قيامته تشهد للاهوته
ص20
ص20
الأصحاح العشرون
القيامة: اليوم الأول والثامن معًا
المسيح القائم من الأموات
المسيح القائم من الأموات
إن كان القديس يوحنا بدأ إنجيله مختلفًا تمامًا عن بقية الأناجيل الإزائية الثلاثة، معلنًا ميلاده الأزلي بكونه كلمة الآب الواحد معه، فإنه ختم السفر كبقية الأناجيل بالحديث عن قيامة المسيح. لأن قيامة المسيح تمثل عصب العمل الخلاصي، فقد سبق وتحدث عنها أكثر من مرة، وقدّم آية يونان النبي في جوف الحوت مثالاً لدفنه وقيامته (مت12: 40).
لم يشرح لنا أحد من الإنجيليين كيف قام، لكن ما شغل ذهنهم تأكيد قيامته بكل وسيلة حتى يقتنع الكل بها. وبقدر ما أكد التلاميذ والرسل قيامته قاومها غير المؤمنين، لأن قيامته تعني تأكيدًا أنهم ارتكبوا جريمة قتل للمسيا واهب الحياة. القيامة تؤكد العمل الخلاصي، فإن كان قد ذُبح لأجلنا، فقيامته تؤكد قبول الذبيحة. وإن كان قد صُلب من أجل ديوننا، فقيامته تعلن وفاء الدين. ليس من أمر شغل أذهان الكارزين مثل تأكيد قيامته، لأنه صُلب علانية أمام الشمس التي انكسفت أمام الحدث، وقام ليظهر لخاصته ومُحبّيه المخلصين في طلب خلاصهم.
أبرز كل إنجيلي جانبًا من أحداث القيامة يختلف عن الجوانب التي أبرزها غيره من الإنجيليين. فما رواه الإنجيلي يوحنا لم يرد في الأناجيل الأخرى. لم يذكر الإنجيلي يوحنا قصة لوقا البشير عن لقاء السيد المسيح مع التلميذين اللذين كانا في طريقهما إلى عمواس؛ ولا ما رواه متى البشير عن لقاء المسيح مع بعض النسوة وهن ذاهبات من عند القبر، ولا إلى ما أشار إليه مرقس البشير عن الشاب الذي بثوب أبيض اخبر النسوة أن يروا يسوع في الجليل.
1. السحر: القبر الفارغ 1-10.
2. صباحًا: مريم المجدلية والملاكان 11-13.
3. صباحًا: لقاء المجدلية مع المسيح 14-18.
4. لقاؤه مع تلاميذه الأحد مساءً 19-25.
5. لقاؤه معهم في الأحد التالي 26-29.
6. الغاية من الإنجيل 30-31.
1. السحر: القبر الفارغ
"وفي أول الأسبوع جاءت مريم المجدلية إلى القبر باكرًا،
والظلام باقٍ،
فنظرت الحجر مرفوعًا عن القبر". (1)
أورد القديس يوحنا مواقف كثيرة لنساء لهن دورهن القوي، ففي بدء الآيات تظهر القديسة مريم أم يسوع شفيعة عن الحاضرين في عرس قانا الجليل. وفي الاصحاح الثاني يلتقي السيد المسيح مع المرأة السامرية التي جذبت مدينة سوخار بأكملها لتتمتع بشخص السيد المسيح بعد أن أعلن السيد لها عن نفسه. وفي حادثة إقامة لعازر (ص11) كان حضور الشقيقتين مريم ومرثا بارزًا. والآن تظهر مريم المجدلية بأمانتها الداخلية العجيبة. جاءت إلى القبر والليل باق،ٍ مدفوعة بحبها الشديد لذاك الذي كان في ذلك الحين غائبًا عنها. السبب العميق لحضور مريم المجدلية هنا يبدو أنه حزنها الشخصي المفرط، وإحساسها بالغياب النهائي الذي يعينه القبر على الدوام. إنها أول من رأى الحجر مرفوعًا عن القبر. لقد أراد الرب أن تشهد بأن رافع خطية العالم (يو 29:1) قد قام، وإن الحجاب الأخير قد رُفع.
كلمة مجدلية Magdalene هي مؤنث لكلمة مجدلة Magdala. فتعبير مجدلية يعني "مريم التي من مجدلة". يذكر التلمود أنه كانت توجد مدينة باسم مجدلة حوالي 20 دقيقة سيرًا على الأقدام من طبرية (بحر الجليل) من الجانب الغربي. كلمة "مجدلية" تعني "برجًا". وبالفعل كان في المنطقة برج أعطى لها هذا الاسم، ربما كان برجًا للحراسة.
اكتفى الإنجيلي يوحنا بالقديسة مريم المجدلية ولم يشر إلى النسوة اللواتي ذهبن معها، ربما لأنها كانت متحمسة جدًا لزيارة القبر، فقد تمتعت بمحبة السيد. التصقت به في حياته وخدمته من مالها (لو 8: 2-3)، واستمعت إلى عظاته. كانت محبتها قوية كالموت، إذ وقفت بجوار السيد المسيح حتى موته على الصليب، وجاءت إلى القبر دون أية اعتبارات لما تواجهه من مصاعب، فحبها للسيد المسيح نزع عنها كل خوفٍ من الموت أو من القبر. جاءت إلى القبر لتبكيه بمرارة، وتسكب طيبًا وحنوطًا على جسمه. مريم المجدلية التي التصقت بالسيد المسيح حتى آخر لحظات الدفن تمتعت بأول أخبار القيامة المفرحة المجيدة: القبر الفارغ!
جاءت مريم المجدلية إلى القبر في أول الأسبوع، أي ما أن عبر سبت العهد القديم حيث لا يجوز الذهاب إلى القبر، إن نُفذ الناموس حرفيًا حتى جاء السبت الجديد، أول سبت في العهد الجديد، حيث قام السيد المسيح. صارت مريم ممثلة للكنيسة التي تتمّم ناموس المسيح فتحتفل بالسبت الجديد خلال الانطلاق إلى قبر السيد لتتمتع بشركة قيامته. يبدأ الإنجيل هنا باليوم الأول من الأسبوع الجديد، فيفتح أمامنا زمنًا آخر كليًا، يُعلن فيه عن حياة جديدة مُقامة وعالم جديد. منذ ذلك الوقت اتخذ المسيحيون يوم الأحد يوم راحة تذكارًا لقيامة السيد المسيح، وُسمي يوم الرب (رؤ 1: 10).
جاءت إلى القبر باكرًا، فالحب يدفع المؤمن للقاء مع القائم من الأموات في أول فرصة ممكنة، باكرًا دون تراخٍ أو تأجيل. جاءت والظلام باقٍ حيث أمكن لنور شمس البرّ أن يشرق في داخلها، وينير لها طريق القبر الفارغ الشاهد لمجد قيامة المسيح. كان الظلام لا يزال باقيًا، لكن الحب أضاء لها الطريق.
"فنظرت الحجر مرفوعًا عن القبر"، انشغالها بالسيد المسيح نزع عنها التفكير في رفع الحجر لتقديم الحنوط (مر 16: 1؛ لو 24: 1)، وفي نفس الوقت إذ جاءت ووجدت الحجر مرفوعًا والقبر فارغًا لم تُدرك في الحال أنه قام، بل ظنّت أن الجسد قد أُخذ من القبر (2). لقد أراد الرب أن تتمتع بأخبار القيامة تدريجيًا.
v قام وكان الحجر موضوعًا والأختام عليه، ولكن لكي يتأكد الآخرون تمامًا كان من الضروري فتح القبر بعد القيامة، وهذا ما قد حدث. هذا ما دفع مريم للتحرك. فإذ كانت مملوءة حبًا نحو سيدها، إذ عبر السبت لم تحتمل أن تهدأ فجاءت باكرًا جدًا، مشتاقة أن تجد نوعًا من التعزية في المكان. وإذ رأت الموضع، والحجر مرفوعًا لم تدخل، ولا انحنت، بل رجعت نحو التلاميذ في شوقٍ عظيمٍ، فإن هذا هو ما كانت تبغيه بغيرة. لقد أرادت بسرعة فائقة أن تعلم ماذا حدث للجسد. هذا هو معنى ركوضها وكلماتها.
القديس يوحنا الذهبي الفم
فركضت وجاءت إلى سمعان بطرس،
وإلى التلميذ الآخر الذي كان يسوع يحبه،
وقالت لهما:
اخذوا السيد من القبر،
ولسنا نعلم أين وضعوه". (2)
إذ ركض التلميذان نحو القبر لم يكن ممكنًا لمريم المجدلية أن تلحق بهما، فجاءت إلى القبر غالبًا وهما هناك، وربما بعد رحيلهما. هناك وقفت تبكي حيث تمتعت برؤية الملاكين لتعزيتها.
ركضت سريعًا إلى سمعان بطرس ويوحنا، ولعلهما أقاما عند حدود المدينة بالقرب من القبر، لذا انطلقت بسرعة إليهما. لم يخطر على ذهنها أنه قام كما قال، مع أن لمسات القيامة واضحة، والشهادة قوية. ربما ظنّت أن رئيس الكهنة قد أمر بأخذ الجسد إلى موضع آخر كنوعٍ من الإهانة، لأن القبر كان فارغًا، أو ربما خشي يوسف الرامي ونيقوديموس من اليهود أن يثوروا ضدهما فحملاه إلى قبر آخر.
جاءت إليهما تطلب البحث عن جسد المسيح؛ فإنها لم تنحصر في الحزن على موته، إنما تطلب أن ترى جسده حتى بعد موته لتقدم علامات حبها بتطييبه.
والعجيب أن بطرس ويوحنا قد التصقا ببعضهما البعض. جحود بطرس أعطاه تواضعًا، لكن في غير يأسٍ، بتوبته ودموعه عاد للشركة مع يوحنا والعمل معه، ويوحنا في حب لم يستنكف من الالتصاق بذاك الجاحد مادام قد قدم توبة.
يرى البعض أن مريم المجدلية ركضت إلى بطرس ويوحنا بينما ذهبت النسوة إلى بقية التلاميذ يخبرونهم بما حدث.
v ذهبت والدة الإله إلى القبر حيث التقت مع النسوة الباقيات... بكونها الثيؤتوكوس أدركت وحدها قوة الكلمات الملائكية - إذ سمعت مع مريم المجدلية الأخبار السارة الخاصة بالقيامة - عندما التقت بابنها وإلهها مع بقية النسوة، لقد رأت القائم من الأموات وتعرفت عليه قبل كل النسوة. سقطت ولمست قدميه، وصارت رسولاً لرسله.
الأب غريغوريوس بالاماس
"فخرج بطرس والتلميذ الاخر، وأتيا إلى القبر". (3)
أسرع كلاهما إلى القبر قدر المستطاع ليتحققا الخبر، ويتأكدا شخصيًا، ويبحثا عن جسد السيد المسيح.
يري القديس يوحنا الذهبي الفم أن القديسة مريم المجدلية وإن لم تكن بعد تفكر بوضوح في القيامة، بل ظنت أن الجسد قد أٌخذ، إلا إن الإنجيلي يوحنا لم يحرمها من المديح عما فعلته. ولا حسب في ذلك عارًا على التلاميذ أنهم تلقنوا المعرفة الأولى بخصوص هذا الأمر من المرأة التي قضت الليل كله في شوقٍ وسهرٍ لرؤية جسد السيد المسيح.
يكشف الإنجيلي عن درجات نرتقي بها إلى معرفة القيامة وفهمها. ابتدأ أولاً بالصدمة الأولى المباشرة التي تلقتها مريم المجدلية لدى اكتشافها القبر فارغًا. والآن رأى يوحنا وتلامس مع ما سبق أن أعلنه السيد المسيح نفسه "أنه ينبغي أن يقوم من الأموات".
"وكان الاثنان يركضان معًا،
فسبق التلميذ الآخر بطرس،
منقول وجاء أولاً إلى القبر". (4)