مـنـتـديـات الـمـحـبـه الـمـقـدسـه

نساء في العهد القديم Wellcome
عزيزى الزائر / عزيزتى الزائرة :- يرجى التكرم بتسجيل الدخول اذا كنت عضو معنا او التسجيل ان لم تكن عضو
وترغب فى الانضمام الى أسرة المنتدى
ونتشرف بتسجيلك معنا

مع تحيات ادارة منتديات المحبه المقدسه




انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

مـنـتـديـات الـمـحـبـه الـمـقـدسـه

نساء في العهد القديم Wellcome
عزيزى الزائر / عزيزتى الزائرة :- يرجى التكرم بتسجيل الدخول اذا كنت عضو معنا او التسجيل ان لم تكن عضو
وترغب فى الانضمام الى أسرة المنتدى
ونتشرف بتسجيلك معنا

مع تحيات ادارة منتديات المحبه المقدسه


مـنـتـديـات الـمـحـبـه الـمـقـدسـه

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


2 مشترك

    نساء في العهد القديم

    marco
    marco
    مشرف عام المنتديات
    مشرف عام المنتديات


    عدد المساهمات : 407
    عدد النقاط : 11534
    تاريخ التسجيل : 06/11/2009

    نساء في العهد القديم Empty نساء في العهد القديم

    مُساهمة من طرف marco الثلاثاء 10 نوفمبر 2009 - 10:04


    حواء
    «لأن آدم جبل أولاً ثم حواء»

    مقدمة

    لا أعلم ان كانت هناك شخصيات كثيرة تعرضت لها أقلام الكُتّاب والأدباء والشعراء والفلاسفة ورجال الدين في حقب التاريخ المتعددة كما تعرضت لشخصية حواء، ولا أعلم أن هناك شخصيات كشخصية هذه المرأة، فمنهم من سار وراء أفلاطون، الذي نبه الأذهان، في معرض حديثه عن الحب، إلى أنها وقد جاءت به إلى الأرض قد أمدت الحياة البشرية، بما ليس له مثيل أو ضريب بين الناس، وأن الحب الذي تزرعه فينا ليس الا شعاعًا من نور حب الآلهة في السماء.. ومنهم من قفا أثر خطوات شوبنهور عدوها الألد، فنعتها بكل شر وصب عليها كل سخط وحملها كل رذيلة، وعدها مأساة الوجود المفزعة المنكرة الرهيبة التي تركت أبشع الآثار في التاريخ البشري، ومنهم من لم يؤمن بأفلاطون أو شوبنهور، وبما ارتآه فيلسوف اليونان القديم أو الفيلسوف الألماني المحدث كل على حدة، بل رآها مزيجًا من كل شيء، وسار وراء الأسطورة الهندية القديمة التي تقول : إن الخالق أودع في حواء «استدارة القمر، وعمق البحر، وتدافع الأمواج، ولمعان النجوم، وشعاع النور، وقطرات الندى، وتقلب الريح، وعطر الورد، ورقة النسيم، ونشوة الراح، ونضارة الذهب، وقسوة الماس، وحكمة الحية، وتلون الحرباء، وشرود الغزال، وزهو الطاووس، وشراسة الأسد، وغدر الزمان، ومكر الثعلب، ولدغة العقرب، ونغمة اليمامة، وهذيان الببغاء» ومنهم من أعياه هذا الجد المزيج بالعبث، وهذا التعقيد المتشح بالبساطة، فنفض يديه وتجنب الحديث عنها، وتبع الأسقف مارتنسن الذي اعتقد أن العقل الإنساني والزمن لم يبلغا بعد من القوة والنضوج، ما يعينها على التكلم بطلاقة دون ذلل عن هذه الشخصية المدثرة بالأسرار، وما أحاط بها من ظروف، تعد أعوص ما جابه الوجود البشري من أعماق..!! على أنني مع ذلك أحس أننا سننال غنى كثيرًا ونحن نتأمل هذه الشخصية العجيبة التي وقفت على رأس التاريخ البشري لتكون أمه، ولتوجهه هذا التوجيه الهائل الأبدي : من هي؟ لم خلقت؟ وكيف خلقت؟ كيف جربت وسقطت وعوقبت ونهضت؟ واني ارجو في نور كلمة الله أن تتمكن من دراستها دراسة صائبة منصفة، بل أرجو أن تنير لنا هذه الكلمة مناحي الضعف أو القوة في كل ما كتب عنها.



    حواء : من هي؟

    في أغلب الديانات القديمة، من بابلية، وأشورية، ومصرية، وهندية، ويونانية، نجد ذكرا للمرأة الأولى وزوجها، بصور تقرب أو تبعد عن قصة الكتاب، ولئن لم تبلغ هذه الأقاصيص جمال القصة الأخاذة التي دونها موسى في سفر التكوين، ولئن لم ترق إلى سموها ونقاوتها وبساطتها، فانها مع ذلك تقف شاهداً على اعتراف جميع الأجيال والشعوب بحقيقة شخصيتها، كالأم الأولى التي جاءت منها الأجيال البشرية قاطبة، وأن ما ذهب إليه دارون وأشياعه من أصحاب النشوء والارتقاء، مردود واه ضعيف.. على أننا ونحن نتلمس صفحات الوحي، لا ندحة لنا عن الاعتراف، بأنها شخصية صعبة التحليل، وذلك لأن موسى حين عالج قصتها لم يضعها، قصة تاريخية خالصة أو رمزية خالصة بل وضعها قصة اتشح فيها التاريخ والحقيقة ثوبًا من الأموز، فأنت أذ تقرأ عن المرأة التي بنيت من ضلع رجل، وشجرة معرفة الخير والشر، وشجرة الحياة، والحية المغرية لابد تحس أن هناك معاني كثيرة متعددة تستتر وراء هذه الأسماء والعبارات الرمزية، وأن هذه المعاني تكلفك أشق الجهد وأضناه في سبيل بلوغها، والوصول إليها، أضف إلى ذلك أن موسى وهو يتحدث عنها، لم يقصد أن يرينا من هي حواء، بقدر ما آثر أن يرينا ما رسالتها ولذا نراه يمر مروراً سريعًا على طريقة تكوينها، ليقف بنا فقط عند تجربتها، وأثر هذه التجربة في نفسها وزوجها والكون بأجمعه، وقد سار الناس وراء موسى، فلم يعنوا بالنظر إلى حواء كامرأة، تاريخية لها شخصيتها وطباعها وخصائصها التي تنفرد بها عن غيرها، بل عنوا بالنظر إليها كامرأة رمزية مثالية، تعد عنواناً وصورة للمرأة في كل الأجيال، ومن المؤسف أن كثيرين من الذين اجتهدوا في تحليل شخصيتها الخاصة لم يستطيعوا التخلص مما لصق بأذهانهم من صور عامة عن المرأة، أو بما كان لهم من ظروف خاصة في حياتهم، فهناك مثلاً ذلك التقليد اليهودي الطريف الذي يقول إن حواء أعطت زوجها ليأكل معها حتى يموت لئلا يتزوج بامرأة أخرى تأتي بعدها، وهي محال أن تستريح في قبرها ومعه أخرى تأخذ مكنها، ولا أخال القاريء في حاجة إلى أن يدرك أن هذا التقليد أملاه الشعور العام بما يعتقده الكثيرون عن غيرة المرأة وشدة أنانيتها، وملتون الشاعر الانجليزي الضرير الذي يعد أبدع من كتب عن حواء في الفردوس المفقود والمردود، لماذا يصورها لنا أثرة، متكبرة، شديدة الاعتداد بذاتها؟ أغلب الظن أنه فعل ذلك تحت تأثير الحياة الزوجية المعذبة التي عاناها، لقد كان هذا الشاعر نفسه بائسًا في حياته الزوجية، ولقد ألقت زوجته - وهو لا يدري - ظلا عميقًا عنيفًا على ما كتب.

    على أننا مع ذلك يمكننا أن نقول، ونحن في أمن من الزلل أن حواء كانت تتمتع بحظوظ ثلاثة : «الجمال، والسذاجة، وقوة العاطفة»..



    الجمال

    أما أنها كانت جميلة فهذا مما لا ريب فيه وقد حرص الفن على أن يبرزها دائمًا رائعة الحسن وضاحة الجبين، مشرقة المحيا وما نظن أن صورة واحدة لرسام ما شذت عن ذلك، والتقليد اليهودي يقول إن آدم بهر بجمالها، واستقبلها أحر استقبال، مشدوها صائحًا بالقول : «هذه الآن عظم من عظامي ولحم من لحمي» وهل يمكن أن تكون غير ذلك، وقد خلقها الله لتكون ختام عمله في الجنة والتاج الذي يضعه على مفرق الرجل.. ان الكلمة بني التي استعملها موسى وهو يصف عملية خلقها كلمة غنية في الأصل بالمعاني التي تشير إلى دقة وروعة وقدرة ونشاط الحكمة الإلهية في إبداعها، لم تكن حواء جميلة فحسب بل كانت، فيما أعتقد آية ونموذجًا للجمال، لم تبلغه امرأة أخرى من بناتها بعدها.... وذلك لأن جمالها خلق قبل أن تعرفه الخطية ويمسخه الشيطان، وما تبقى لها بعد ذلك منه إن هو إلا مسحة رائعة متكسرة تشهد بعظمة تلك الأصول القوية الأولى التي عصف بها السقوط، وهوى بها ما تبعه من أمراض وأوجاع وأحزان ودموع وتعاسة وشقاء وشر وآثم هي المعاول القاسية الهدامة لكل حسن وجمال، ألا ما أفظع الخطية وأبشعها أثرًا في خلقة الإنسان وخلقه، فالخطية أعدى أعداء الجمال، وأشدها تنكيلاً بروعته، وفتتنه وحسنه، ولن يعود الجمال إلى عرشه الضائع، ومجده السليب، ولن يسترد ما ولي عنه من أنوار أخاذة قديمة، حتى تتحرر الأرض من الآثم، وتغسل من الفساد، وتتطهر من الشر، ويقف ذلك الجمع الهائل الذي أبصره الرائي القديم من كل الأمم والقبائل والشعوب والألسنة أمام العرش، وأمام الخروف، متسربلين بثيابهم البيض، وفي أيديهم سعف النخل، حين ترجع حواء وأبنائها وبناتها المخلصون إلى الفردوس الأبدي المردود!!



    السذاجة

    كانت حواء اذن من الناحية البدنية ذات جمال كبير، على أنها من الناحية العقلية كانت ساذجة قاصرة غريرة ضيقة التفكير محدودة الإدراك، وقصة عدن فيما اعتقد تشجعنا كثيراً على هذا الاستنتاج، فهي كما وصفها جورج ماثيسون «قصة الطفولة في أدق ما في الكلمة من معنى، طفولة الطبيعة الإنسانية التي لم تلف وراءها السنين الطوال من المعرفة والاختبار والمران والتجربة، الطفولة التي لم تكن قد اشتبكت بعد في نضال الحياة، وجابهت ما فيها من تنوع واختلاف وتلون وصعوبة توقد العقل وتشحذ التفكير».. بدأت حواء حياتها في الجنة وكانت أمامها أيام طويلة، قبل أن تبلغ مرتبة الوعي والإدراك والنضوج الكامل، وما الجنة في الواقع إلا روضتها ومدرستها التي كانت ستستعين بها على النمو والرقي والتقدم الفكري، كما أن المجرب اتجه إليها دون آدم لأنه أدرك أنها أقل فطنة وذكاء وتحذرًا.



    قوة العاطفة

    على أن ما فاتها من هذه الناحية قد عوضته في وقدة الشعور وحدة الإحساس والتهاب العاطفة، وأظننا جميعًا نتفق مع ما ذهب إليه أفلاطون وفيلو والكنيسة في العصور الوسطى من أنها تمثل الجانب العاطفي والإحساسي في الرجل وأن منطقها يسكن بين جنبيها، أكثر مما يرتفع إلى عقلها، وأن حجتها تأتي دائمًا من وراء حواسها أكثر منها من وراء النقاش المنطقي العقلي الرتيب، ولقد ورثت بنات حواء عن أمهن هذه الخلة العاطفية وكانت سلاحهن الجبار في الخير أو الشر على حد سواء، فقد استطعن بالضعف والابتسامة والحنان والدموع أن يهززن العالم ويوجهن التاريخ البشري بأكمله على مدى الأجيال!!



    حواء : لم خلقت!!

    لا يحتاج المرء إلى كبير عناء، وهو يتأمل ما كتب موسى في سفر التكوين عن حواء حتى يدرك أن الله خلقها لتؤدي رسالة مزدوجة : حواء الزوجة وحواء الأم.



    حواء الزوجة

    كان كل شيء في جنة عدن حسنًا، جميلاً، ظليلاً، ولكن آدم أحس مع ذلك أن قلبه موحش فارغ، وأن شيئًا غير يسير من الإحساس الكئيب بالانفراد والعزلة يتمشيء بين ضلوعه، أنظر إليه، أنه يكاد يودع جميع الحيوانات والطيور والبهائم التي جاءت إليه ليسميها بعين نهمة مشوقة، لقد جاءته أزواجًا وأزواجًا، أما هو فلم يجد معينًا نظيره، كان في حاجة صارخة إلى حواء.. إلى حواء التي ستهز حياته هزا عنيفًا بل ستخلق هذه الحياة خلقًا رائعًا فذا جديدًا. لا أود أن نسير مع أفلاطون في خياله العنيف : إن المحبة الكائنة بين الرجل وامرأته هي الخير الوحيد الحقيقي الأبقى في الأرض وأن المحبة الزوجية هي العربون الأمثل الصافي لمحبة السماء، ولا أريد أن نجنح كثيرًا مع العقيدة الخيالية التي أخذ بها المفسر الإنجليزي البارع يعقوب بهن : «إن آدم بمفرده كان في طريقه إلى السقوط، وأن الله جاءه بحواء لتنقذه من الانحدار الذي أوشك أن يتردي فيه وحين قال : «ليس جيدًا أن يكون آدم وحده» كان يبصر في أغواره البعيدة عناصر السقوط والهدم».. ولكني مع ذلك أود أن أقول دون تردد : أن أثر حواء في حياته كزوجة كان أثرًا هائلاً منقطع النظير.. لقد كانت قيثارته الشجية المبدعة التي علمته أعذب ألحان الحياة، والسحر الذي نثر حوله جوا من النور والدعة والإشراق والجمال، لقد كانت له بمثابة الرجع العميق لصوته الذي يهتز في أرجاء الجنة، والصدى الحلو الذي يتردد إليه كلما تحدث أو فاه أو ترنم كانت صديقه الحنون الذي يأنس إليه، كلما أخذه تعب أو كلال، والمؤنس الذي يناجيه ويناغيه في ظلال الشجرات السادرة ساعة الهدوء، وبالجملة لقد علمته كيف يحب، ويتذوق، ويبتسم، ويتغنى، ويرضى، ويناضل، ويبتكر ويتقدم... لقد علمته كل شيء. أليست هذه هي رسالة المرأة دائمًا للرجل؟ من علمه المحبة، والفن، والشعر، والموسيقى، والأدب. والابتكار، وغيرها؟ من أوقد فيه العبقرية، والذكاء، والحمية، والنضال، والانتصار سواها؟ من ذا الذي ينسى أن «التاج محل» إحدى عجائب الدنيا العظيمة بناها وفاء رجل لزوجته العزيزة؟ ومن ذا الذي يجهل أن دانتي كتب آيته الخالدة من أجل بياتريس؟ ومن ذا الذي يغفل وهو يذكر هوبر السويسري من أبرع أساتذة الحشرات في التاريخ الحديث أن يحنى رأسه بإعجاب لزوجته العظيمة الزوجة التي أحبته، وأصرت على زواجه رغم فقدانه البصر، ودرست له وأعانته في بحوثه وتجاريبه حتى أخرج للعالم كنوزه الخالدة في علم الحشرات؟ إن ما تقدمه المرأة لزوجها يعجز القلم مهما اقتدر عن الالمام بأثره؟



    حواء الأم

    كانت رسالة حواء الثانية السامية والرفيعة التي بلغت مستوى رسالتها الأولى : رسالة الأمومة لقد خلقها الله لتكون أمًا، وليملأ بأبنائها وبناتها الأرض، وقد خلفت حواء قايين، وهابيل، وشيثا، وأبناء، وبنات كثيرين، ولكنها خلقت فيهم ومعهم غريزة من أسمى وأقوى غرائز المرأة إطلاقًا، غريزة الأمومة، ولعل حواء وهي تخلع على بنيها الثلاثة أسماءهم، قد كشفت في الحين نفسه عن العناصر الثلاثة لهذه الغريزة المضطرمة في أحشائها، وبين حناياها، ففي قايين نرى الأمومة في ولعها وشوقها، وفي هابيل تبصرها في حزنها وألمها، وأما في شيث ففي انتظارها ورجائها.

    دعت حواء ابنها الأول قايين أي «اقتناء» وهذا الاسم إن دل على شيء فانما يدل على أول ما تحس به الأمومة إزاء الأبناء : الولع والشوق والفرح والبهجة بمجيئهم.. الولع الذي جعل سارة تدعو ولدها اسحق أو الضحك «قد صنع إلى الله ضحكًا، كل من يسمع يضحك لي» والذي حدا براحيل أن تقول ليعقوب : «هب لي بنين. وإلا فأنا أموت» والذي دفع باليصابات أن تخفي نفسها خمسة أشهر قائلة : «هكذا فعل الرب في الأيام التي فيها نظر إليّ لينزع عاري بين الناس».

    أما الثاني فكان هابيل أي «نفحة» أو «بطل» وهو يشير إلى الناحية الحزينة من الأمومة التي تبكي أبناءها الحزانى أو المتألمين أو الصرعى، كما بكت حواء ابنها هابيل، الأمومة التي تدفع أقسى الضرائب من الدم والدموع والألم في سبيل أولادها، كما دفعت هاجر المصرية التي طرحت ابنها في ظلال الشجر وجلست بعيدًا عنه تبكي لأنها لا تستطيع أن تراه يموت وكما هبت راحيل منتفضة من قبرها تصيح في وحي النبي مذعورة على أبنائها القتلي : «صوت سمع في الرامة، نوح بكاء مر، راحيل تبكي على أولادها، وتأبى أن تتعزى عن أولادها لأنهم ليسوا بموجودين». وكا قيل عن الأم العظيمة النموذجية : «وأنت أيضًا يجوز في نفسك سيف».. قد ينسى الشاب في الحرب أو الغربة أو الفشل أو المرض أو الجوع أن يبكى ولكن أمه هيهات ومن المحال أن تنسى»..

    أما الثالث فهو شيث أي «عوض» وهو الناحية الانتظارية أو الرجائية في الأمومة، وماذا تنتظر لابنها ومنه؟ تنتظر المجد والحب!! أنها وهي تهدهد سريره الصغير تحلم له أعز الأحلام وأروعها، تريده لو استطاعت ملكًا جليلاً، حتى ولو بنى عرشه ومجده على أنقاضها كما كانت تتمنى أم نيرون لولدها... وماذا تنتظر منه؟ أنها تريد فقط رجع محبتها، وصدى حنانها، تريده أن يبتسم لها ويقدر عطفها ألا ليتنا مثل ليفنجستون الذي وقف أمام قبر أبيه وأمه يبكى وهو يضع الرخامة المنقوشة : «تحية ابن إلى والديه العظيمين الفقيرين» ولما طلب منه أن ينزع كلمة «فقيرين» أجاب : كلا؟ فلولا فقرهما لما استطعت أن أدرك تمامًا عظمة نبلهما وحياتهما الباذلة التي خلقتني، ودفعتني من بين أنياب الحرمان ومرارته،.. أيها الأبناء : ما أثقل الدين عليكم تجاه الأبوة والأمومة!!



    حواء : كيف خلقت؟

    في إبداع حواء وخلقها أرجو أن لا يغيب عن ناظرينا أمران ظاهرا الوضوح : إن حواء خلقت أثناء نوم آدم، وإنها أخذت ضلعًا من أضلاعه.



    خلقت أثناء نومه

    هذه هي العطية العظيمة، جاءته في شبه مفاجأة ومباغته «فأوقع الرب سباتاً على آدم فنام» والكلمة «سبات» تعني في أصلها نومًا ثقيلاً، كان آدم غائبًا عن نفسه ووعيه وإدراكه حين جاءته نفسه الثانية، كان نصيبه منها نصيب المستلم المتقبل، وقام الله بالتدبير والتكوين والإبداع والخلق، وهذا في نظري أساس كل زواج سليم، الزواج الذي يستسلم الإنسان فيه للإرادة الإلهية الحلوة، الزواج الذي ينام فيه الرجل نوم الرضيع الهانيء، الزواج الذي يغضي فيه عن كل الأغراض الأنانية الضعيفة.. ألا ليتنا نعرف كيف ننام عن تلك الشروط البغيضة التي كانت وما تزال أساس الشقاء البيتي والتعاسة الزوجية!!

    أيها الشاب يا من تريد أن تختار زوجتك : حذار أن تثور فيك تلك الطباع الضعيفة الممقوتة، فتطلب ما ألف الكثيرون أن يطلبوه دون ارادة الله - مراراً يصر المرء على الجمال وينسى ذلك القول الحكيم الكريم : «الحسن غش والجمال باطل. أما المرأة المتقية الرب فهي تمدح» فكأن الجمال مقبرة سعادته وهدوء باله، ومراراً يبحث المرء عن الثروة جلاده ومعذبه الفظيع، وكم مرة بحث عن الجاه وما أشبه فعاش حياة تعسة شقية.. أيها الشاب أتعلم كيف نام اسحق عن هذه كلها؟ أنظر إلى هذا الزواج النموذجي تعلم كيف تتزوج! لقد أودع اسحق الأمر كله بين يدي الله وخادمه الأمين، ولم يسع هو مع ذلك الخادم. ولو ليبصر فقط الزوجة التي ستشاركه الحياة، الأمر الذي يعد من أبسط البديهيات في عصرنا هذا... فكافأ الله تسليمه برفقة الجميلة المعينة المدبرة.



    أخذت ضلعًا من أضلاعه

    هذا هو الأمر الثاني الترتيب في خلقها، وأظننا نذكر قولة متى هنري المشهورة بهذا الصدد : «إن الله خلقها ضلعًا تطوق قلبه ليحبها تحت إبطه ليحميها، ولم يخلقها من قدمه لئلا يدوسها، أو من رأسه لئلا تسيطر عليه» ولعل الاضطراب الذي عانته البشرية قديمًا وحديثًا يرجع إلى رغبة الرجل أو المرأة في الشذوذ عن هذا الوضع، والخروج عليه. فاذ نسى الرجل أن المرأة نظيره، وأنه رأس لها وليس رئيسًا عليها إذ : «الرجل ليس من دون المرأة ولا المرأة من دون الرجل في الرب» وأن الرأس مهمته في الجسد القيادة فقط وليس السيطرة والاستبداد، اختل كل تعاون سليم محمود بينهما، واذا نسيت المرأة أنها لم تخلق لذاتها بل خلقت من أجل الرجل لتصبح مجده، ورامت أن تستقل عنه وتناهضه لضاعت وأضاعته.. هذه خلاصة حكمة الرسول العظيم، الحكمة التي ما تزال اختبارات الأجيال البشرية تضفي عليها كل يوم وضوحًا وتألقًا ونورًا.



    حواء : كيف جربت وسقطت وعوقبت ونهضت؟

    أظن أنه ليس من المستحب كثيرًا ونحن نستعرض قصة السقوط أن ندخل في شكليات عقيمة لا جدوى لها : بأية صورة جاءت الحية إلى حواء؟ هل هي ذات الحيوان المعروف لدينا، أم أن هذا صورة ممسوخة عن الأصل القديم؟ وكيف استطاعت أن تتكلم وبأية لغة؟ وإنما يغنينا حقًا أن التجربة قد حدثت وأن المجرب الحقيقي كان الشيطان وأنه سعى إلى المرأة عن طريق الحية، وفي ثوبها، لأن هذا المخلوق أحيل الحيوانات وأصلحها في الإغراء والسقوط. فهو الحيوان الوحيد الذي يؤثر على ضحاياه بتأثير رائع من عينيه، كما أنه يسعى إليها في هدوء ودون جلبة، واذ يدنو منها يقترب إليها في بطء وعلى غرة، وهي لا تعرف من أية جهة يباغتها فهو يدور حولها ويلف كأنما يسعى إليها من كل جانب وهو يصرعها بأية ناحية من جسمه لأنه لا يملك كغيره من الحيوانات سلاحًا خاصًا كقرن أو مخلب أو أنياب وهو يسكن في جحره عدة شهور، ولكنه ما أن يخرج حتي يضحى أكثر من القرد تسلقًا، وأقدر من السمكة سباحة، وأسرع من الغزال عدوًا، وأشد من النمر انقضاضًا!!..

    كيف أسقطت الحية حواء؟ هل كشفت لها عن وجه الخطية البشع المريع؟ وهل حدثتها عن التعدي والعصيان والتمرد والموت والهلاك؟ كلا! لقد دثرت كل هذا وأخفته وراء ملمس ناعم ومظهر خلاب وهمست في أذنها بكلمات مداهنة معسولة عن شجرة جميلة وثمرة حلوة وإدراك واتساع كالله في معرفة الخير والشر : «فرأت المرأة أن الشجرة جيدة للأكل وأنها بهجة للعيون وأن الشجرة شهية للنظر فأخذت من ثمرها وأكلت وأعطت رجلها أيضًا معها فأكل فانفتحت أعينهما وعلما أنهما عريانان فخاطا أوراق تين وصنعا لأنفسهما مآزر»، «لأن كل واحد يجرب اذا انجذب وانخدع من شهوته ثم الشهوة اذا حبلت تلد خطية والخطية اذا كملت تنتج موتًا» بذا قال الرسول يعقوب وقد سار وراءه، وفي أعقابه الرجل الذي أحسن التأمل في هذه العبارة وكان له من ظروفه الخاصة ومن الأحداث التي تحيط بعصره ما أعانه على تصوير مراحل التجربة تصويرًا دقيقًا بارعًا قال توما الكمبيسي : «أن التجربة تأتي إلينا أولا فكرة غامضة لا نستطيع أن نتبينها، ثم تأخذ هذه الفكرة صورة معنية واضحة مجلوة لا تلبث أن تظهر لها حلاوة ندية غريبة تتساقط قطرة فقطرة على القلب حتى تخدره. ومن ثم تتحول إلى قوة مدمرة تعصف به». كان خطأ حواء أنها أصاخت الأذن، فنظرت فاشتهت فمدت يدها وأثمت، وكان يجمل بها أن تفزع وتهرب... ألا ليتها في تلك الساعة قد ذكرت كلمة الله الأبدية المحذرة بالموت! ألا ليتها وهي تقترب من الشجرة شعرت بالذنب وألم الضمير!! إلا ليتها مدت بصرها حينئذ عبر القرون، ورأت الأجيال الغارقة في الدم والدموع والعار والتعاسة والشقاء! بل ألا ليتها رأت أرهب المناظر وأخلدها عن جبين الدهر، منظر ابن الله الحزين يركع بين أشجار الزيتون وعرقه يتصبب كقطرات دم نازلة على الأرض!! ألا ليتها فعلت هذا! إذن لارتدت مصعوقة عن قطف الثمرة.. لكنها لم تفعل فسقطت وعوقبت، وكان عقابها أشد من عقاب آدم لا لأنها أسبق في التعدي فحسب، بل لأنها قادته إليه، وإن كان ايرانيوس يجتهد كثيرًا أن يذكرنا أن العقاب من حيث الوضع البشري هو أهم ما تتشوق إليه المرأة وتنتظره، فلا أنزع إليها ولا أرغب من ولادة الأولاد والحياة الزوجية : «بالوجع تلدين أولادا وإلى رجلك يكون اشتياقك وهو يسود عليك» ولكن، ألا نحتاج أن تتذكر أيضًا أن هذا العقاب أضحى فيما بعد تجربة بنات حواء، إن لم تحفظهن عناية الله؟ بل ألا نحتاج أن نقول مع صديقنا هوايت «أيها الأزواج : أيها الشباب الذي تخضع له النساء، ألا ليت الله في عونهن حتى لا يكون عقابهن سبب هلاكهن الأبدي لنصل لنا ولهن بكل حرارة ويقين: «بنفسي أشتهيتك في الليل يا الله... تلذذ بالرب فيعطيك سؤال قلبك.. لأنه تعلق بي أنجيه أرفعه لأنه عرف اسمى. من طول الأيام أشبعه وأريه خلاصي.. أما أنا فالبر أنظر وجهك أشبع اذا استيقظت يشبهك»؟

    لم يكن العقاب هو المرحلة النهائية الأخيرة في قصة أمنا حواء وهيهات أن يكون، ووراءها تلك المحبة السرمدية العلية، التي سبقت فأعدت خلاصها، وخلاص بنيها قبل تأسيس العالم، في نسلها العظيم الذي يسحق رأس الحية، هذه المحبة التي طوقتها بالحنان والعطف والجود غداة السقوط فصنعت لها ولزوجها أقمصة من جلد وألبستهما لتغطي عريهما.. ولقد أدركت حواء بعد سقوطها أنها خدعت : «الحية غرتني» ومن ثم كانت شديدة اللهفة والشوق إلى مجيء الولد المخلص الذي أخطأته فظننته قايين يوم قالت: «اقتنيت رجلاً من عند الرب». ولما أنجبت هابيل دعته «البطل» ولعلك تدرك أن هذه التسمية لا تمليها إلا نفس شديدة الحساسية بالندم والحزن والتوبة والإدراك بأن : «كل ما في العالم شهوة الجسد وشهوة العيون وتعظم المعيشة ليس من الآب بل من العالم والعالم يمضي وشهوته وأما الذي يصنع مشيئة الله فيثبت إلى الأبد» وإني من أشد الناس إيمانًا وأجزمهم يقينًا أن حواء سعت بكليتها في أيامها الأخيرة إلى هذه المشيئة الحلوة وصنعتها بذا قال موسى في سفر التكوين وقال بولس في رسالته الأولى إلى تيموثاوس، وقال ملتون في خياله البديع في الجزء الأخير من الفردوس المفقود.

    دعنى إذن أغنى لحواء ومعها ومع بنيها جميعًا هذه المقطوعة القديمة لمرنم إسرائيل الحلو : «الرب رحيم ورؤوف. طويل الروح وكثير الرحمة لا يحاكم إلى الأبد، ولا يحقد إلى الدهر، لم يصنع معنا حسب خطايانا، ولم يجازنا حسب آثامنا، لأنه مثل ارتفاع السموات فوق الأرض قويت رحمته على خائفية، كبعد المشرق عن المغرب، أبعد عنا معاصينا، كما يترأف الأب على البنين يترأف الرب على خائفيه لأنه يعرف جبلتنا، يذكر أننا تراب نحن «الإنسان مثل العشب أيامه. كزهر الحقل كذلك يزهر لأن ريحًا تعبر عليه فلا يكون. ولا يعرف موضعه بعد. أما رحمة الرب فإلى الدهر والأبد على خائفيه وعدله على بني البنين، لحافظي عهده وذكرى وصاياه ليعملوها».
    marco
    marco
    مشرف عام المنتديات
    مشرف عام المنتديات


    عدد المساهمات : 407
    عدد النقاط : 11534
    تاريخ التسجيل : 06/11/2009

    نساء في العهد القديم Empty رد: نساء في العهد القديم

    مُساهمة من طرف marco الثلاثاء 10 نوفمبر 2009 - 10:06


    سارة


    «إني قد علمت أنك امرأة حسنة المنظر...


    قولي إنك أختي ليكون لي خير بسببك وتحيا نفسي من أجلك»
    مقدمة

    لا أعلم أن هناك إنساناً على الأرض يتمنى في حياته أن يكون دميمًا، أو عاطلاً من أي جمال، إذ يحب كل مخلوق في الأصل، أن يكون جميلاً، والجمال هو الأساس في هذا الكون، في الطبيعة والحياة، لأنه خرج من إله جميل، يعكس صورته الرائعة فيما يبدع أو يصنع، ولذا لا عجب أن تكون الكلمة المتكررة في قصة الخلق «ورأى الله كل ذلك أنه حسن» كما ختمت بالقول : «ورأى الله كل ما عمله فإذا هو حسن جدًا».

    وما اقترب مخلوق أو إنسان من الله، الا وأضحى جميلاً، كمثل ما وصل إليه موسى من جمال أخاذ، مبهر، غير عادي، بعد أن صعد إلى الله، وبقى في حضرته العلية هناك أربعين يومًا في الجبل المقدس، والإنسان، وقد تملكه على الدوام حب الجمال، لا يألو جهداً - يدري أو لا يدري - أن يكون أشبه بالكاتب الفرنسي الكبير ديماس الذي إذ ولد أسمر اللون، أصر على أن يعيش أبيض بما يضفي على حياته من جمال وجلال وشخصية، ومن ثم نرى الناس تهرب من القبح، وتحاول أن تخفي البقع أو العيوب، بالمحاولات التي لا تنتهي من أسباب التزيين والتجميل، في المظهر والملبس، وما أشبه مما تراه في كل زمان وكل مكان حيث يوجد الناس على ظهر هذه الأرض...

    وإذا كان الجمال قد أحدث هذا الأثر أو الجهد في حياة الناس، فإنه يقف من الوجهة الأخرى، وراء أقسى ما عرفه الإنسان من تجارب وخطايا وأثام وآلام ومجازر وحروب في التاريخ البشري.. ومن الغريب أن الناس تقرأ قصة سارة الجميلة، والجميلة جدًا، دون أن تتلفت أو تتأمل في أثر هذا الجمال من وجهتيه القويتين في حياتها.. وأغلب الظن أنهم يفعلون ذلك، لأن جمال سارة رغم أنه مفتاح حياتها ومحور كيانها وشخصيتها، إلا أنه دائمًا يقع في الظل، إذ أن شخصية إبراهيم زوجها، لم تعط الناس الفرصة الكافية الكاملة، للتحديق، والتدقيق، في هذا الجمال الأنثوي الرائع، ولعلنا اليوم نستطيع أن نتأمله كما جاء في القصة الكتابية من ثلاث وجهات.



    سارة وروعة جمالها

    مما لا شبهة فيه أن سارة كانت واحدة من أعظم الجميلات اللواتي ظهرت على هذه الأرض، والشيء العجيب والمثير حقًا، أن المصورين لم يتعرضوا بأعمال الخيال، في صورهم التي خلدوا بها بعض السيدات، أمام عقول وأفكار الناس، لأم المؤمنين، ليخرجوها في هذه الصورة أو تلك، على ما كانت عليه من جمال أدار الرؤوس، في كل مكان ذهبت إليه، وقد يكون هذا كما أشرنا، إلى وجودها على الدوام، في ظل زوجها، الذي استرعى كل الانتباه، كما أنها في طبيعتها، وعلى عكس المألوف في الجميلات، كانت لا ترغب في الظهور، أو لفت النظر إلى هذا الجمال إذ هي ساكنة إلى خيمتها، منزوية فيها، لا تظهر أمام الآخرين، كما جاء في جواب إبراهيم على سؤال مولاه : «أين سارة امرأتك، فقال ها هي في الخيمة».

    ومهما كان الأمر فمما لاشك فيه إنها كانت واحدة من أجمل بنات جنسها في عصرها، وفي كل العصور كان جمالها، الجمال الكلداني الذي جاء من وراء آرام النهرين، الجمال الذي كان يلفت النظر لكل من يقترب منه أو يتطلع إليه، الجمال الذي كان ولاشك معروفًا لديها، فلم تكن تجهل حقيقة جمالها، أو عظمة هذا الجمال، الجمال الذي كان يدركه إبراهيم إدراكًا عميقًا في قوله : «أني قد علمت أنك امرأة حسنة المنظر».

    ... الجمال الذي رآه المصريون : «فرأوا المرأة أنها حسنة جداً، ورآها رؤساء فرعون ومدحوها لدى فرعون» .. أو هو الجمال الذي لم يكن في نظرهم يليق بأقل من الملك نفسه، كما أن أبيمالك ملك جرار كان على ذات الفكرة عندما رآها «وأراد أن يتخذها لنفسه زوجة»... على أي حال فان المرء لا يمكن أن يمر بقصتها، دون أن يذكر في الحال، أنها من ذلك الصنف الطويل المبهر الذي لا ينتهي، في الجميلات المؤمنات، اللواتي أعدن الجمال إلى صاحبه، وخالقه، وكرسنه في الحياة أو الموت لمجد الله،.. عندما وقف الضابط الروماني في قصة اندروكليس يحاول أن يمنع الفتاة المسيحية من الاستشهاد، وهو يقول إن جمالها هذا لا ينبغي أن يذهب نهبة الضياع، والهلاك، والموت، وهي تتعلق بأمل، قد لا يكون موجودًا عن عالم آخر! أما هي فقد أجابته بنبل وشهامة.. إن الله استولى على جمالها!! وإنها ستذهب إليه، لأنها ستجد هناك جمالاً أبهر وأعظم وأمجد!! وكانت الفتاة على حق، فإن جمال الجسد أي جسد كان، هو لله، قبل أن يكون لصاحبته، أو لزوج من الأزواج بين الناس، وأن هذا الجسد، مهما بلغ من الروعة والعظمة والمجد، سيبقى جسدًا ترابيا حيوانيًا، حتى يبلغ ما ذكره الرسول في قوله : «وأجسام سماوية، وأجسام أرضية لكن مجد السموات شيء ومجد الأرضيات آخر... هكذا أيضًا قيامة الأموات يزرع في فساد ويقام في عدم فساد، يزرع في هوان ويقام في مجد، يزرع في ضعف ويقام في قوة، يزرع جسمًا حيوانيًا ويقام جسمًا روحانيًا».. وهذا ما تعرفه المسيحية بخلاص الجسد.. فإذا كان المسيح يخلص أرواح المؤمنين، غداة انتقالها من الجسد إلى الله، فان خلاص الجسد ومجده الأعظم لابد أن يتحقق في صبح القيامة في اليوم الأخير!! واذا عن لواحد أن يسأل عن الفرق بين هذا وذاك، ونسبة الامتياز في الأخير عن الأول من حيث الجلال والمجد، فعليه أن يذكر ما أشار إليه الرسول بولس من فارق بين حبه الحنطة والشجرة الجميلة الخضراء المثمرة والمنبثقة عنها... على أن سارة كانت إلى جانب جمال شكلها، على حظ وافر وكبير من جمال العقل، قال أحدهم إذ قرأ بعض كتابات جون رسكن، يا لهذا الرجل من عقل جميل، ومع أن سقراط كان دميم الخلقة، إلا أنه كان جميل العقل جبار التفكير، والمرأة التي تجمع إلى جمال شكلها، جمال العقل،.. تعتبر بحق امرأة ممتازة بين الناس،.. وجمال سارة من هذا القبيل، إنها عاشت على الدوام تأخذ مكانها إلى الخلف من إبراهيم تطيعه داعية إياه سيدها، ولم يكن هذا مما يقلل مركزها، أو يفقدها مكانتها من الإجلال والاحترام، بل بالحري، يعظمها ويكرمها، وفي الوقت نفسه ينظم العلاقة الوظيفية بينها وبين زوجها، فيأخذ هو مركز القيادة، وتأخذ هي مركز الدفع الخفي والخلفي، المتاح لها، في دفع القافلة إلى الأمام، في الرحلة التي خرج كلاهما ليكونا رائديها وأبويها على مر العصور والأجيال، وقد كان إبراهيم الرحالة الأول في سبيل الإيمان، سعيدًا كما قال أحدهم : لأنه في رحلته الخالدة لم يجد امرأة تكثر الأسئلة وهو ينقل من مكان إلى مكان، ولا ينبغي أن يتصور أحد أن مرجع هذا كله، أنها كانت ضحلة التفكير سطحية التأمل، بل على العكس تمامًا أن تفكيرها وذكاءها، كانا محسوبين عليها، كما سنرى فيما بعد، عندما دفعت هاجر إلى حضن إبراهيم، فسقطت فيما يسقط فيه الأذكياء من الاعتماد على الفكر أو الرأي، دون الانتظار لإرادة الله الأعلى والأسمى، وفي غير هذا الأمر، كانت وستبقى المثل العظيم، للمرأة الفاضلة التي تبني بيتها، بالحكمة المضاعفة، حكمة من يعمل ولا يظهر ويدفع ولا يبين، ويؤثر ولا يفتخر،.. زوجها معروف في الأبواب حين يجلس بين مشايخ الأرض، كما يقول الحكيم سليمان، وليس مهملاً أو متروكًا أو منتقص القدر أو الكرامة، كما تفعل الكثيرات من الجميلات، تعاليا أو كبرا أو بدعوى أن الزوج ليس مثل إبراهيم في قوة الشخصية، أو عظمة حياته، أو جلال تدبيره، اذ أن هذا الفرض أن صح وجوده، لا يبرر ظهور امرأة على الرجل، أو دفعه إلى الخلف بأية حركة ، بل العكس هو الصحيح، اذ يضاعف من جهدها، في تغطيته بحكمة، متى ظهر منه النقص والعورة والضعف والقصور، وكم لعبت نساء حكيمات مثل هذا الدور في كل العصور، حتى يقال بحق خلف كل رجل عظيم امرأة عاقلة!! على أن جمال الروح أعظم من جمال البدن، والعقل عند هذه الأم العظيمة القديمة!!.. قالت الفتاة المأخوذة بروعة جلستها مع سيدة عظيمة : يا سيدتي إني مستعدة أن أعطي العالم كله، إذا كان لي أن أحصل على مثل هذا البهاء والجمال المتوفرين لشخصك، والظاهرين في حياتك والمرسومين على وجهك، وأجابت الأخرى بكل هدوء ورصانة! وهذا يا بنيتي، هو الثمن الذي دفعته بالضبط للحصول على ذلك، وما من شك بأن سارة يحق لها أن تقول مثل هذا القول إذ إن جمال روحها كان واضحًا من اللحظة الأولى التي خرجت فيها مع زوجها العظيم في رحلته الخالدة، إلى حيث لا يعلم إلى أين يأتي، ولا شبهة في أنها وهي تطوح بالعالم القديم خلفها، لتكون أما لجميع الخالدين من المؤمنين، كانت تكشف عن روح من أجمل الأرواح التي عاشت على ظهر الأرض بين الناس، كانت سارة واحدة من أعظم الحالمات بالرؤى العظيمة، اذ عاشت سنوات طوالاً، تحلم برؤيا أمم وممالك وشعوب، تخرج من أحشائها وتبارك كل الأرض، وما من شك بأن هذه الرؤيا رسمت، تدري أو لا تدري، أروع وأمجد مظاهر الجلال والجمال في حياتها ونفسيتها العظيمة، وليس هناك فيما أعتقد، ما يعطي الإنسان جمالاً، أو يضفي عليه من مسحة نورانية قدر تملكه لرؤيا عظيمة، أو حلم كبير! ان الرؤيا أو الحلم يصنع للإنسان جناحين عظيمين يحلق بهما على ارتفاع من كل ضيق أو سأم أو ملل أو تعب أو شك ويرقي به فوق كل ما يعكر النفس، ويهزم المشاعر، ويحطم الآمال، وأصحاب الشباب الخالد، هم الذي علت أحلامهم على واقع الحياة المضطربة بالمآسي والمفشلات والمتاعب والدموع، كانت سارة امرأة غنية ولو قيس ما عندما من ذهب وثروة بمقاييس عصرنا الحاضر، لكانت من أولئك الذين يطلق عليهم في عالمنا بأصحاب الملايين، لكني اعتقد أن غناها الحقيقي لم يكن فيما تملك من مادة، بل فيما وصلت إليه من إيمان، اذ قيل : «بالإيمان سارة نفسها أيضًا أخذت قدرة على إنشاء نسل وبعد وقت السن ولدت اذ حسبت الذي وعد صادقًا».. كانت سارة غنية في روحها بالإيمان بالله!.

    وإلى جانب هذا كله لم تعرف المرأة الجميلة قط، حياة الشموخ، أو التعالي، أو الكبرياء، بل على النقيض كانت زينتها الحقيقية الروح الوديع الهادي، الذي هو قدام الله كثير الثمن، كانت هذه المرأة - اذا جاز التعبير - ذات جسد من لجين، أو فضة كما يقولون، وعقل من ذهب، وروح درية، ينطبق عليها حقًا قول الحكيم القديم «امرأة فاضلة من يجدها لأن ثمنها يفوق اللآليء».



    سارة وتجارب جمالها

    وهل يمكن أن يوجد في الوجود جمال، دون أن يخلق في عالمنا هذا، عالم المتناقضات، الكثير من المتاعب والتجارب، ولعل أول تجربة لهذا الجمال تجربة القلق والخوف، كان إبراهيم كرحالة، يخشى، كما هو متصور، من الاعتداء على كل ثمين وغال عنده،... إذ ليس لمعدوم أن يخشى متابعة سارق أو مطاردة لص ولكن إبراهيم لم يكن معدمًا، بل كان رجلاً واسع الثراء، غنيًا جدًا، على أن أغلى ما كان يملك، لم يكن متاعا أو شيئًا، بل شخص زوجته الجميلة الحسناء، اذ كانت هي وحدها في كفة، وكل ذهبه، وفضته ومقتنياته في الكفة الأخرى،.. وكان إبراهيم يخاف على زوجته، أكثر من كل ما يقتني بل أكثر من حياته هو أيضًا، ولم يكن اتفاقه مع زوجته، على أن تذكر أنها أخته في كل مكان يقصد حماية حياته هو، بل أنه وقد أحبها حبًا عميقًا، كان يقصد أن يعيش من أجلها كما هو ظاهر من قوله : «وتحيا نفسي من أجلك» كانت سارة في الأصل اسمها «ساراي» أو «أميرتي» وكانت أشبه بالدرة أو التاج على مفرق الرجل، كانت أميرته المحبوبة والعزيزة عليه، وكان جمالها غير عادي يثير خوفه وفزعه، كما يخاف الإنسان على اللبن النقي من أن تعلق به أوساخ أو ذرات من التراب، وهذا في الواقع مجد الجمال، وخطورته أيضًا، فهو على قدر ما يريح العين لصاحبه، يثير الرغبة والشهوة في نفس الكثيرين، ومن الوقت الذي صاح فيه لامك لامرأتية عادة وصلة «اسمعا قولي يا امرأتي لامك، واصغيا إلى كلامي، فاني قتلت رجلا لجرحي وفتي لشدخي» ويقال أن ذلك كان بسبب تعرض آثم لحياته الزوجية،.. إلى الوقت الذي يضيع فيه آمنون أخته وضاع في أثرها،... إلى حروب تروادة من أجل هيلين اليونانية الجميلة... إلى قصص لا تنتهي، في كل جيل وعصر، سيبقى الجمال في القمة بين أعظم أسباب المتاعب والشرور والمخاوف والمجازر والآلام البشرية، على أنه إذا كان الجمال تجربة بهذا المعنى، والتجربة تقتضي أن يواجهها الإنسان بكل تأمل وحرص، إلا أن التجربة تتجاوز حدها، إذا تحول هذا التأمل والحرص، إلى القلق والخوف والفزع، وهذه مأساة الإنسان ومحنته الدائمة في الأرض، كان إبراهيم يعلم من اللحظة الأولى، أنه يسير كغريب في الأرض في كنف الله وحمايته ورعايته، وأنه لا يستطيع أن يحرس نفسه أو زوجته، دون سند من الله أو عونه أو ستره أينما اتجه أو سار أو تولى.. وكان وهو أبو المؤمنين، عليه وأن يعلم أنه يسلك على الدوام بالإيمان لا بالعيان، ومن ثم كان خليقًا به وبزوجته، ألا يلجأ إلى ما اتفقا عليه من ذكر نصف الحق وليس الحق كله، بأن تذكر سارة أنها أخته، وتتحاشى أن تشير إلى أنها زوجته، ومرات كثيرة ما يكون نصف الحق، أبشع من الباطل والافك والكذب بعينه، وإذا كان الله قد أفهمها بوضوح، عدم رضائه على ما فعلا في مصر، وكيف تدخل بالضربات العظيمة على فرعون وبيته لينقذهما من آثار ما أقدما عليه من حكمة بشرية كاذبة، فكيف يمكن تفسير تكرار الأمر نفسه في جرار بعد سنوات كثيرة من الحادثة الأولى، وبعد توالي معجزات الله العظيمة في حياته، والتي علمته بما لا يقبل الشك أن قوته ترجع أولاً وأخيرًا، إلى يد الله القوية المتداخلة في رعايته وحراسته، على أي حال أن طبيعتنا البشرية الراهنة تردنا بين الحين والآخر إلى إدراك، مدى الوهن والضعف الذي نحن عليه، والذي يمكن أن تتعرض إليه، حتى ولو كنا في مجد الحياة، وجلال السمو، نحلق في آفاق الإيمان العظيمة المرتفعة، وأكثر من هذا فأنه عندما تكثر الخطية، تزداد النعمة، وأن التجارب التي تحيط بنا كان يمكن أن تضيع تاريخنا وتمحو إيماننا، لولا يد الله الرحيمة التي تمتد إلينا عند ما نشرف على الغرق، أو نقترب من الهلاك والهاوية!! كما ينبغي أن نعلم أن نصف الحق أو الكذب الأبيض، أو ما إلى ذلك من صور، قد تنتهي بالإنسان إلى عكس ما كان يحلم أو يشتهي أو يتصور، فيلحق بقائله ما لحق بإبراهيم من هوان وتوبيخ على يد فرعون وابيمالك الوثنيين، إن مزج الاتكال على الله بالحكمة البشرية ومحاولة الربط بينهما، كثيرًا ما أديا إلى نتائج، لولا رحمة الله لكان من الصعب أو المستحيل تدارك آثارها المفجعة الرهيبة!!

    ويظهر هذا على وجه الخصوص في التجربة الثانية، تجربة التأثير البشري المتولد عن سلطة الجمال وقوته! نحن نعلم أن الجمال كثيرًا ما يلعب بالرؤوس، ويثير المشاعر، ويسلب ألباب الناس، بسحره القوي، وسلطانه العظيمة، ولا أعلم إلى أى مدى، كان إبراهيم واقعًا تحت سلطان جمال امرأته العظيم، لكنني أعلم على أي حال، ان إبراهيم لم يبدأ في التفكير في قصة ارتباطه بهاجر، بل أن القاريء المتعمق للقصة الكتابية يرى أن هذه الفكرة بدأت واختمرت في ذهن سارة، وأن إبراهيم كان مترددًا كل التردد تجاهها حتى خضع لرأي زوجته، والمفسرون مختلفون في هذا الأمر إلى حد كبير، فما هو الدافع ياترى لهذه الفكرة التي سيطرت بشدتها وعنفها على سارة حتى الزمت إبراهيم أن يخطو خطواته التنفيذيه فيها.. هل يرجع الأمر إلى أن هذه المرأة الجميلة، بلغ جمالها زروته في نكران الذات، وهي اذ عجزت عن أن تأتي لإبراهيم بابن الموعد، طلبت أ ن يأتي عن طريق آخر، عن طريق جاريتها هاجر، أم أن الأمر على العكس من ذلك، كما يتصور البعض، إذ أنها الكبرياء، التي نهضت في أعماق المرأة ورغم وداعتها، لتحصل على الولد بأي ثمن، وحيث أن النظام المتبع في تلك العصور، إن ابن الجارية يحسب لها، دفعت جاريتها إلى حضن زوجها ليأتي لها بالابن المنشود المرتقب، أم هي كما يرى آخرون نوع من الحكمة الواهمة، التي تحاول بالتحايل أن تحصل على ما ترغب أو تريد عن طريق الذكاء والفهم وإعمال الفكر البشري، أم هي الحيرة التي تتخبط هنا وهناك عندما لا يسعفها الصبر، فتأتي من الأعمال مالم تكن تشتهي أن تطلب أغلب الظن أن سارة لم تكن تعرف بالتمام أن الطبيعة البشرية تتشابك عواطفها كأشجار الغابة، فلا تكاد تعرف تمامًا حقيقة الوازع أو الدافع ، خلف مختلف الأعمال التي تقوم بها أو تنتهجها، على أي حال مهما كان الدافع أو الوازع فان سارة قالت لابرام هوذا الرب قد أمسكني عن الولادة، أدخل على جاريتي لعلي أرزق منها بنين فسمع أبرام لقول ساراي فأخذت سارة امرأة ابرام هاجر جاريتها بعد عشر سنين لإقامة ابرام في أرض كنعان وأعطتها لابرام رجلها زوجة له» وتم للمرأة ما يفرضه الجمال من سلطان وقوى على الكثيرين من الأزواج بين الناس.

    والتجربة الثالثة لما يمكن أن يفعله الجمال تجربة القسوة التي نراها في قصة سارة تجاه زوجها، وجاريتها، وإسماعيل الصغير معا، أما زوجها، فقد أخذت تحمله ظلما هي السبب فيه، ونتائج، لو أنصفت لأدركت أنها هي، وليس هو، الأساس والمصدر لكل ما وصلا إليه، أما جاريتها، فقد أذلتها، حتي هربت أولا، ثم طردت مع ابنها ثانيًا، الذي كاد يصل إلى الموت عطشًا عندما تاهت في برية سين، ومع أن لله في كل هذا إرادته العليا، وحكمته الخالصة، وأنه وحده قادر أن يستخلص، من مقاصد الناس ونواياهم ودوافعهم المتباينة ما يتمم به مشيئته العليا، وإرادته الأزلية، إلا أن ما يعينيا ههنا، أن المرأة الجميلة قد تتحول لأسباب كثيرة، إلى الأنثى الطاغية، التي تخرج عن رقتها وهدوئها، فتتحرك لتفعل بأسلوب مباشر أو غير مباشر ما يتردد الرجل مرات كثيرة عن اتيانه، أو الإقدام عليه!!



    سارة ومجد جمالها

    على أنه إلى جانب هذا كله، فمما لاشك فيه أن جمال سارة بلغ ذروته الحقيقية، ومجده الأعلى، في السنين الأخيرة من حياتها عندما استوى ونضج، وتجاوز حد التجارب، وخلفها وراءه، كانت المرأة الكبيرة، أشبه بقرص الشمس الذهبي، عندما يأخذ سبيله لحظة الشفق إلى الغروب، لقد تطهر جمالها واتسع، وخلا من البقع المتناثرة، التي علقت به في وسط التجارب التي ألمت به كما أسلفنا في رحلة الحياة،..

    فقد عاشت سارة في السنوات الأخيرة من عمرها تتوفر على تربية اسحق ابنها، مع إبراهيم أبيه، والبادي أن اسحق أخذ منها الكثير، مما طبع عليه من حياة الهدوء والسلام، مما جعله أقرب إليها من أبيه، كما أن أسحق أعطاها بمولده ومجيئه بعد تسعين عاماً من عمرها، الابتسامة التي ارتسمت على وجهها وأضاءت حياتها بأكملها، حتي أنها اسمته اسحق أي ضحك، تعبيرًا وتجسيدًا للبهجة والسرور والإشراق، التي تغلغت في حياتها، مما لم تكن عرفته واختبرته من قبل، على امتداد السنين الطويلة قبل مولده، لقد عرفت قبل اسحق جمال الشكل، والعقل، والروح، ولكنها بعد ميلاد ابنها، عرفت جمال الأمومة على نحو كان من العسير أن تدركه في معناه الصحيح، لو عاشت عاقرًا فاذا جاءت بناتها فيما بعد، على مختلف العصور والأجيال، يرين في العقم عاراً وذلة وهواناً مثل راحيل، وحنة، واليصابات، وغيرهن، تبين لنا إلى أي مدى توج جمال سارة بهذا اللون البهيج العظيم، مما تفخر به المرأة، جمال الأمومة، على أن هذه المرأة لم تقف عند جمال الأمومة القاصرة على أسرة محدودة أو بيت، لقد تحولت من «ساراي» أميرتي إلى سارة «أم الجماهير» لقد زها نورها عن أن يلمع في مجرد بيت أو أسرة أو شعب، ليمتد إلى أحشاء الزمن، ويتغلغل في جنبات التاريخ لتضحي أم القديسين والقديسات، من بيوت وأسر وأمم وشعوب، واتسعت هالة نورها، على نحو ربما لم تعرفه امرأة أخرى، سوى مريم العذراء، التي ولد منها المسيح سيدنا وربنا مخلص العالم!

    على أبواب مغارة المكفيلة أودع إبراهيم ميته، ليشتري الحقل والمغارة، قبل أن يدفن جثمانها المسجي، وهل لنا أن نلقي نظرة أخيرة على هذا الجمال العظيم المتألق، الذي لم تستطع الشيخوخة أن تنال منه، بل لعلها أعطته مسحة من القداسة التي بقيت في ذهن الرسول بطرس عندما قال : «فإنه هكذا كانت النساء القديسات أيضًا المتوكلات على الله يزين أنفسهن خاضعات لرجالهن كما كانت سارة تطيع إبراهيم داعية إياه سيدها التي صرتن أولادها صانعات خيرًا وغير خائفات خوفاً البتة»...
    tiger2010
    tiger2010
    مراقب عام المنتديات
    مراقب عام المنتديات


    عدد المساهمات : 423
    عدد النقاط : 11357
    تاريخ التسجيل : 07/11/2009
    العمر : 40

    نساء في العهد القديم Empty رد: نساء في العهد القديم

    مُساهمة من طرف tiger2010 الأربعاء 11 نوفمبر 2009 - 10:03

    ميرسى على موضوعك ربنا يعوضك ويبارك محبتك

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس 28 مارس 2024 - 20:36