر من لقب "راباي". إنه يحمل معنى "يا معلمي العظيم الكرامة".
    v إلى أن دعاها باسمها وظهر لها كهاتفٍ لا تزال تظنه ميتًا وتسأل أين هو موضوع، دعاها باسمها. وكأنه يقول لها: "لتعرفي ذاك الذي يعرفك". وإذ دُعيت مريم باسمها عرفت خالقها. أنه ذاك الذي تبحث عنه خارجها، وهو يعلمها أن تبحث عنه داخليًا.
    البابا غريغوريوس (الكبير)
    v علة حزنها الشديد أنها لم تعرف أين تذهب لتهدئ من حزنها. لكن قد أتت الساعة حين يعلن لها الملاكان إلى حد ما بالفرح الذي يحل بعد الحزن، فقد طلبا منها ألاَّ تبكي.
    v عندما حولت جسمها (التفتت إلى الوراء) ظنته على غير ما هو عليه (١٥)، بينما حينما حولت قلبها تعرفت عليه كما هو.
    القديس أغسطينوس
    "قال لها يسوع:لا تلمسيني،
    لأني لم أصعد بعد إلى أبي،
    ولكن اذهبي إلى اخوتي،
    وقولي لهم: إني أصعد إلى أبي وأبيكم، وإلهي وإلهكم". (17)
    فعلت مريم حسبما أُمرت، ذهبت إلى التلاميذ وأبلغتهم الرسالة: "قد رأيت الرب". لقد أكدت لهم خبرتها مع المسيح القائم من الأموات.
    لتأكيد قيامته سمح لتلاميذه أن يلمسوا آثار المسامير والجراحات، كما سمح للنسوة أن يمسكن قدميه ويسجدن إليه (مت ٢٨: ٩). أما بالنسبة للمجدلية فربما لأنها ظنت أنه قام كما سبق فأقام لعازر ليعيش معهم على الأرض، لذلك طلب منها ألا تلمسه بيديها بل بقلبها، لتكرز بقيامته وصعوده إلى السماء. إنه لم يقم ليؤسس له مملكة أرضية، بل ليصعد، ويقيم مملكته في القلوب. لقد سبق فهيأ أذهانهم قبل صلبه أنه يصعد إلى السماء، لذا لم يرد أن تتحول بهجة قيامته إلى شوق نحو بقائه معهم على الأرض.
    يرى Leon Morris أن الفعل "تلمسيني" في اليونانية يحمل معنى "لا تستمري في لمسي" وليس "لا تبتدئي باللمس". أراد السيد المسيح منها أن تتوقف عن اللمس، وكأنه سمح لها باللمس ولكن إلي حين. أراد أن يؤكد لها أنه قد قام بحياة جديدة، ليس كالحياة القديمة التي تركها، ليهب البشرية المؤمنة هذا التغيير في يوم الرب العظيم (1 كو 15: 51-53).
    مرة أخرى إذ تلامست مع قيامته يؤكد لها أنه لم يصعد بعد إلى السماء، وقد حان الوقت للكرازة بالقيامة وتهيئة الأذهان للصعود. إنه لا يوجد وقت للارتباط الزمني وحضوره جسديًا وسطهم. ليس من وقت للحديث معه، بل يلزم تحقيق رسالته، إنه وقت للكرازة بالأخبار المفرحة.
    مع قيامته والإعلان عن صعوده لم يخجل من أن يدعو تلاميذه "اخوتي".
    بعث السيد المسيح برسالة مع المجدلية إلى تلاميذه الذين تركوه عند القبض عليه ولم يرافقوه حتى الصليب. لم يشر إلى كلمة عتاب واحدة، وكأنه قد أرسل إليهم يقول: "إني أغفر وأنسى ولا أعاتب!"
    أرسل إليهم المجدلية التي سبق فأخرج منها سبعة شياطين لكي تكرز للتلاميذ بالأخبار المفرحة للقيامة.
    في رسالته إليهم أعلن شوقه للوحدة، اتحادهم معه، لينالوا البنوة لله، فيصير الله الآب أباهم، ويصير المسيح نفسه معهم، يحسب الآب إلهه كابن البشر الممثل لهم. لكنه يميز بين مركزه كابن أزلي حقيقي وبينهم كأبناء بالتبني، إذ لم يقل: "أبينا وإلهنا". أخيرًا إن كان بطرس ويوحنا تركاها في البستان تبحث عنه باكية، فإنها إذ وجدته عادت تبشر الكل بما رأته وسمعته ووجدته. لقد وجدت المسيا مخلص العالم الذي يعدهم ليرتفعوا معه بقلوبهم إلى حضن الآب.
    أجاب القديس جيروم على تساؤل مارسيلا Marcella كيف يتفق ما جاء في يو 17:20 "لا تلمسيني" مع ما ورد في مت 9:28: "فتقدمتا وأمسكتا بقدميه". يقول أنه في الحالة الأولى فشلت مريم المجدلية في التعرف على لاهوت ربنا يسوع، أما في الحالة الثانية تعرفتا عليه، ولهذا نالا الامتياز الذي حُرمت منه مريم المجدلية أولاً.
    v بمعنى إنكِ لستِ أهلاً أن تلمسي القائم ذاك الذي تظنين أنه لا يزال في القبر.
    القديس جيروم
    v أعطى يسوع المرأة درسًا في الإيمان التي عرفته أنه السيد، ودعته هكذا في إجابتها له. كان هذا البستاني يغرس في قلبها، كما في حديقته حبة الخردل. ماذا إذن يقصد بقوله: "لا تلمسيني"؟ وكما لو كان علة المنع يجب بحثها أضاف: "لأني لم أصعد بعد إلى أبي". ماذا يعني هذا؟ إن كان لا يُلمس بواسطة البشر وهو واقف على الأرض، فكيف يُمكن أن يُلمس بواسطة البشر وهو جالس في السماء؟ بالتأكيد قدم نفسه قبل صعوده لكي يلمسه تلاميذه (لو ٢٤: ٢٩)... هذه المرأة ترمز لكنيسة الأمم التي لم تؤمن بالمسيح إلا بعد صعوده فعلاً إلى الآب، وبهذا فهو يريد أن يؤمنوا به، أي يلمسوه روحيًا إذ هو والآب واحد...
    v كان يليق بمريم التي كانت لا تزال تظن عدم مساواته للآب أن تُمنع من لمسه بالكلمات: "لا تلمسيني". بمعنى لا تؤمني هكذا حسب مفاهيمك الحالية. لا تدعي أفكارك تنبسط خارجيًا إلى ما صرتِ عليه من أجلك دون العبور إلى ما بعد ما أنتِ عليه... إنك تلمسيني حينما تؤمنين إني أنا الله ولست بأية طريقة غير مساوٍ للآب.
    القديس أغسطينوس
    v على حسب ظني أن هذه المرأة أرادت أن تأتلف به أيضًا كائتلافها به من قبل، ومن فرحها به لم تدرك فيه أمرًا عظيمًا، إذ كان أفضل حالاً في ذات جسده بمقدارٍ كثيرٍ، فإذ حجزها عن هذه المهمة رفع أفكارها حتى تنظر إليه بأوفر خشوعٍ وأجزله، فمعنى قوله: "لا تلمسيني" هو لا تقتربي مني كالحال السابق.
    v بينما رأيناه على الصليب وحيدًا، لا نراه هكذا بعد، بل يظهر وسط اخوته. في يوم قيامته قدم الرسالة المفرحة: "اذهبي إلى اخوتي وقولي لهم إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم" (يو 17:20). نسمعه يخاطب تلاميذه كاخوته وذلك في يوم قيامته المجيدة بعدما اجتاز آلامه. فإننا إذ نتقدس بعمله الخلاصي (آلام الصليب)، ليس فقط لا يخجل بل يُسر جدًا أن يدعوهم هكذا "اخوته" (عب 12:2).
    v يقول العريس: إن كنت ترغب أن تُفتح الباب وأن ترتفع أبواب نفسك ليدخل ملك المجد، يلزمك أن تقبل اشتياقاتي في نفسك. كما يقول الإنجيلي: "من يصنع مشيئة أبي الذي في السماوات هو أخي وأختي وأمي" (مت 50:12). يليق بك أن تقترب إلى الحق، وتصير شريكه حتى لا تنفصل عنه.
    القديس غريغوريوس أسقف نيصص
    v "اذهبي إلى اخوتي، وقولي لهم: "إني أصعد إلى أبي وأبيكم، وإلهي وإلهكم". مع أنه لم يكن قد اقترب صعوده ليتحقق فورًا، إنما يتم ذلك بعد أربعين يومًا، فلماذا قال هذا؟ رغبة في أن يرفع أذهانهم، ويحثهم بأنه سيرحل إلى السماوات.
    القديس يوحنا الذهبي الفم
    v عندما يذهب (إلى أبيه) حاملاً الغلبة والنصرات بجسده القائم من الأموات... عندئذ تقول بعض القوات: "من ذا الآتي من أدوم بثيابٍ حمرٍ من بصرة، هذا البهي بملابسه؟" (إش ٦٣: ١). والمرافقون له يقولون للمقيمين عند أبواب السماء: "ارتفعي أيتها الأبواب ليدخل ملك المجد" (مز ٢٤: ٧). وإذ يستفسرون بالأكثر، أقول، إذ يروا يمينه بآثار دمه، وكل جسمه وقد امتلأ بالجراحات يقولون: "ما بال لباسك محمر وثيابك كدائس المعصرة؟" يجيب: "لقد حطمتهم ومزقتهم قطعاً" (راجع إش ٦٣: ٢-٣).
    العلامة أوريجينوس
    v سألها ألا تلمسه لأنه لم يصعد بعد، حتى تلمسه بعد صعوده، إذ يُعد لها أمجادًا عظيمة، فتلمس ما لا يمكن لمسه بالأيدي، وترى ما لم تستطع رؤيته هنا. ولعله يخبرها ألا تلمسه بمعنى لا تعودي تحسبينني بشريًا مجردًا، بل أنا القدوس. ارفعي قلبك وفكرك إلى السماويات، واطلبيني هناك، لأني صاعد إلى أبي الذي لم أتركه قط ولا انفصل عنه. أنا أقيمك واصعد بك إلى عرشي!
    السبب أنه لا يُلمس كما في هذه الكلمات: "لأني لم أصعد بعد إلى أبي"... فالقلب الذي لا يؤمن بمساواته للآب، يبقى الرب بالنسبة له غير صاعد بعد إلى أبيه. فمن يؤمن أنه شريك مع الآب في السرمدية هو وحده يلمسه... لأني صرت إنسانًا فهو إلهي، ولأنكم قد تحررتم من الخطأ فهو إلهكم. أنه أبي وإلهي بطريقة متمايزة عنكم، إذ ولدني بكوني الله قبل الدهور، ولكنه خلقني كإنسانٍ في ملء الزمان.
    البابا غريغوريوس (الكبير)
    v لئلا يظن أحد في بساطة أو عن سرعة خاطر مع عناد أن في قول المسيح: "أصعد إلى أبي وأبيكم" أنه مساوٍ في الكرامة مع الأبرار، لهذا يجدر بنا أن نصنع تمييزًا. وهو أن اسم "الآب" هو واحد "أي آب لابن واحد"، أما عمله فمتعدد "أي يعطى البنوة بالتبني لكثيرين". وإذ يعلم المسيح نفسه هذا قال في عصمة عن الخطأ: "أصعد إلى أبي وأبيكم"، ولم يقل: "أبينا"، بل ميز بينهما.
    قال أولاً بما يليق به: "إلى أبي" الذي هو بالطبيعة، وبعد ذلك أضاف: "وأبيكم" الذي هو بالبنوة. لأنه مهما بلغ سمو الامتياز الذي تقبلناه بقولنا في صلواتنا: "أبانا الذي في السماوات"، إلا أن العطية هي من قبيل محبة اللٌه المترفقة. فنحن ندعوه أبًا، ليس لأننا وُلدنا بالطبيعة من أبينا السماوي، بل انتقلنا من حالة العبودية إلى البنوة بنعمة الآب خلال الابن والروح القدس. لقد سمح لنا أن ننطق بهذا من قبيل محبة اللٌه المترفقة غير المنطوق بها.
    v لئلا يُظن أنه من جانب ما هو آب للابن وللخليقة معًا صنع المسيح تمييزًا كما يلي. إنه لم يقل: "اصعد إلى أبينا" لئلا تصير الخليقة شريكة للابن الوحيد (على مستواه الطبيعي) بل قال: "أبي وأبيكم" أي هو أبي بالطبيعة وأبوكم بالتبني.
    القديس كيرلس الأورشليمي
    v إن كنت تطلبه بين الكائنات الأرضية كما طلبَته مريم المجدلية، احذر لئلا يقول لك ما قاله لها: "لا تلمسيني، لأني لم أصعد بعد إلى أبي وأبيكم" (17). فإن أبوابك ضيقة، لا يمكن أن ترتفع فلا تقدر الدخول فيها. اذهب في طريقك إلى اخوتي، أي إلى الأبواب الدهرية هذه إذ ترى يسوع ترتفع... أبدية هي أبواب الكنيسة، هذه التي يشتهي النبي أن يعلن فيها تسابيح المسيح، قائلاً: "لكي أخبر بكل تسابيحك في أبواب ابنة صهيون" (مز 14:9).
    v يكشف ابن اللَّه الفارق بين الولادة والنعمة عندما يقول: "لم أصعد إلى أبي وأبيكم، وإلهي وإلهكم". إذ لم يقل: "لم أصعد إلى أبينا وإلهنا"... التمييز علامة الفارق، إذ ذاك الذي هو أب المسيح هو خالقنا.
    v غاية المسيح في التجسد أن يهيئ لنا الطريق إلى السماء.
    v حقًا قال لمريم المجدلية: "لا تلمسيني" (17)، لكن هذا الطاهر لم يقل: "لأني طاهر"، فهل تتجاسر يا نوفيتان Novatian وتقول إنك طاهر، بينما حتى إن كنت طاهرًا بأعمالك فبقولك هذا تُحسب غير طاهرٍ؟
    القديس أمبروسيوس
    v إنه قد أوشك أن يجلس على عرش أبيه، أما هم فيقفون. مع كونه في كيانه حسب الجسد صار أخانا، لكن في كرامته يختلف عنا جدًا بما لا يمكن أن نخبر عن قدره.
    القديس يوحنا الذهبي الفم
    "فجاءت مريم المجدلية وأخبرت التلاميذ أنها رأت الرب،
    وأنه قال لها هذا". (18)
    v انظروا كيف زالت خطية الجنس البشري كما بدأت. في الفردوس كانت المرأة علة الموت للرجل (تك 3: 6)، وخرجت من القبر امرأة تعلن الحياة للبشر. روت مريم كلمات ذاك الذي أعاد لها الحياة. وحواء روت كلمات الحية التي جلبت الموت. وكأن الرب يخبر الجنس البشري، لا بالكلام بل بالعمل: " اقبلوا نبع الحياة من اليد التي قدمت مشروب الموت".
    البابا غريغوريوس (الكبير)
    4. لقاؤه مع تلاميذه الأحد مساءً
    "ولما كانت عشية ذلك اليوم وهو أول الأسبوع،
    وكانت الأبواب مغلقة،
    حيث كان التلاميذ مجتمعين لسبب الخوف من اليهود،
    جاء يسوع ووقف في الوسط وقال لهم:
    سلام لكم". (19)
    لم نسمع أن اليهود أرادوا الانتقام من التلاميذ في ذلك الحين، لكن بسبب ضعف إيمانهم ظنوا أنه بعد صلب السيد ودفنه يأتي الدور عليهم. مع أن اليهود لم يقتربوا إليهم منذ قال لهم: "دعوهم يمضوا" (يو ١٨: ٨). فقد كان هدف القادة هو "يسوع" نفسه، لذا فلا قيمة للتحرك ضد أتباعه مادام هو نفسه قد مات في عارٍ على الصليب ولم يعد له وجود. حسبوا أن الأمر ليس بذي قيمة.
    ظهور السيد المسيح في وسطهم والأبواب مغلقه لم يكن بعملٍ معجزي، لأن هذه هي طبيعة الجسم القائم من الأموات، لن تستطيع المادة أن تعوقه. إنما ما أراد تأكيده فهو أنه قام بذات الجسم، لكنه جسم ممجد. لم تكن قيامته تعني عودته إلى الحياة العادية على الأرض، بل هي انطلاق بالمؤمنين وصعوده بهم إلى حضن الآب.
    لم نجد كلمة "الأبواب" بالجمع إلا في يوحنا، ولعله كان للعلية أكثر من باب، أو ربما يقصد أن باب البيت كان مغلقا كما كان باب العلية، إذ كان التلاميذ في رعبٍ، فلم يكتفوا بغلق باب البيت الخارجي.
    في الأناجيل الأخرى ابرز الإنجيليون أن التلاميذ كانوا في خوفٍ بعد القيامة مباشرة، إذ لم يكن بالأمر الهين أن يروا من مات ودفن لا يزال حيُا يظهر لهم. أما هنا فكشف الإنجيلي يوحنا عن سبب آخر لخوفهم وهو "اليهود". لقد شعر التلاميذ أن حياتهم معرضة لخطرٍ حقيقي حتى بعد قيامته، إذ خشوا أن تُوجه إليهم تهمة سرقة الجسد.
    ظهر لتلاميذه في أول سبت مسيحي لكي يبارك هذا اليوم ويقدسه.
    اجتمع التلاميذ ربما للصلاة والعبادة، وربما للحوار بخصوص الأحداث الجارية في ذات اليوم، حيث أكدت النسوة وبطرس ويوحنا أن القبر فارغ، وروت المجدلية لقاءها معه، وأبلغتهم رسالته التي عهدها بها، هذا وقد ظهر للنسوة في ذات اليوم (مت ٢٨: ٩)، كما ظهر لتلميذي عمواس في الطريق وتحدث معهما، وفتح أذهانهما وألهب قلبيهما بالحب (لو ٢٤: ١٣) الخ.
    ولعلهم اجتمعوا للصلاة خشية القبض عليهم لأن اليهود ادعوا أن تلاميذه جاءوا ليلاً وسرقوا الجسد. على أي الأحوال فقد عرف التلاميذ أن يجتمعوا معًا في لحظات الضيق للصلاة.
    قوله لهم: "سلام لكم" (١٩) لم تكن كلمتين مجردتين كالتحية المعتادة بين الأصدقاء بل كانت بركة غير عادية تحمل قوة وتقدم ثمر القيامة: السلام الداخلي مع الله، ومع الإنسان نفسه كما مع اخوته؛ سلام في المسيح وليس سلام العالم الباطل.
    v المسيح نفسه بتول، وأمه أيضًا عذراء، نعم مع أنها أمٌ لكنها بقيت عذراء. فقد دخل يسوع والأبواب مغلقة (19). وفي قبره قًُطع قبر جديد من صخرة صلبة للغاية، لم يرقد فيه أحد قبله ولا بعده (يو 41:19). مريم هي جنّة مغلقة... ينبوع مختوم" (نش 12:4). وكما جاء في يوئيل (18:3 LXX) من هذا الينبوع يفيض النهر بمياهه.
    القديس جيروم
    v بالحقيقة استطاع الدخول من الأبواب دون فتحها ذاك الذي بميلاده بقيت بتولية أمه لا تُمس.
    القديس أغسطينوس
    v كان التلاميذ مجتمعين والأبواب مغلقة بسبب الخوف من اليهود (يو 19:20). فمن يقطن آمنا في مدينة الرؤيا في غلبة التأمل المقدس خائفًا من الأرواح الشريرة، مغلقًا على حواسه، يتقبل كلمة اللّه. فتأتي إليه بطريقة خفية، وتظهر له بطريق غير الحواس، معلنة له السلام، وواهبة إياه هدوءً، معطية إياه أن يكون عديم الشهوات... وإذ تتنسم فيه تهبه مواهب الروح القدس العديدة، وتعطيه سلطانًا على الأرواح الشريرة وتظهر له علامات الأسرار الإلهية.
    القديس مرقس الناسك
    "ولما قال هذا أراهم يديه وجنبه،
    ففرح التلاميذ إذ رأوا الرب". (20)
    بدخوله والأبواب مغلقة أكد لهم السيد المسيح أن جسده القائم من الأموات له طبيعة جديدة. والآن يؤكد لهم أنه ذات الجسد، إذ يحمل ذات جراحات الصليب، لكنه جسد مجيد.
    تحدث المسيح القائم من الأموات بفمه، فأعطاهم سلامًا جديدًا فائقًا، وتحدث معهم بجراحاته التي في يديه وجنبه، فوهبهم فرحًا فريدًا بحضرته في وسطهم. أراهم يديه وجنبه ليطمئنوا أنه يسوع المصلوب نفسه بذات الجسد. لقد ترك آثار الجراحات شهادة حية لقيامته، وتبقى هذه الجراحات في الأبدية مصدر فرح ومجد، كعلامة حب إلهي عجيب لا ينقطع لخلاص البشرية. لقد وضع حجابًا على بهاء مجد جسده القائم من الأموات حتى يمكنهم معاينته والتحدث معه.
    يبقى السيد المسيح يبسط يديه ويكشف عن جنبه ويحتضننا بحبه ويروينا من ينبوع دمه العجيب، فنعلم أنه مادام هو حي فنحن بصليبه أحياء. لن يقدر الموت أن يحطمنا! جراحات صليبه هي لغة الحب القادرة أن تنزع منا الخوف من العالم، وتهبنا فرحًا داخليًا فائقًا.
    إنه دومًا يفتح بصيرتنا بجراحات صليبه، فندرك أننا لسنا نتمتع برؤيا فحسب، بل نتمتع بحضرته في وسطنا.
    v بالتأكيد سيبقى كيان الأجسام القائمة من الأموات كما هو الآن، وإن كانت ستصير في مجدٍ سامٍ. لأن المخلص بعد نزوله إلى الجحيم كان له ذات الجسد الذي صُلب، إذ أَظهر للتلاميذ آثار المسامير في يديه والجراحات في جنبه.
    إن أنكرنا هويّة جسده لأنه دخل والأبواب مغلقة، وأن هذا ليس من طبيعة الأجسام البشرية، يلزمنا إذن أن ننكر أيضًا أنه كان لبطرس وللرب جسدين حقيقيين لأنهما سارا على المياه، وهذا مخالف للطبيعة (مت 30:22).
    القديس جيروم

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس 21 نوفمبر 2024 - 19:07