بين الصمت والكلام
كثيراً ما يتحير الإنسان : أيهما أفضل: أن
يصمت أم أن يتكلم ؟ وهكذا عليه أن يحدد
موقفه بين الصمت والكلام .
فضيلة الصمت :
نلاحظ أن غالبية القديسين قد فضلوا الصمت ، واضعين أمامهم قول الحكيم : (( كثرة الكلام لا تخلو من معصية )) . وفي ذلك قال القديس أرسانيوس – معلم أولاد الملوك – عبارته المشهورة :
] كثيراً ما تكلمت فندمت ... وأما عن سكوتي ، فما ندمت قط [ .
ومن أجل هذا صلى داود النبي قائلاً : (( ضع يا رب حافظاً لفمي ، باباً حصيناً لشفتي )) ... وقال الوحي الإلهي : (( الاستماع أفضل من التكلم )) .
وما أكثر ما تحدثت الكتب الروحية عن : (( فضيلة الصمت )) ودعت إليها ، لكيما يتخلص بها الإنسان من أخطاء اللسان وهي عديدة ..
منها الكذب والمبالغة ، وكلام الرياء والتملق والنفاق . ومنها التهكم ، والكلام الجارح ، والسب واللعن والإساءة إلى الآخرين ، والتحدث بالباطل في سيرة الناس . ومنها الافتخار بالنفس والتباهي ومدح الذات . ومنها الكلام البذيء ، والقصص والفكاهات الخليعة ، وكلام المجون . ومنها أخطاء اللسان أيضاً : التجديف ، وكلام الكفر ، والتذمر على الله . ومنها التعليم الخاطيء ، والضلالة والبدع .
ومن أخطاء اللسان أيضاً الثرثرة . لأن الله لم يخلق اللسان فينا لكي يتكلم عبثاً بلا فائدة .
لكل هذا فضل القديسون الصمت ...
ليس فقط ، لكي يبعدوا عن أخطاء اللسان ، إنما أيضاً لكي يتيح لهم الصمت فترة للصلاة والتأمل ...
لأن الإنسان لا يستطيع أن يتكلم مع الله والناس في الوقت نفسه . لهذا قال الشيخ الروحاني :
] سكت لسانك ، لكي يتكلم قلبك [ .
وقال مار إسحق : ] كثير الكلام يدل على أنه فارغ من الداخل [ ، أي أن قلبه فارغ من مناجاة الله ، فارغ من العمل الروحي في التأمل والصلاة ...
كلام المنفعة :
يبقى بعد كل هذا سؤال هام وهو :
هل كل صمت فضيلة ؟
وهل كل كلام خطيئة ؟
كلا ، طبعاً ، فقد قال داود النبي في المزمور : (( فاض قلبي بكلام صالح )) . إذن هناك كلام نافع ومفيد ، وذلك حينما نتكلم بالصالحات .
إن الصمت حالة سلبية ، بينما الكلام حالة إيجابية .
وإنما يدرب الناس أنفسهم على الصمت ، حتى يتدربوا على الكلام النافع .
الصمت إذن هو وضع وقائي يحمينا إن كنا نتكلم بدافع بشرى .
أما إذا كان الله هو الذي يفتح شفاهنا ، وهو الذي يضع كلاماً في أفواهنا ، فحينئذ يكون كلامنا – لا صمتنا – هو العمل الفاضل .
كان السيد المسيح يتكلم ، والناس (( يتعجبون من كلمات النعمة الخارجة من فمه )) . والشهيد اسطفانوس تكلم فأفحم المجامع الخاطئة (( ولم يقدروا أن يقاوموا الحكمة والروح الذي كان يتكلم به )) . وقد قال سليمان الحكيم :
(( فم الصديق ينبوع حياة )) .
وقد كان حكماء العالم يجوبون البر والبحر ، لكي يسمعوا كلمة منفعة من المتوحدين والنساك في براري مصر وقفارها ...
كلام المنفعة هذا ، هو كلام من الله يضعه في أفواه أحبائه ، ليبلغوه للآخرين ، هادئاً كان أم شديداً .
ومن كلام المنفعة : كلمة النصح لمن يحتاج إليها ، وكلمة العزاء لقلب حزين ، وكلمة التشجيع لناشيء أو ليائس ، وكلمة التعليم لبناء النفوس ، وكلمة الله للهداية والارشاد ، وكلمة البركة ، وكلمة الحق ، وكلمة الحكمة ... إلخ .
نسأل سؤالاً بعد هذا ، وهو : إن كان الكلام هكذا نافعاً في بعض الأوقات .
فهل يمكن أن ندان على صمتنا ، كما ندان على كلامنا !
نعم ، أحياناً ندان على صمتنا ...
إن لكل شيء تحت السماء وقتاً . وقد قال سليمان الحكيم : (( للسكوت وقت ، وللتكلم وقت )) . فإن كان للتكلم وقت ، فلا شك أننا ندان إذا صمتنا فيه .
فالبار لا يتكلم حين يحسن الصمت . ولا يصمت حين يحسن الكلام .
إنما يعرف متى يتكلم ، وكيف يتكلم . ويضع لكلامه هدفاً نافعاً روحياً . وقد قال الحكيم : (( تفاحة من ذهب ، في مصوغ من فضة ، كلمة مقولة في موضعها )) .
وكثيراً ما أمر الله الناس بالكلام ، فكان يرسلهم أحياناً للأنذار ، وأحياناً للتبشير ، وأحياناً لإعلان حقه بين الناس .
إن الله يكلم الناس مباشرة ، وإنما يكلمهم عن طريق أحبائه من البشر . هو يريدنا أن نعلن وصاياه للناس ، وقد طلب إلينا أن نكون شهوداً له على الأرض ...
فإن صمتنا عن الشهادة للحق ، ندان على صمتنا .
وإن صمتنا ، وبصمتنا أعطينا مجالاً للباطل أن ينتشر وأن ينتصر ، فإننا ندان على صمتنا .
وإن قصرنا في إنذار البعض ، فأضر بنفسه أو بغيره ، ندان أيضاً على صمتنا .
فإن رأيت إنساناً يسقط في حفرة وهو لا يدري ، هل تقول إن الصمت فضيلة أم تحذره ؟! وإذا لم تحذره ، ألا تدان على صمتك ، ويطالبك الله بدم ذلك الإنسان ؟
بهذا يكون هناك واجب على الرعاة أن يتكلموا ، وواجب مثله على الآباء والأمهات ، وعلى القادة الروحيين ، وعلى المعلمين ، وعلى كل من هو في مسئولية .. كل هؤلاء كلفهم الله أن يقولوا كلمة الحق ، وأن يشهدوا لوصاياه في العالم ... ومثل هؤلاء يكون كلامهم أفضل من الصمت .
فليعطنا الرب أن نعرف كيف ومتى نتكلم . وليعطنا الكلمة التي تتفق ومشيئته الصالحة ، والتي يعمل فيها روحه القدوس فلا ترجع فارغة ، بل تثمر ثمراً في قلوب الناس . ويرى الرب ثمار هذه الكلمة فيفرح وتفرح ملائكته ، ويكون هو الذي تكلم وليس نحن ...
وليتمجد الرب في صمتنا وفي كلامنا ، له المجد الدائم إلى الأبد آمين .
كثيراً ما يتحير الإنسان : أيهما أفضل: أن
يصمت أم أن يتكلم ؟ وهكذا عليه أن يحدد
موقفه بين الصمت والكلام .
فضيلة الصمت :
نلاحظ أن غالبية القديسين قد فضلوا الصمت ، واضعين أمامهم قول الحكيم : (( كثرة الكلام لا تخلو من معصية )) . وفي ذلك قال القديس أرسانيوس – معلم أولاد الملوك – عبارته المشهورة :
] كثيراً ما تكلمت فندمت ... وأما عن سكوتي ، فما ندمت قط [ .
ومن أجل هذا صلى داود النبي قائلاً : (( ضع يا رب حافظاً لفمي ، باباً حصيناً لشفتي )) ... وقال الوحي الإلهي : (( الاستماع أفضل من التكلم )) .
وما أكثر ما تحدثت الكتب الروحية عن : (( فضيلة الصمت )) ودعت إليها ، لكيما يتخلص بها الإنسان من أخطاء اللسان وهي عديدة ..
منها الكذب والمبالغة ، وكلام الرياء والتملق والنفاق . ومنها التهكم ، والكلام الجارح ، والسب واللعن والإساءة إلى الآخرين ، والتحدث بالباطل في سيرة الناس . ومنها الافتخار بالنفس والتباهي ومدح الذات . ومنها الكلام البذيء ، والقصص والفكاهات الخليعة ، وكلام المجون . ومنها أخطاء اللسان أيضاً : التجديف ، وكلام الكفر ، والتذمر على الله . ومنها التعليم الخاطيء ، والضلالة والبدع .
ومن أخطاء اللسان أيضاً الثرثرة . لأن الله لم يخلق اللسان فينا لكي يتكلم عبثاً بلا فائدة .
لكل هذا فضل القديسون الصمت ...
ليس فقط ، لكي يبعدوا عن أخطاء اللسان ، إنما أيضاً لكي يتيح لهم الصمت فترة للصلاة والتأمل ...
لأن الإنسان لا يستطيع أن يتكلم مع الله والناس في الوقت نفسه . لهذا قال الشيخ الروحاني :
] سكت لسانك ، لكي يتكلم قلبك [ .
وقال مار إسحق : ] كثير الكلام يدل على أنه فارغ من الداخل [ ، أي أن قلبه فارغ من مناجاة الله ، فارغ من العمل الروحي في التأمل والصلاة ...
كلام المنفعة :
يبقى بعد كل هذا سؤال هام وهو :
هل كل صمت فضيلة ؟
وهل كل كلام خطيئة ؟
كلا ، طبعاً ، فقد قال داود النبي في المزمور : (( فاض قلبي بكلام صالح )) . إذن هناك كلام نافع ومفيد ، وذلك حينما نتكلم بالصالحات .
إن الصمت حالة سلبية ، بينما الكلام حالة إيجابية .
وإنما يدرب الناس أنفسهم على الصمت ، حتى يتدربوا على الكلام النافع .
الصمت إذن هو وضع وقائي يحمينا إن كنا نتكلم بدافع بشرى .
أما إذا كان الله هو الذي يفتح شفاهنا ، وهو الذي يضع كلاماً في أفواهنا ، فحينئذ يكون كلامنا – لا صمتنا – هو العمل الفاضل .
كان السيد المسيح يتكلم ، والناس (( يتعجبون من كلمات النعمة الخارجة من فمه )) . والشهيد اسطفانوس تكلم فأفحم المجامع الخاطئة (( ولم يقدروا أن يقاوموا الحكمة والروح الذي كان يتكلم به )) . وقد قال سليمان الحكيم :
(( فم الصديق ينبوع حياة )) .
وقد كان حكماء العالم يجوبون البر والبحر ، لكي يسمعوا كلمة منفعة من المتوحدين والنساك في براري مصر وقفارها ...
كلام المنفعة هذا ، هو كلام من الله يضعه في أفواه أحبائه ، ليبلغوه للآخرين ، هادئاً كان أم شديداً .
ومن كلام المنفعة : كلمة النصح لمن يحتاج إليها ، وكلمة العزاء لقلب حزين ، وكلمة التشجيع لناشيء أو ليائس ، وكلمة التعليم لبناء النفوس ، وكلمة الله للهداية والارشاد ، وكلمة البركة ، وكلمة الحق ، وكلمة الحكمة ... إلخ .
نسأل سؤالاً بعد هذا ، وهو : إن كان الكلام هكذا نافعاً في بعض الأوقات .
فهل يمكن أن ندان على صمتنا ، كما ندان على كلامنا !
نعم ، أحياناً ندان على صمتنا ...
إن لكل شيء تحت السماء وقتاً . وقد قال سليمان الحكيم : (( للسكوت وقت ، وللتكلم وقت )) . فإن كان للتكلم وقت ، فلا شك أننا ندان إذا صمتنا فيه .
فالبار لا يتكلم حين يحسن الصمت . ولا يصمت حين يحسن الكلام .
إنما يعرف متى يتكلم ، وكيف يتكلم . ويضع لكلامه هدفاً نافعاً روحياً . وقد قال الحكيم : (( تفاحة من ذهب ، في مصوغ من فضة ، كلمة مقولة في موضعها )) .
وكثيراً ما أمر الله الناس بالكلام ، فكان يرسلهم أحياناً للأنذار ، وأحياناً للتبشير ، وأحياناً لإعلان حقه بين الناس .
إن الله يكلم الناس مباشرة ، وإنما يكلمهم عن طريق أحبائه من البشر . هو يريدنا أن نعلن وصاياه للناس ، وقد طلب إلينا أن نكون شهوداً له على الأرض ...
فإن صمتنا عن الشهادة للحق ، ندان على صمتنا .
وإن صمتنا ، وبصمتنا أعطينا مجالاً للباطل أن ينتشر وأن ينتصر ، فإننا ندان على صمتنا .
وإن قصرنا في إنذار البعض ، فأضر بنفسه أو بغيره ، ندان أيضاً على صمتنا .
فإن رأيت إنساناً يسقط في حفرة وهو لا يدري ، هل تقول إن الصمت فضيلة أم تحذره ؟! وإذا لم تحذره ، ألا تدان على صمتك ، ويطالبك الله بدم ذلك الإنسان ؟
بهذا يكون هناك واجب على الرعاة أن يتكلموا ، وواجب مثله على الآباء والأمهات ، وعلى القادة الروحيين ، وعلى المعلمين ، وعلى كل من هو في مسئولية .. كل هؤلاء كلفهم الله أن يقولوا كلمة الحق ، وأن يشهدوا لوصاياه في العالم ... ومثل هؤلاء يكون كلامهم أفضل من الصمت .
فليعطنا الرب أن نعرف كيف ومتى نتكلم . وليعطنا الكلمة التي تتفق ومشيئته الصالحة ، والتي يعمل فيها روحه القدوس فلا ترجع فارغة ، بل تثمر ثمراً في قلوب الناس . ويرى الرب ثمار هذه الكلمة فيفرح وتفرح ملائكته ، ويكون هو الذي تكلم وليس نحن ...
وليتمجد الرب في صمتنا وفي كلامنا ، له المجد الدائم إلى الأبد آمين .