--------------------------------------------------------------------------------
إذاً، كل هذا نتعلّمه حول مريم من رواية البشارة. هي مصدر فرحنا، ومن خلالها نحن قادرون أن نفرح. هي تعلّمنا بمثالها ما معنى أن يكون عندك دعوة، وكيف تكتشف هذه الدعوة من خلال الإصغاء في صمت مبدع. ولكن قصة البشارة تخبرنا شيئاً آخر. في المقام الثالث، تشير القصة كيف أن المغبوطة مريم هي صورة للحرية والتحرر الإنساني. مريم مختارة، ولكن هي نفسها تختار. رواية القديس لوقا تتحدّث ليس فقط عن دعوة إلهية ولكن أيضاً عن استجابة بشرية، يضع أمامنا كامل حوار النعم مع الحرية. مريم كانت محدَّدة مسبقاً لتكون والدة الإله، ولكنها أيضاً كانت حرّة. الثالوث القدوس كان عنده خطة لها ولنا جميعاً، ولكنه لم يفرض تلك الخطة بالقوة. كما يقال في "الرسالة إلى ديوجينس" :"الله يحثّ، ولكنه لا يُجبِر، لأن العنف غريب عن الطبيعة الإلهية" [15].
في البشارة، الله ينتظر القبول الطوعي لتلك التي اختارها لتكون أمه. إنه يطلب سماحها. "ها أنذا أمة للرب، فليكن لي بحسب قولك" (لوقا 38:1). في رد مريم نجد الإنسانية تقول نعم لله. وهذا الرد، أي قبول دعوتها المقرّرة سلفاً، ليست خاتمة موضوعة سابقاً. كان بإمكان مريم أن ترفض. هي لم تكن مجرّد أداة مطواعة لتجسد الله ولكن مشاركاً فعالاً في السر. ما نشاهده فيها ليس الاستسلام بل الميثاق، ليس الخضوع بل المشاركة، ليس الإذعان بل تبادل العلاقة. هي صانعة قرار. كما يشدد البابا بولس السادس في (Marialis Cultus)، هي "أُخِذَت إلى حوار مع الله"، وهي "تعطي موافقتها الفاعلة والمسؤولة". علينا أن ننظر إليها ليس كـَ "إمرأة خاضعة بجبنٍ" ولكن كمن يقوم بـِ "خيار شجاع". كلمات القديس بولس "نحن مشاركون بالعمل "synergoi" مع الله" (1كور 9:3)، تنطبق عليها بشكل أساسي. هي تعبّر، بالتمام أكثر من أي إنسان آخر، عن الطبيعة الأصلية للمشاركين بالعمل، للتعاضد بين النعمة الإلهية والطبيعة البشرية. كما يعبّر عن هذا القديس إيريناوس أسقف ليون (200): "مريم تتعاون مع التدبير". ليست هي مجرّد أداة بل مثل مدير مساعد (joint operator)، وكيل أو عامل (actor). البابا الحالي بنفس الطريقة يلفت الانتباه إلى هذه السمة لوالدة الإله في منشوره البابوي مشيراً إلى "التعاون الكامل مع نعمة الله"، إنها بالتأكيد حقيقة لافتة للنظر أنه، بينما أن خلق العالم تم ببطء بعمل الإرادة الإلهية، فإن إعادة خلق العالم قد بدأ بالتحقق، بواسطة تدبير الله، بقرار فتاة ريفية شابة مخطوبة لنجار.
بينما الكاثوليك يوافقون بسهولة مع الأرثوذكس حول الأهمية الحاسمة لاختيار مريم الحر، فغالباً فإن وجهة مختلفة يتم تبنيها من الكتاب البروتستانت، خصوصاً هؤلاء الذين هم من التقليد الكالفيني. "ليس هناك إقتراح"، يقول الكالفيني المحافظ جون وينهام عن البشارة، "أنها هي تتخّذ قراراً يعتمد عليه خلاص العالم". هو يلجأ إلى جملة كارل بارث والتي هي خطأ أساسي، هرطقة يجب أن يقال لها "لا" بصرامة، وهي أنه يرى في مريم "مخلوقاً إنسانياً يتعاون كخادم في إفتدائه الذاتي على أسس النعمة السابقة".
بالنسبة لبارث، علينا فهم دورها "في شكل اللاإرادي، غير المنتج، غير المبدع، ليس إنساناً ذو سيادة، ولكن في شكل الإنسان الذي يستطيع فقط أن يتلقّى، مجرّد أن يكون جاهزاً، مجرّد أن يدع شيئاً يُعمَل له ومعه".
المسيحي الأرثوذكسي مدفوع ليعترض على هذه النقطة. بينما لا يوجد أي تساؤل أو شك حول أولوية نعمة الله في المرتبة، فنحن نؤمن أن قيمة كاملة يجب أن تعطى أيضاً للحرية البشرية. "بدوني لا يمكنكم أن تعملوا شيئاً" يقول الرب (يوحنا 5:15). لكن إرادتنا الحرة هي أيضاً لا غنى عنها. إذا كان صحيحاً أننا بدون الله لا نستطيع أن نعمل شيئاً، عندها صحيح أنه بدوننا الله لن يعمل شيئاً. بكلمات القديس مكاريوس في مواعظه "الإرادة الإنسانية هي شرط أساسي، لأنه بدونها الله لا يعمل شيئاً" [16]. أهمية قبول العذراء الطوعي ظاهر بقوة في قانون صلاة السحر في عيد البشارة، الذي يأخذ شكل حوار بين والدة الإله ورئيس الملائكة. القانون يكشف تساؤل مريم إلى أقصى حدّ: "كيف يكون هذا وأنا لا أعرف رجلاً؟" (لوقا 34:1) مريم تعبّر عن شكوكها مباشرة بصلابة، وكل ارتباكها وإحراجها يصير واضحاً. فقط بعد تردّد طويل هي توافق أخيراً أن تقبل خطة الله لها المعلنة بواسطة جبرائيل. بهذه الطريقة نستنتج بوضوح كبير أنها تتصرّف بحرّية كاملة وليست بأي شكل تحت الإكراه.[/font]
الاشتراك الفعّال لوالدة الإله في التجسد يشدَّد عليه بشكل خاص من قبل لاهوتي القرن الرابع عشر البيزنطي، القديس نيقولاس كاباسيلاس. في كلماتٍ للقديس نيقولاوس يوردها، بين أخرى، اللاهوتي الروسي فلاديمير لوسكي (1903-1958) يقول كاباسيلاس: "تجسّد الكلمة لم يكن فقط عمل الآب والابن والروح القدس - الأول بالرضا، الثاني بالتنازل والانحدار، الثالث بالتظليل - ولكنه أيضاً كان عمل إرادة وإيمان العذراء. بدون الأقانيم الإلهية الثلاثة، هذا التصميم لم يكن ممكناً أن يبدأ بالتحقيق. ولكن بنفس الطريقة لم يكن ممكناً جعله موضع التطبيق بدون قبول وإيمان العذراء الكلية الطهارة. فقط بعد تعليمها وإقناعها، الله يجعل منها أمّه ويتلقى منها الجسد التي تريد أن تهبه له بإرادة واعية. كما أنه هو كان مدفوعاً باختياره الحرّ، هكذا بنفس الطريقة هي صارت أمّه طوعياً وبموافقتها الحرة" [17].
كاباسيلاس ليس بيلاجيّاً، لأنه يقبل أولوية النعمة الإلهية: "بدون الأقانيم الثلاثة الإلهية هذا التصميم لم يكن ممكناً أن يبدأ بالتحقيق"، ولكنه على السواء يدرك المساهمة الكليّة الأهمية المفعولة من قبل حرية العذراء المخلوقة. إذا كنّا نكرّم مريم، فهذا ليس ببساطة لأنها اختيرت من الله، ولكن لأنها هي نفسها اختارت على نحو صحيح.
في عصر، الذي الكثيرين فيه مستعبدون - البعض خارجياً والبعض داخلياً - والدة الإله ترينا ما هو أن تكون حرّاً: كم هي صعبة الحرّية، كم هي مأساوية بعدة معاني، وأيضاً كم هو أساسي أن نكون أشخاصاً حقيقيين. من خلال هذه الاستعمال الصحيح للحرية الشخصية، كما في البشارة وخلال حياتها، هي تظهر لنا بهذه الطريقة ماذا يعني أن نكون بشراً بأصالة. هي نموذجنا ومثالنا، المرآة التي فيها نشاهد وجهنا الأصلي الصافي.
إذا أردنا فهم الأبعاد الكاملة للشخصية الإنسانية، ننظر قبل كل شيء إلى المسيح آدم الثاني، وبعد ذلك، بجانب المسيح، ننظر إلى مريم حواء الجديدة. كما يعبّر عن هذا G. K. Chesterton "الرجال هم رجال، ولكن الإنسان هو إمرأة". (Men are men, but Man is a woman)
ما يميّز الوجود الإنساني عن بقية الحيوانات هو بشكل رئيسي حرية الاختيار، القدرة على صنع قرارات أخلاقية بوعي وبحس المسؤولية أمام الله. هذه النوعية المميَّزة للحرية الإنسانية هي عنصر رئيسي فيما نعني بصورة الله. ولا يمكن رؤية هذه الحرية معبَّر عنها بالحقيقة في أي شخص مخلوق مثل والدة الإله. بالتعاضد مع الله بإرادة، تصير شخصاً حقيقياً بالصورة والمثال الإلهيين، الثمار الأولى للخليقة الجديدة. هي "الإنسان الأول" الذي "أولاً ووحده يظهر طبيعتنا". يوم ميلادها هو يوم ميلاد الجنس البشري، أو بالأحرى كل العالم. المديح يصف هذا بتعابير مماثلة:
إفرحي يا إنذاراً ساطعاً بمجد القيامة
إفرحي يا بدء الخليقة الجديدة والروحية
في هذا السياق، بإظهار مريم كأنها عالم صغير للخليقة الجديدة، يمكننا فهم صعودها إلى السماء. هذا الصعود يشدَّد عليه بوضوح في العبادة الأرثوذكسية، ولو لم نرد أن نراه مجدداً كعقيدة. تمجيد والدة الإله بالجسد يمكن تفسيره وإبرازه بمصطلحات أنثروبولوجية واسخاتولوجية (أُخروية). بما أن الشخص البشري هو وحدة كاملة للروح والجسد، فإننا ننظر أبعد من الموت إلى قيامة الجسد في اليوم الأخير. ونحن نؤمن أنه في حالة والدة الإله فإن هذه القيامة الأخيرة هي حالاً حقيقة منجزة. بالرغم من أن صعودها من وجهة نظر أولى هو امتياز فريد، ولكنه أيضاً توقّع لما هو أمل البشرية بالكامل. ذلك المجد نفسه الذي تتمتّع به مريم الآن، كلنا نثق برحمة الله أننا سنشاركه في نهاية المطاف. التأكيد على تمجيد العذراء بالجسد هو بيان ليس عنها فقط بل عن الشخصية الإنسانية أيضاً.
منقول
[b]
إذاً، كل هذا نتعلّمه حول مريم من رواية البشارة. هي مصدر فرحنا، ومن خلالها نحن قادرون أن نفرح. هي تعلّمنا بمثالها ما معنى أن يكون عندك دعوة، وكيف تكتشف هذه الدعوة من خلال الإصغاء في صمت مبدع. ولكن قصة البشارة تخبرنا شيئاً آخر. في المقام الثالث، تشير القصة كيف أن المغبوطة مريم هي صورة للحرية والتحرر الإنساني. مريم مختارة، ولكن هي نفسها تختار. رواية القديس لوقا تتحدّث ليس فقط عن دعوة إلهية ولكن أيضاً عن استجابة بشرية، يضع أمامنا كامل حوار النعم مع الحرية. مريم كانت محدَّدة مسبقاً لتكون والدة الإله، ولكنها أيضاً كانت حرّة. الثالوث القدوس كان عنده خطة لها ولنا جميعاً، ولكنه لم يفرض تلك الخطة بالقوة. كما يقال في "الرسالة إلى ديوجينس" :"الله يحثّ، ولكنه لا يُجبِر، لأن العنف غريب عن الطبيعة الإلهية" [15].
في البشارة، الله ينتظر القبول الطوعي لتلك التي اختارها لتكون أمه. إنه يطلب سماحها. "ها أنذا أمة للرب، فليكن لي بحسب قولك" (لوقا 38:1). في رد مريم نجد الإنسانية تقول نعم لله. وهذا الرد، أي قبول دعوتها المقرّرة سلفاً، ليست خاتمة موضوعة سابقاً. كان بإمكان مريم أن ترفض. هي لم تكن مجرّد أداة مطواعة لتجسد الله ولكن مشاركاً فعالاً في السر. ما نشاهده فيها ليس الاستسلام بل الميثاق، ليس الخضوع بل المشاركة، ليس الإذعان بل تبادل العلاقة. هي صانعة قرار. كما يشدد البابا بولس السادس في (Marialis Cultus)، هي "أُخِذَت إلى حوار مع الله"، وهي "تعطي موافقتها الفاعلة والمسؤولة". علينا أن ننظر إليها ليس كـَ "إمرأة خاضعة بجبنٍ" ولكن كمن يقوم بـِ "خيار شجاع". كلمات القديس بولس "نحن مشاركون بالعمل "synergoi" مع الله" (1كور 9:3)، تنطبق عليها بشكل أساسي. هي تعبّر، بالتمام أكثر من أي إنسان آخر، عن الطبيعة الأصلية للمشاركين بالعمل، للتعاضد بين النعمة الإلهية والطبيعة البشرية. كما يعبّر عن هذا القديس إيريناوس أسقف ليون (200): "مريم تتعاون مع التدبير". ليست هي مجرّد أداة بل مثل مدير مساعد (joint operator)، وكيل أو عامل (actor). البابا الحالي بنفس الطريقة يلفت الانتباه إلى هذه السمة لوالدة الإله في منشوره البابوي مشيراً إلى "التعاون الكامل مع نعمة الله"، إنها بالتأكيد حقيقة لافتة للنظر أنه، بينما أن خلق العالم تم ببطء بعمل الإرادة الإلهية، فإن إعادة خلق العالم قد بدأ بالتحقق، بواسطة تدبير الله، بقرار فتاة ريفية شابة مخطوبة لنجار.
بينما الكاثوليك يوافقون بسهولة مع الأرثوذكس حول الأهمية الحاسمة لاختيار مريم الحر، فغالباً فإن وجهة مختلفة يتم تبنيها من الكتاب البروتستانت، خصوصاً هؤلاء الذين هم من التقليد الكالفيني. "ليس هناك إقتراح"، يقول الكالفيني المحافظ جون وينهام عن البشارة، "أنها هي تتخّذ قراراً يعتمد عليه خلاص العالم". هو يلجأ إلى جملة كارل بارث والتي هي خطأ أساسي، هرطقة يجب أن يقال لها "لا" بصرامة، وهي أنه يرى في مريم "مخلوقاً إنسانياً يتعاون كخادم في إفتدائه الذاتي على أسس النعمة السابقة".
بالنسبة لبارث، علينا فهم دورها "في شكل اللاإرادي، غير المنتج، غير المبدع، ليس إنساناً ذو سيادة، ولكن في شكل الإنسان الذي يستطيع فقط أن يتلقّى، مجرّد أن يكون جاهزاً، مجرّد أن يدع شيئاً يُعمَل له ومعه".
المسيحي الأرثوذكسي مدفوع ليعترض على هذه النقطة. بينما لا يوجد أي تساؤل أو شك حول أولوية نعمة الله في المرتبة، فنحن نؤمن أن قيمة كاملة يجب أن تعطى أيضاً للحرية البشرية. "بدوني لا يمكنكم أن تعملوا شيئاً" يقول الرب (يوحنا 5:15). لكن إرادتنا الحرة هي أيضاً لا غنى عنها. إذا كان صحيحاً أننا بدون الله لا نستطيع أن نعمل شيئاً، عندها صحيح أنه بدوننا الله لن يعمل شيئاً. بكلمات القديس مكاريوس في مواعظه "الإرادة الإنسانية هي شرط أساسي، لأنه بدونها الله لا يعمل شيئاً" [16]. أهمية قبول العذراء الطوعي ظاهر بقوة في قانون صلاة السحر في عيد البشارة، الذي يأخذ شكل حوار بين والدة الإله ورئيس الملائكة. القانون يكشف تساؤل مريم إلى أقصى حدّ: "كيف يكون هذا وأنا لا أعرف رجلاً؟" (لوقا 34:1) مريم تعبّر عن شكوكها مباشرة بصلابة، وكل ارتباكها وإحراجها يصير واضحاً. فقط بعد تردّد طويل هي توافق أخيراً أن تقبل خطة الله لها المعلنة بواسطة جبرائيل. بهذه الطريقة نستنتج بوضوح كبير أنها تتصرّف بحرّية كاملة وليست بأي شكل تحت الإكراه.[/font]
الاشتراك الفعّال لوالدة الإله في التجسد يشدَّد عليه بشكل خاص من قبل لاهوتي القرن الرابع عشر البيزنطي، القديس نيقولاس كاباسيلاس. في كلماتٍ للقديس نيقولاوس يوردها، بين أخرى، اللاهوتي الروسي فلاديمير لوسكي (1903-1958) يقول كاباسيلاس: "تجسّد الكلمة لم يكن فقط عمل الآب والابن والروح القدس - الأول بالرضا، الثاني بالتنازل والانحدار، الثالث بالتظليل - ولكنه أيضاً كان عمل إرادة وإيمان العذراء. بدون الأقانيم الإلهية الثلاثة، هذا التصميم لم يكن ممكناً أن يبدأ بالتحقيق. ولكن بنفس الطريقة لم يكن ممكناً جعله موضع التطبيق بدون قبول وإيمان العذراء الكلية الطهارة. فقط بعد تعليمها وإقناعها، الله يجعل منها أمّه ويتلقى منها الجسد التي تريد أن تهبه له بإرادة واعية. كما أنه هو كان مدفوعاً باختياره الحرّ، هكذا بنفس الطريقة هي صارت أمّه طوعياً وبموافقتها الحرة" [17].
كاباسيلاس ليس بيلاجيّاً، لأنه يقبل أولوية النعمة الإلهية: "بدون الأقانيم الثلاثة الإلهية هذا التصميم لم يكن ممكناً أن يبدأ بالتحقيق"، ولكنه على السواء يدرك المساهمة الكليّة الأهمية المفعولة من قبل حرية العذراء المخلوقة. إذا كنّا نكرّم مريم، فهذا ليس ببساطة لأنها اختيرت من الله، ولكن لأنها هي نفسها اختارت على نحو صحيح.
في عصر، الذي الكثيرين فيه مستعبدون - البعض خارجياً والبعض داخلياً - والدة الإله ترينا ما هو أن تكون حرّاً: كم هي صعبة الحرّية، كم هي مأساوية بعدة معاني، وأيضاً كم هو أساسي أن نكون أشخاصاً حقيقيين. من خلال هذه الاستعمال الصحيح للحرية الشخصية، كما في البشارة وخلال حياتها، هي تظهر لنا بهذه الطريقة ماذا يعني أن نكون بشراً بأصالة. هي نموذجنا ومثالنا، المرآة التي فيها نشاهد وجهنا الأصلي الصافي.
إذا أردنا فهم الأبعاد الكاملة للشخصية الإنسانية، ننظر قبل كل شيء إلى المسيح آدم الثاني، وبعد ذلك، بجانب المسيح، ننظر إلى مريم حواء الجديدة. كما يعبّر عن هذا G. K. Chesterton "الرجال هم رجال، ولكن الإنسان هو إمرأة". (Men are men, but Man is a woman)
ما يميّز الوجود الإنساني عن بقية الحيوانات هو بشكل رئيسي حرية الاختيار، القدرة على صنع قرارات أخلاقية بوعي وبحس المسؤولية أمام الله. هذه النوعية المميَّزة للحرية الإنسانية هي عنصر رئيسي فيما نعني بصورة الله. ولا يمكن رؤية هذه الحرية معبَّر عنها بالحقيقة في أي شخص مخلوق مثل والدة الإله. بالتعاضد مع الله بإرادة، تصير شخصاً حقيقياً بالصورة والمثال الإلهيين، الثمار الأولى للخليقة الجديدة. هي "الإنسان الأول" الذي "أولاً ووحده يظهر طبيعتنا". يوم ميلادها هو يوم ميلاد الجنس البشري، أو بالأحرى كل العالم. المديح يصف هذا بتعابير مماثلة:
إفرحي يا إنذاراً ساطعاً بمجد القيامة
إفرحي يا بدء الخليقة الجديدة والروحية
في هذا السياق، بإظهار مريم كأنها عالم صغير للخليقة الجديدة، يمكننا فهم صعودها إلى السماء. هذا الصعود يشدَّد عليه بوضوح في العبادة الأرثوذكسية، ولو لم نرد أن نراه مجدداً كعقيدة. تمجيد والدة الإله بالجسد يمكن تفسيره وإبرازه بمصطلحات أنثروبولوجية واسخاتولوجية (أُخروية). بما أن الشخص البشري هو وحدة كاملة للروح والجسد، فإننا ننظر أبعد من الموت إلى قيامة الجسد في اليوم الأخير. ونحن نؤمن أنه في حالة والدة الإله فإن هذه القيامة الأخيرة هي حالاً حقيقة منجزة. بالرغم من أن صعودها من وجهة نظر أولى هو امتياز فريد، ولكنه أيضاً توقّع لما هو أمل البشرية بالكامل. ذلك المجد نفسه الذي تتمتّع به مريم الآن، كلنا نثق برحمة الله أننا سنشاركه في نهاية المطاف. التأكيد على تمجيد العذراء بالجسد هو بيان ليس عنها فقط بل عن الشخصية الإنسانية أيضاً.
منقول
[b]