جاء عن هذا الأب القديس أنه جاء إليه ثلاثةُ شيوخٍ، وكان أحدُهم سيئ السيرةِ، فطلب الأول من الشيخ أن يصنع له شبكةً، فلم يُجبه إلى طلبهِ. وسأله الآخر أن يصنع محبةً ويجعل لنفسِه في ديرهم تذكاراً بشبكةٍ يصنعها لهم، فوعده عندما يتفرغ يعملها. ولما تقدَّم إليه الثالثُ ذو السمعةِ السيئة وطلب منه أن يصنعَ له شبكةً ليكون له شيءٌ من عملِ يديه، أجابه إلى طلبهِ في الحال. فسأله الاثنان الأولان في خَلوةٍ وقالا له: «كيف إننا لما طلبنا إليك نحن الاثنين لم تُجبنا إلى طلبنا، أما ذاك فأجبتَه لوقتهِ وقلتَ له نعم»؟ أجابهم الشيخُ: «لقد قلتُ لكما: لا، لأني عالمٌ أنكما لا تغتمَّان. ثم إني في الحقيقةِ لم أكن وقتئذ متفرِّغاً لذلك. أما ذاك فلو أني قلتُ له: لستُ متفرِّغاً لإجابةِ طلبك، لقال في نفسهِ: إن الشيخَ قد سمع بخطيئتي، ولأجل ذلك لم يُجبني إلى طلبي. فيحزن وينقطع رجاؤه. ففعلتُ معه هكذا كي لا يهلك في الحزنِ واليأسِ».
ودفعةً جاءه أحدُ الشيوخِ، فوجده قد طرحَ من فمِهِ دماً، فسأله: «ما هذا يا أبتاه»؟ فأجابه الشيخُ: «إن هذه كلمةُ أخٍ أحزنتني، فجاهدتُ وطلبتُ من اللهِ أن يرفعها عني، فصارت الكلمةُ دماً في فمي، فبصقتُ واسترحتُ منها ونسيتُ حزنَها».
وقال عنه أنبا أموناس: إنني مضيْتُ إليه أنا وأنبا سميوس، فسمعناه يردِّد هذا الكلام قائلاً: «لا تخف يا يعقوب من النزولِ إلى مصر». فلما كرَّر هذا القولَ مراراً كثيرة قرعنا البابَ ففتح لنا وقال: «من أين أنتما»؟ فخشينا أن نقولَ إننا من القلالي، فقلنا له: «إننا من جبل نتريا». فقال: «ماذا أصنعُ وقد جئتما من ناحيةٍ بعيدةٍ». فدخل بنا فوجدناه قد عمل في الليلِ ضفائرَ كثيرةً. فسألناه كلمةً، فأجابنا قائلاً: «إني منذ البارحةِ حتى هذه الساعة قد ضفَّرتُ عشرين باعاً. وصدِّقوني إني لستُ في احتياجٍ إلى كلِّ ذلك، ولكني أخافُ أن يقولَ لي الربُّ: لماذا لا تعمل ما دمتَ تقوى على العملِ؟ من أجلِ ذلك أتعبُ بكلِّ قوتي». فانتفعنا وانصرفنا.