أمثال التوبة
بقلم نيافة الأنبا رافائيل
كانت مفاهيم اليهود وكتبتهم والفريسيين عن الأمور الروحية مفاهيم منحرفة أو ناقصة، أو تُمثِل وجهة نظر ضيقة، وما كانوا يتسعون ليقبلوا رأيًّا آخر أو فكرًا جديدًا.. فقد كانوا يعتبرون أن أفكارهم هي أفكار الله نفسه، حتى إنهم ما كانوا يطيقون أن يناقشهم أحد فيها، ولو أدى الأمر أن يبطلوا وصية الله نفسه بسبب تفسيراتهم.. كمثلما وبَّخهم السيد المسيح على ذلك بقوله: "فقد أبطَلتُم وصيَّة الله بسبب تقليدِكُم!" (مت15: 6).
وجاء السيد المسيح ليشرح للبشرية المفاهيم الصحيحة للأمور الإلهية والروحية، لذلك كانوا يدعونه "المُعلِّم الصالح"، وكانوا يسمعون منه تعليمًا لم يتعودوا على سماعه.. لذلك قيل:
+ "فلمّا أكمَلَ يسوع هذه الأقوال بُهِتَت الجموع من تعليمِهِ، لأنه كان يُعَلمُهُم كمَنْ له سُلطان وليس كالكتبة" (مت7: 28-29).
+ "ولمّا جاء إلى وطنه كان يُعَلمُهُم في مَجمَعِهِم حتى بُهِتوا وقالوا: من أين لهذا هذه الحكمَة والقوات؟" (مت13: 54).
وكانوا يقولون عن تعليم السيد المسيح في كل الأجيال: "ما هو هذا التعليم الجديد؟" (أع17: 19). ونظرًا لأن تعليم السيد المسيح كان جديدًا على مسامعهم.. "لم يتكلَّم قط إنسان هكذا مِثل هذا الإنسان!" (يو7: 46). لذلك ما كانوا يقبلونه بسهولة، بل أحيانًا كانوا يقاومون ويجدفون ويعترضون، ويتصيدون عليه الأخطاء التي لم توجد قط في كل تعاليمه المقدسة. لذلك كان السيد المسيح يستخدم الأمثال لشرح المفاهيم بطريقة مبسطة وواضحة ومقنعة، بحيث يورد في المثل قصة ويُطبِّق عليها المبادئ الروحية السامية.
ومن الأمور التي اختلفت وجهات نظرهم فيها مع السيد المسيح الموقف من الخطاة والعشارين، فكان الفريسيون "واثقين بأنفسهم أنهم أبرار، ويحتقرون الآخرين" (لو18: 9)، وكانوا ينتقدون السيد المسيح انتقادًا عنيفًا لأنه كان يقبل أن يجالس الخطاة ويأكل معهم "فتَذمَّر الفَريسيون والكتبة قائلين: هذا يَقبَلُ خُطاةً ويأكل معهم!" (لو15: 2). وكانوا يسألون تلاميذه: "لماذا يأكل مُعلمُكم مع العَشّارين والخُطاة؟" (مت9: 11). أما الرب يسوع فكان يجيبهم بكل وداعة.. "لا يَحتاج الأصِحّاء إلى طبيب بل المرضى.
فاذهبوا وتعلَّموا ما هو: إني أُريدُ رحمةً لا ذبيحة، لأني لم آتِ لأدعوَ أبرارًا بل خُطاةً إلى التوبة" (مت9: 12-13). لذلك قيل عن السيد المسيح: "صادِقة هي الكلمة ومُستَحِقَّة كل قُبول: أن المسيح يسوع جاء إلى العالم ليُخلِّص الخُطاة الذين أولهم أنا" (1تي1: 15).
ولكي يشرح السيد المسيح موقفه من الخطاة.. أورد لنا ثلاثة أمثال في الأصحاح (15) من إنجيل مُعلِّمنا لوقا البشير، وهي أمثال: "الخروف الضال"، "الدرهم المفقود"، "الابن الضال".. دعونا الآن نتأمل فنتعلَّم من هذه الأمثال الثلاث:
(1) ربط السيد المسيح بين التوبة والفرح فقال:
+ في مثل الخروف الضال: "وإذا وجَدَهُ يضعه على مَنكبيهِ فرحًا، ويأتي إلى بيته ويَدعو الأصدقاء والجيران قائلاً لهم: افرحوا معي، لأني وجَدتُ خروفي الضّال!" (لو15: 5-6).
+ وفي مثل الدرهم المفقود: "وإذا وجَدَتهُ تدعو الصديقات والجارات قائلة: افرَحن معي لأني وجَدتُ الدرهم الذي أضَعتُهُ" (لو15: 9).
+ وفي مثل الابن الضال: "وقَدموا العِجلَ المُسَمَّن واذبَحوهُ فنأكُل ونفرح، لأن ابني هذا كان مَيتًا فعاش، وكان ضالاً فوُجِد. فابتدأوا يفرحون" (لو15: 23-24). "ولكن كان ينبغي أن نفرح ونُسَرَّ، لأن أخاكَ هذا كان مَيتًا فعاش، وكان ضالاً فوُجِدَ" (لو15: 32).
ووضع لنا السيد المسيح هذه القاعدة: "أقول لكم: إنه هكذا يكون فرح في السماء بخاطئٍ واحدٍ يتوب أكثر من تسعة وتسعين بارًّا لا يحتاجون إلى توبة" (لو15: 7)، "هكذا، أقول لكم: يكون فرَح قُدام ملائكة الله بخاطئ واحد يتوب" (لو15: 10).
إن الله القدوس يرغب في أن نتوب، وسوف نستعيد بهجتنا وفرحتنا عندما نفرّح قلب الله ونفرّح السماء بتوبتنا. الله لا يريدنا أن نحزن.. وإن حزّنا فيجب أن يكون حزنًا مقدسًا، وصفه مُعلمنا بولس الرسول قائلاً: "لأن الحزن الذي بحسب مشيئة الله يُنشِئ توبة لخلاصٍ بلا نَدامةٍ، وأمّا حُزن العالم فيُنشِئ موتًا" (2كو7: 10). كمثلما حزن مُعلمنا بطرس الرسول بعد خطية الإنكار "فخرج إلى خارج وبكى بُكاءً مُرًّا" (مت26: 75).
ونحن أيضًا يجب أن نفرح في توبتنا وعودتنا إلى الله كمثل طفل قد تاه، ثم وجد أباه وأمه فارتمى في حضنهما يبكي وهو فرحان بعودته السلامية إلى أمن وأمان ودفء حضن الأب.
(2) لقد عبَّر السيد المسيح عن ضياع الخروف بأن الراعي (أضاعه)، وعن الدرهم أن المرأة (أضاعته)، أما في مثل الابن الضال فقد (تاه الابن برغبته).
الراعي يمثل السيد المسيح، والمرأة تمثل الكنيسة، والابن الضال يمثل كل إنسان خاطئ. لقد حمَّل السيد المسيح نفسه مسئولية إضاعة الخروف الضال.. وحمَّل الكنيسة مسئولية إضاعة الدرهم المفقود، أما في مثل الابن الضال فكان الإنسان هو المسئول عن ضياع نفسه. وفي كل الأحوال كان باب التوبة مفتوحًا، والعودة المفرحة مطلوبة، وسعي الله والكنيسة كائن لعودة الخطاة، وكذلك دور الإنسان الخاطئ مشروح في مثل الابن الضال.
إن الله يبحث عني بين الأشواك، وفوق الجبال، وفي البراري القفرة.. والكنيسة توقد لي سراج الروح القدس، وتفتش باجتهاد عني بروح الرعاية الحانية حتى تجدني، أما أنا فمطلوب مني أن أرجع إلى نفسي وأقارن حالتي السيئة بسبب الخطية بحالتي قبل السقوط، وأقوم سريعًا وأذهب إلى أبي، وأعترف أمامه بخطأي وخطاياي، وأفرّح قلب السماء بعودة سالمة.
(3) الله هو المُبادر دائمًا:
لقد حمل الخروف الضال على منكبيه فرحًا، وهو يحملني ويحمل همي وخطاياي، ويغفر لي ويرد لي بهجة خلاصي.. لقد رأى ابنه الضال "إذ كان لم يَزل بعيدًا.. فتحنَّن وركض ووقع على عُنقه وقَبله" (لو15: 20)، ورفع عنه عناء خجل المقابلة الأولى.
الله يريدني أن أعود إليه، وسيسبقني بخطوات عندما أبدأ بخطوة، وسيردني إلى مكانتي الأولى.. "فقال الأب لعبيده: أخرِجوا الحُلَّة الأولى وألبِسوهُ، واجعلوا خاتمًا في يده، وحذاءً في رِجليه، وقدموا العِجل المُسَمن واذبَحوهُ فنأكُل ونفرح" (لو15: 22-23)، وسينسى أيام الضياع وذل الخطية وإهانة الشيطان لي.. وأيضًا سيمسح من ذهن الناس فكرتهم السيئة عني، ويرفعني على ذراعه الأبدية.. "أنا أنا هو الماحي ذُنوبَكَ لأجل نفسي، وخطاياكَ لا أذكُرُها" (إش43: 25)، "قد مَحَوتُ كغَيمٍ ذُنوبَكَ وكسحابة خطاياكَ. اِرجِع إليَّ لأني فدَيتُكَ" (إش44: 22)
(4) كان موقف الابن الضال عند عودته موقفًا جميلاً إذ قال:
"أخطأت"، وهذه الكلمة الجميلة مفتاح لحل كل مشاكلنا الروحية والاجتماعية مع الناس. كثيرون منا لا يستطيعون أن يقولوا: "أخطأت"، وذلك بسبب الكبرياء أو العناد..
+ لقد أخطأ آدم وحواء، ولم يعتذروا بكلمة "أخطأت".
+ وكذلك أخطأ قايين ولم يتفوه بهذه الكلمة الجميلة.
+ وجيحزي تلميذ أليشع النبي نال عقوبة قاسية لأنه لم يعترف بهذه الكلمة (راجع 2مل5: 25).
+ أما فرعون فقالها من فمه فقط، وليس من قلبه (خر10: 16)، فلم تدل على توبة حقيقية بل عاد بعدها إلى نفس أخطائه.
+ وكذلك شاول ملك إسرائيل (1صم15: 24) قالها بدون فائدة.
+ ويهوذا نطقها بدون رجاء فمضى وشنق نفسه (مت27: 4-5).
+ وعَخَان بن كرمي قالها بعد فوات الأوان (يش7: 20).
دعونا الآن نسبق ونأخذ نصيبنا في صفح الله وغفرانه، عندما أقف أمام أبي الكاهن وأعترف قائلاً: "أخطأت". لتكن كلمة "أخطأت" دائمًا في أفواهنا، فنكون سريعي الاعتذار لله والناس، ونفرّح قلوب الناس والملائكة والله نفسه بهذه الكلمة الجميلة.
(5) الخطية موت والتوبة حياة من موت:
"ابني هذا كان مَيتًا فعاشَ، وكان ضالاً فوُجِد" (لو15: 24).. إن الخطية هي انفصال عن الله الحي المحي الذي هو ينبوع حياتنا، وبالتالي فالخاطئ مائت حتى ولو كان منظره حيًا، كما قيل: "أن لكَ اسمًا أنكَ حَي وأنتَ ميت" (رؤ3: 1)، وعندما نعود إلى الله تدب فينا الحياة مرة أخرى، ونعود إلى طبيعتنا الأولى "لأننا به نَحيا ونَتحَرك ونوجَد" (أع17: 28)، أو كما قال معلمنا بولس الرسول: " ليَ الحياة هي المسيح" (في1: 21)، "مع المسيح صُلِبتُ، فأحيا لا أنا، بل المسيح يحيا فيَّ. فما أحياهُ الآن في الجسد، فإنما أحياهُ في الإيمان، إيمان ابن الله، الذي أحبني وأسلَمَ نفسه لأجلي" (غل2: 20).
ربي يسوع القدوس
أنت دعوتني إلى التوبة...
ولكنني ضعيف حتى عن أن أتوب
فأرجوك
"توبني فأتوب، لأنكَ أنتَ الرب إلهي"
(إر31: 18).
علمني أن أصنع توبة
"لأن الأجنة قد دنت إلى المولد ولا قوة للولادة"
(2مل19: 3)
ليس لي قوة يا سيدي أن أنهض لأتوب..
فتعال والمسني فأحيا وأخلص بك.. لك كل المجد.
__________________
بقلم نيافة الأنبا رافائيل
كانت مفاهيم اليهود وكتبتهم والفريسيين عن الأمور الروحية مفاهيم منحرفة أو ناقصة، أو تُمثِل وجهة نظر ضيقة، وما كانوا يتسعون ليقبلوا رأيًّا آخر أو فكرًا جديدًا.. فقد كانوا يعتبرون أن أفكارهم هي أفكار الله نفسه، حتى إنهم ما كانوا يطيقون أن يناقشهم أحد فيها، ولو أدى الأمر أن يبطلوا وصية الله نفسه بسبب تفسيراتهم.. كمثلما وبَّخهم السيد المسيح على ذلك بقوله: "فقد أبطَلتُم وصيَّة الله بسبب تقليدِكُم!" (مت15: 6).
وجاء السيد المسيح ليشرح للبشرية المفاهيم الصحيحة للأمور الإلهية والروحية، لذلك كانوا يدعونه "المُعلِّم الصالح"، وكانوا يسمعون منه تعليمًا لم يتعودوا على سماعه.. لذلك قيل:
+ "فلمّا أكمَلَ يسوع هذه الأقوال بُهِتَت الجموع من تعليمِهِ، لأنه كان يُعَلمُهُم كمَنْ له سُلطان وليس كالكتبة" (مت7: 28-29).
+ "ولمّا جاء إلى وطنه كان يُعَلمُهُم في مَجمَعِهِم حتى بُهِتوا وقالوا: من أين لهذا هذه الحكمَة والقوات؟" (مت13: 54).
وكانوا يقولون عن تعليم السيد المسيح في كل الأجيال: "ما هو هذا التعليم الجديد؟" (أع17: 19). ونظرًا لأن تعليم السيد المسيح كان جديدًا على مسامعهم.. "لم يتكلَّم قط إنسان هكذا مِثل هذا الإنسان!" (يو7: 46). لذلك ما كانوا يقبلونه بسهولة، بل أحيانًا كانوا يقاومون ويجدفون ويعترضون، ويتصيدون عليه الأخطاء التي لم توجد قط في كل تعاليمه المقدسة. لذلك كان السيد المسيح يستخدم الأمثال لشرح المفاهيم بطريقة مبسطة وواضحة ومقنعة، بحيث يورد في المثل قصة ويُطبِّق عليها المبادئ الروحية السامية.
ومن الأمور التي اختلفت وجهات نظرهم فيها مع السيد المسيح الموقف من الخطاة والعشارين، فكان الفريسيون "واثقين بأنفسهم أنهم أبرار، ويحتقرون الآخرين" (لو18: 9)، وكانوا ينتقدون السيد المسيح انتقادًا عنيفًا لأنه كان يقبل أن يجالس الخطاة ويأكل معهم "فتَذمَّر الفَريسيون والكتبة قائلين: هذا يَقبَلُ خُطاةً ويأكل معهم!" (لو15: 2). وكانوا يسألون تلاميذه: "لماذا يأكل مُعلمُكم مع العَشّارين والخُطاة؟" (مت9: 11). أما الرب يسوع فكان يجيبهم بكل وداعة.. "لا يَحتاج الأصِحّاء إلى طبيب بل المرضى.
فاذهبوا وتعلَّموا ما هو: إني أُريدُ رحمةً لا ذبيحة، لأني لم آتِ لأدعوَ أبرارًا بل خُطاةً إلى التوبة" (مت9: 12-13). لذلك قيل عن السيد المسيح: "صادِقة هي الكلمة ومُستَحِقَّة كل قُبول: أن المسيح يسوع جاء إلى العالم ليُخلِّص الخُطاة الذين أولهم أنا" (1تي1: 15).
ولكي يشرح السيد المسيح موقفه من الخطاة.. أورد لنا ثلاثة أمثال في الأصحاح (15) من إنجيل مُعلِّمنا لوقا البشير، وهي أمثال: "الخروف الضال"، "الدرهم المفقود"، "الابن الضال".. دعونا الآن نتأمل فنتعلَّم من هذه الأمثال الثلاث:
(1) ربط السيد المسيح بين التوبة والفرح فقال:
+ في مثل الخروف الضال: "وإذا وجَدَهُ يضعه على مَنكبيهِ فرحًا، ويأتي إلى بيته ويَدعو الأصدقاء والجيران قائلاً لهم: افرحوا معي، لأني وجَدتُ خروفي الضّال!" (لو15: 5-6).
+ وفي مثل الدرهم المفقود: "وإذا وجَدَتهُ تدعو الصديقات والجارات قائلة: افرَحن معي لأني وجَدتُ الدرهم الذي أضَعتُهُ" (لو15: 9).
+ وفي مثل الابن الضال: "وقَدموا العِجلَ المُسَمَّن واذبَحوهُ فنأكُل ونفرح، لأن ابني هذا كان مَيتًا فعاش، وكان ضالاً فوُجِد. فابتدأوا يفرحون" (لو15: 23-24). "ولكن كان ينبغي أن نفرح ونُسَرَّ، لأن أخاكَ هذا كان مَيتًا فعاش، وكان ضالاً فوُجِدَ" (لو15: 32).
ووضع لنا السيد المسيح هذه القاعدة: "أقول لكم: إنه هكذا يكون فرح في السماء بخاطئٍ واحدٍ يتوب أكثر من تسعة وتسعين بارًّا لا يحتاجون إلى توبة" (لو15: 7)، "هكذا، أقول لكم: يكون فرَح قُدام ملائكة الله بخاطئ واحد يتوب" (لو15: 10).
إن الله القدوس يرغب في أن نتوب، وسوف نستعيد بهجتنا وفرحتنا عندما نفرّح قلب الله ونفرّح السماء بتوبتنا. الله لا يريدنا أن نحزن.. وإن حزّنا فيجب أن يكون حزنًا مقدسًا، وصفه مُعلمنا بولس الرسول قائلاً: "لأن الحزن الذي بحسب مشيئة الله يُنشِئ توبة لخلاصٍ بلا نَدامةٍ، وأمّا حُزن العالم فيُنشِئ موتًا" (2كو7: 10). كمثلما حزن مُعلمنا بطرس الرسول بعد خطية الإنكار "فخرج إلى خارج وبكى بُكاءً مُرًّا" (مت26: 75).
ونحن أيضًا يجب أن نفرح في توبتنا وعودتنا إلى الله كمثل طفل قد تاه، ثم وجد أباه وأمه فارتمى في حضنهما يبكي وهو فرحان بعودته السلامية إلى أمن وأمان ودفء حضن الأب.
(2) لقد عبَّر السيد المسيح عن ضياع الخروف بأن الراعي (أضاعه)، وعن الدرهم أن المرأة (أضاعته)، أما في مثل الابن الضال فقد (تاه الابن برغبته).
الراعي يمثل السيد المسيح، والمرأة تمثل الكنيسة، والابن الضال يمثل كل إنسان خاطئ. لقد حمَّل السيد المسيح نفسه مسئولية إضاعة الخروف الضال.. وحمَّل الكنيسة مسئولية إضاعة الدرهم المفقود، أما في مثل الابن الضال فكان الإنسان هو المسئول عن ضياع نفسه. وفي كل الأحوال كان باب التوبة مفتوحًا، والعودة المفرحة مطلوبة، وسعي الله والكنيسة كائن لعودة الخطاة، وكذلك دور الإنسان الخاطئ مشروح في مثل الابن الضال.
إن الله يبحث عني بين الأشواك، وفوق الجبال، وفي البراري القفرة.. والكنيسة توقد لي سراج الروح القدس، وتفتش باجتهاد عني بروح الرعاية الحانية حتى تجدني، أما أنا فمطلوب مني أن أرجع إلى نفسي وأقارن حالتي السيئة بسبب الخطية بحالتي قبل السقوط، وأقوم سريعًا وأذهب إلى أبي، وأعترف أمامه بخطأي وخطاياي، وأفرّح قلب السماء بعودة سالمة.
(3) الله هو المُبادر دائمًا:
لقد حمل الخروف الضال على منكبيه فرحًا، وهو يحملني ويحمل همي وخطاياي، ويغفر لي ويرد لي بهجة خلاصي.. لقد رأى ابنه الضال "إذ كان لم يَزل بعيدًا.. فتحنَّن وركض ووقع على عُنقه وقَبله" (لو15: 20)، ورفع عنه عناء خجل المقابلة الأولى.
الله يريدني أن أعود إليه، وسيسبقني بخطوات عندما أبدأ بخطوة، وسيردني إلى مكانتي الأولى.. "فقال الأب لعبيده: أخرِجوا الحُلَّة الأولى وألبِسوهُ، واجعلوا خاتمًا في يده، وحذاءً في رِجليه، وقدموا العِجل المُسَمن واذبَحوهُ فنأكُل ونفرح" (لو15: 22-23)، وسينسى أيام الضياع وذل الخطية وإهانة الشيطان لي.. وأيضًا سيمسح من ذهن الناس فكرتهم السيئة عني، ويرفعني على ذراعه الأبدية.. "أنا أنا هو الماحي ذُنوبَكَ لأجل نفسي، وخطاياكَ لا أذكُرُها" (إش43: 25)، "قد مَحَوتُ كغَيمٍ ذُنوبَكَ وكسحابة خطاياكَ. اِرجِع إليَّ لأني فدَيتُكَ" (إش44: 22)
(4) كان موقف الابن الضال عند عودته موقفًا جميلاً إذ قال:
"أخطأت"، وهذه الكلمة الجميلة مفتاح لحل كل مشاكلنا الروحية والاجتماعية مع الناس. كثيرون منا لا يستطيعون أن يقولوا: "أخطأت"، وذلك بسبب الكبرياء أو العناد..
+ لقد أخطأ آدم وحواء، ولم يعتذروا بكلمة "أخطأت".
+ وكذلك أخطأ قايين ولم يتفوه بهذه الكلمة الجميلة.
+ وجيحزي تلميذ أليشع النبي نال عقوبة قاسية لأنه لم يعترف بهذه الكلمة (راجع 2مل5: 25).
+ أما فرعون فقالها من فمه فقط، وليس من قلبه (خر10: 16)، فلم تدل على توبة حقيقية بل عاد بعدها إلى نفس أخطائه.
+ وكذلك شاول ملك إسرائيل (1صم15: 24) قالها بدون فائدة.
+ ويهوذا نطقها بدون رجاء فمضى وشنق نفسه (مت27: 4-5).
+ وعَخَان بن كرمي قالها بعد فوات الأوان (يش7: 20).
دعونا الآن نسبق ونأخذ نصيبنا في صفح الله وغفرانه، عندما أقف أمام أبي الكاهن وأعترف قائلاً: "أخطأت". لتكن كلمة "أخطأت" دائمًا في أفواهنا، فنكون سريعي الاعتذار لله والناس، ونفرّح قلوب الناس والملائكة والله نفسه بهذه الكلمة الجميلة.
(5) الخطية موت والتوبة حياة من موت:
"ابني هذا كان مَيتًا فعاشَ، وكان ضالاً فوُجِد" (لو15: 24).. إن الخطية هي انفصال عن الله الحي المحي الذي هو ينبوع حياتنا، وبالتالي فالخاطئ مائت حتى ولو كان منظره حيًا، كما قيل: "أن لكَ اسمًا أنكَ حَي وأنتَ ميت" (رؤ3: 1)، وعندما نعود إلى الله تدب فينا الحياة مرة أخرى، ونعود إلى طبيعتنا الأولى "لأننا به نَحيا ونَتحَرك ونوجَد" (أع17: 28)، أو كما قال معلمنا بولس الرسول: " ليَ الحياة هي المسيح" (في1: 21)، "مع المسيح صُلِبتُ، فأحيا لا أنا، بل المسيح يحيا فيَّ. فما أحياهُ الآن في الجسد، فإنما أحياهُ في الإيمان، إيمان ابن الله، الذي أحبني وأسلَمَ نفسه لأجلي" (غل2: 20).
ربي يسوع القدوس
أنت دعوتني إلى التوبة...
ولكنني ضعيف حتى عن أن أتوب
فأرجوك
"توبني فأتوب، لأنكَ أنتَ الرب إلهي"
(إر31: 18).
علمني أن أصنع توبة
"لأن الأجنة قد دنت إلى المولد ولا قوة للولادة"
(2مل19: 3)
ليس لي قوة يا سيدي أن أنهض لأتوب..
فتعال والمسني فأحيا وأخلص بك.. لك كل المجد.
__________________