قطعة من الخبز
أُذكر أن الله واقف أمامك يراك حينئذ لا تستطيع أن تخطيء وأنت تراه
كلمة منفعة لقداسة البابا شنودة الثالث
التهب قلب أحد الشبان باللَّه، فكان يُكرس وقتًا طويلاً للعبادة، كما كان يبذل الكثير من أجل خدمة الآخرين واهتمامه بخلاصهم. كان محبًا للنسك، فكان يكتفي بأكلة واحدة في اليوم. لم يكن يشعر بالجوع، ولم يشته طعامًا ما، بل كان كل فكره منشغلاً بالمجد المُعد له في السماء.
صار يتردد على أحد أديرة القديس باخوميوس بصعيد مصر، وكان يتعجب كيف يلتزم الرهبان أن يأكلوا معًا مرتين كل يوم، ففي رأيه أن أكلة واحدة تكفي الإنسان لكي يعيش ويُمارس نشاطه.
التحق بالدير والتزم أن يأكل مع الرهبان مرتين كل يوم. والعجيب أنه بعد فترة وجد نفسه يشعر بجوعٍ شديدٍ جدًا، حتى اضطر أن يأخذ قطعة خبز خفية أثناء طعامه. وكان متى ذهب إلى قلايته لا يحتمل الجوع، فيأكل قطعة الخبز. لكنه ما أن ينتهي من أكل الخبز حتى يجد دموعه تتسلل من عينيه، فكان يصرخ في أعماق قلبه، قائلاً:
"إلهي، كيف تحولت حياتي إلى الشر؟!
كنت في العالم اكتفي بأكلة واحدة في اليوم،
والآن في الدير لا أشبع حتى بأكلتين يوميًا!!
كيف أسرق الخبز؟!
كيف أخفي ما أنا فيه؟!
إني انحدر من خطية إلى خطية!
من ينقذني من هذا الانحدار سواك يا مخلص نفسي؟!
إني أتعهد أمامك أنني لن أسرق الخبز، حتى وإن مُت من الجوع".
في اليوم التالي ذهب الراهب الشاب إلى صالة الطعام وسط الأعداد الضخمة من الرهبان، ووضع في قلبه أنه لن يأخذ شيئًا من الخبز خفية مهما شعر من جوع. لكنه بعد أن أكل لم يحتمل الجوع، فأخذ للمرة الثانية الخبز… وتكرر الأمر يومًا فيومًا، وظن أنه لا يوجد حلّ لهذه المشكلة.
التقى الراهب بأب اعترافه وفي خجل شديد اعترف بكل ما فعله، وكيف كان يخجل من أن يعترف بهذا الأمر. كان يعترف بنفسٍ مُرّة للغاية. أما أب اعترافه فبابتسامة رقيقة ملأت نفس الراهب بالرجاء، قال للراهب:
"لقد عرف عدو الخير كيف يدخل إليك،
فقد أسقطك في خطية تبدو تافهة،
وإذ كنت تخجل أن تعترف بها لم تكن قادرًا على الخلاص منها.
الآن وقد قدمت توبة أمام اللَّه غافر الخطية،
وفضحت نفسك في حضرة أب اعترافك،
انهدم سلطان هذه الخطية.
إنها لا تسود عليك.
إلهك يهبك روح النصرة والغلبة،
فهو يعمل يُسبّح اللَّه واهب النصرة لأولاده المخلصين المملوءين صراحة.
جاء موعد الطعام ولم يشعر بالجوع، بل عادت حالته إلى ما كان عليه قبل رهبنته. كان يأكل القليل بشكر مع تهليل قلب، وكفَّ عما كان يفعله. عاد إليه سلام اللَّه الفائق!
+ لأعترف بخطاياي في مخدعي!
خاصة الخطايا التافهة،
التي قد لا يسقط فيها شاب صغير!
هب لي كابن اللَّه أن أكون صريحًا.
اعترف لك بخطيتي،
وأثق في غنى حبك ورحمتك يا غافر الخطايا!
+ هب لي أن اعترف أيضًا لك في حضرة أب اعترافي!
لأخجل الآن من تفاهات تصرفاتي،
فلا أنفضح في يوم الرب العظيم!
لأفضح نفسي فتستر عليَّ بنعمتك!
من كتاب أبونا تادرس يعقوب ملطى
عدل سابقا من قبل Admin في الثلاثاء 17 نوفمبر 2009 - 13:07 عدل 2 مرات