وجاء اليوم السابع من يناير 1988 وكان يوم عطلة لجميع مسيحيي المدرسة. وعدت من المدرسة حزينة، خائفة، وكان الجو شديد البرودة وكنت أنام في غرفة ابنتاي، ونام الجميع إلا أنا. كنت قلقة!! . . لابد أن أكون صادقة مع نفسي!! لماذا أنا خائفة؟ أليس الله أحق أن أخاف منه . .! وكيف أقول أني أحب الله أكثر من نفسي وأنا لا أريد الحقيقة . .! ألا يستطيع الله أن يحميني وأن يدافع عني؟ وتوجهت إلى الله بكل صدق، وصرخت إليه وكأنه جالس أمامي: يا رب أنت تعلم كم أحبك، وأخاف منك، وكم أرجو لقياك بغير ذنوب . . أرجوك يا رب عرفني الحقيقة! كيف اصل إليك؟ ثم أعود أقول ما ذنبي يا ربي . . أنا ولدت في عائلة مسلمة، هل ستحاسبني . . أشعر بخوف شديد . . لا يا ربي أرجوك . . أنت وهبتني نعمة عظيمة منذ صغري، كلما سألتك أجبتني في رؤيا، أرجوك لا تحرمني من هذه الهبة العظيمة، أرجوك يا رب إذا كانت المسيحية هي الطريق إليك يكفيني أن أرى صليباً، أما إذا كان الإسلام هو الطريق أرني أية علامة وأعدك يا ربي أني سوف أنفذ كل ما تطلب مني، لا يهمني أحد غيرك . . لن أخاف من أحد . . ليفعلوا بي ما يفعلوا، المهم في النهاية هو أنت . . لا يهمني مركزي، المهم هو مركزي عندك . . لا يهم أولادي . . أنت أولاً . . أنت ترعاهم . . وإن قتلوني فإنهم يقصرون الطريق إليك . . لم أكن في حياتي كلها صادقة مثل ما كنت في تلك الليلة . . ولم أشعر أيضاً أني قريبة من الله مثل ما شعرت تلك الليلة، إني أشعر وكأني جالسة أمام الله أكلمه . . وكنت تارة أبكي . . وتارة أتذلل إليه . . وتارة أعاتبه بشدة. وظللت على هذه الحال حتى الثالثة صباحاً. شعرت إني متعبة ومرهقة ودارت رأسي فوضعت المنبه إلى جواري لاستيقظ في السادسة صباحاً
،ومددت جسمي المنهك على السرير، وأغمضت عيني وشعرت بدوخة ولكني لم أنم!! وفجأة وجدتني أرتدي فستاناً لونه رمادي مغشى بالفضة، طويل إلى الأرض، وأكمامه طويلة، وفي وسطي حزام عريض بنفس اللون، وعلى رأسي طرحة بنفس اللون، وأنا سعيدة جداً بهذا الفستان، وأسأل نفسي من أين لي هذا الفستان الجميل، إني لم أره من قبل، لم أر مثله في حياتي، يا للعجب! ونظرت لأسفل وإذ بي حافية القدمين . .! كيف أكون بهذه الأناقة وحافية القدمين . . ولكني لم أبال . . قلت أن الفستان طويل للأرض وهو يغطي قدمي ووقعت عيني على الأرض وكانت مفاجأة . . ما هذا اللون الجميل . . أنه أخضر حقيقي . . لم أر مثل هذا اللون العجيب من قبل، وما هذا الملمس الناعم، وظللت أحرك قدمي على الأرض لعلي أعرف ما هذا الملمس! نجيله ناعمة . . أم سجاد . . لا إنها حرير . . ورفعت رأسي لأرى ما يعجز اللسان عن وصفه، أنه يشبه القصور التي في الخيال . . لا إنه أعظم من الخيال . . إنه ما لا يصل إليه خيال . . إنه مكان واسع به أعمدة عالية لا تستطيع العين أن تصل إلى نهايتها . . ومبطنة بحرير لامع يضوي بأضواء عجيبة . . ورائحة البخور . . إني أعرف تلك الرائحة، إنها مثل الرائحة التي ظهرت مع سامية ولكن أزكى منها . . وإذ بنسمة هواء باردة منعشة تسري في جسدي وتشعرني براحة عجيبة، وكأن طيور ترفرف فوق رأسي ولكني لا أراها بل أشعر بها فقط . . هدوء وسعادة وراحة تسري بجسدي مع تلك النسمة . . رحت أتمشى وأتفقد المكان، وإذ بي أمام كرسي عال وعظيم، لا يجلس عليه أحد، ومن خلفه شبه قبة الكنيسة . . رحت أتمشى وأتمشى وأتمتع بكل ما في المكان، حتى رأيت رجالاً كبار السن واقفين على هيئة قوس، كأنهم في شرف استقبال . . وكانوا يرتدون ملابساً بيضاء ناصعة البياض وعلى رؤوسهم غطاء أبيض به أشياء تضوي، ولحيتهم البيضاء الناصعة تتدلى، . . وكانوا يهمسون وهم يقولون شيئاً، حاولت أن اقترب منهم لعلي أفهم ما يقولون . . لكني لم أفهم . . فتركتهم ورحت أتمتع بما أرى . . أن عيني تعجز عن احتواء المكان أو حتى الوصول إلى نهايته .
فجأة دخل شخص، لا أعرف من أين دخل أو كيف دخل . . ووجدت هؤلاء الرجال يسجدون له وسار في اتجاه الكرسي العظيم العالي . . لم يسر بخطوات على الأرض . . لا إنه سار وكأنه محمول على السحاب أو كطيف، حتى وصل إلى الكرسي وجلس عليه . . ويا للعجب أني أسير خلفه . . دون أن أفكر ودون إرادتي . . إني أتبعه . . سجدت عند قدميه يغمرني شعور عجيب . . إنه مزيج من الفرح والخوف . . سعادة . . هدوء . . سلام عجيب، مع رعدة شديدة تسري في جسدي، وكأنها تيار كهرباء . . لا أستطيع السيطرة على جسدي . . إنه يرتعد بشدة . . سألت نفسي، ما هذا الشعور العجيب؟ ومن هذا الذي أسجد له أنا وكل هؤلاء الرجال؟ لابد أن أرفع رأسي وأنظر إليه . . لأرى من هو؟ وجاهدت حتى استجمعت قواي ونظرت إليه . . يا إلهي ما هذا الذي أراه؟ إن لساني يعجز عن وصفه!! لن أجد الكلمات المناسبة لوصفه . . ما هذا الوجه المضيء؟ وما هذه البشرة البلورية؟ ما هذا الجمال؟ إنه يبدو متعباً . . مرهقاً . . حزيناً . . يرتدي ثوباً لونه فاتح، وعلى كتفه الأيسر شال قرمزي داكن اللون، وبدى شعره الأصفر المنسدل حتى كتفيه كقطعة من القطيفة!!
وما كل هذا الحزن؟ إنه مغمض العينين ويضع كلتا يديه على ركبتيه ورأسه مطأطئ إلى أسفل، إن العين لا تمل النظر إليه . . إنه يبدو وكأنه كان يتفقد شيئاً ما، وهو غير راض . . بل بالعكس . . إنه حزين . . ورجعت أسأل نفسي مرة أخرى . . من يكون هذا العظيم؟ أهو ملك؟ لا لم أر ملكاً بهذا الجمال . .! ومن يستطيع أن يغضب هذا العظيم؟ ورحت أحدق في وجهه الجميل المضيء المريح . . وإلى رقبته . . إنها كعامود بلور نقي . . وإلى بشرته الناصعة البياض . . وإلى وجهه المضيء كلما نظرت إليه كلما ازددت تعلقاً به، وازددت شوقاً إلى معرفته أكثر وأكثر ومعرفة من هو؟ وفجأة فتح عينيه ونظر إلي . . لم أحتمل نظرة عينيه فسقطت على وجهي . . يا إلهي!! من أرى!! ما هذه العينين؟ إني أشعر أني سوف أموت أو يغشى علي مما رأيت . . إن عينيه واسعتين يخرج منهما شعاع قوي كأشعة الشمس وحدقتا عينيه كبيرتان وكأن الكرة الأرضية كلها في حدقتي عينيه ولونهما عجيب أزرق صافي، كالسماء الصافية أو المياه النقية، يميل إلى الخضار . . وما هذه الأشعة التي وقعت علي من عينيه، إنها تسري في جسدي مثل الكهرباء . . لم احتمل النظر إليه للحظة . . كلي شوق إليه . . لقد أحببته. أريد أن أنظر إليه . . وجمعت قوتي . . لابد أن أنظر إليه مرة أخرى . . نعم ورفعت رأسي ونظرت إليه . . يا للعجب أنه ينظر إلي . . أنه يقترب بوجهه مني . . لكن ما هذه النظرة . . كله حب وحنان ورقة . . قال وهو يستعطفني بصوت هادئ "خلاص يا ناهد" سقطت على وجهي . . لم أستطيع أن أتحمل كل هذا الحب وكل هذا الحنان وكل هذه الرقة!! لا لن أجد الكلمات المناسبة لوصف ما أرى . . ولكن من أنا حتى يستعطفني هذا العظيم بهذه الطريقة، إنه أشد حناناً من الأم الرؤوم على ابنها القاسي . . وهذا العظيم يعرف اسمي؟! ويناديني باسمي . . إنه يعرفني جيداً ولكن ماذا يقصد بكلمة خلاص أنا لا أفهم قصده؟ هل أسأله؟ لا هذا لا يسأل أنه يطاع فقط، دار هذا الحديث بسرعة بيني وبين نفسي ولكن علي الآن أن أجيبه بسرعة، فقلت وأنا لا أستطيع السيطرة على نفسي "أيوه خلاص . . خلاص" كلي شوق إليه، علي أن أجمع قوتي وأنظر إليه مرة ثانية، وبالفعل رفعت رأسي لأنظر إليه، أنه يقترب مني أكثر وينظر إلي . . بنفس الحب والحنان والرقة يستعطفني مرة ثانية ويقول "متأكدة يا ناهد" إن الأشعة الخارجة من عينيه تسري في جسدي وكأنه يرى أعماقي . . وللمرة الثانية أسقط بين قدميه، لم أرى في حياتي كلها مثل هذا الحب والحنان والطيبة، ولكن كل هذا لي أنا!! من أنا حتى يعطيني كل هذا؟ وأيضاً سألت نفسي . . متأكدة من ماذا؟ أنا لا أفهم ما يقصد ولكن علي أن أطيعه، لا أجرؤ أن أسأله أجبته دون أن أرفع رأسي "أيوه متأكدة . . متأكدة" أحبه لأني أشعر بحب لا مثيل له . . وللمرة الثالثة أستجمع قواي و أرفع رأسي لأنظر إليه، ورغم الخوف الذي يتملكني . . وجسدي الذي يرتعد بشدة ولا أستطيع السيطرة عليه، لكن هناك راحة وسلام وسعادة تغمرني. نظرت إليه، يا للعجب أنه يقترب مني أكثر وأكثر . . نفس النظرة ونفس الصوت الهادي ويقول "يعني أطمئن يا ناهد" يا إلهي هذا العظيم يريد أن يطمئن مني أنا؟ ولكن على أي شيء يريد أن يطمئن؟ لابد أن أطيعه وبنفس الطريقة جاوبته وأنا لا أفهم ما يقصد "أيوه أطمئن . . أطمئن" ثم أضاف "انظري ليّ " قلت له "موش قادرة" قال بكل تأكيد " لا تخافي . . انظري لي" وعندما سمعت كلمة لا تخافي زال مني الخوف في الحال . . رفعت رأسي ومكثت أحدق في وجهه الجميل الذي يعجز اللسان عن وصفه . . لاحظت أن الأشعة القوية الخارجة من عينيه أصبحت محتملة وكأن عيناه تضيئان بأنوار. ما هذا يا إلهي؟ حب . . حنان . . رقة . . طيبة . . نقاء . . براءة، لن أجد الكلمات المناسبة لأعبر بها عما أرى.
ومرت لحظات . . لا أمل من النظر إليه . . وكلما نظرت إليه ازددت شوقاً إليه، ثم قال في هدوء: "ماذا ترين" وشعرت أنه يريد أن يختبرني! فسكت لحظة أفكر ثم قلت له "أرى منظر طفل،" وفي الحال زالت علامات الحزن، لكنه لم يبتسم ثم رأيت الدموع تنهمر من عينيه وكأنها سيل. لا ليس سيل فقط إنما نهر يجري على خديه إلى ملابسه . . وبكيت بشدة معه، وظل جسدي يرتعش بقوة لدرجة كبيرة، مع أني في قرارة نفسي أشعر أني سعيدة وأن إجابتي صحيحة وأنه راض عني . . ومرت لحظات . . أفقت على جسدي يرتطم بالسرير . . فتحت عيني . . أين أنا؟ وأين هو؟ أين ما كنت أرتدي؟ ومرت فترة وكأني فاقدة الذاكرة . . أرفض الواقع . . أريد أن أعود إلى ما كنت فيه . . أشعر بمرارة . . أريد أن أعود إليه ساعدني يا ربي أن أحتمل غربتي على الأرض بعيدة عنك دون أن أراك، أحبك من كل كياني، أحبك من أعماق قلبي أشعرتني أنك تحبني حباً لم أر مثله في حياتي. إن الأشعة الخارجة من عينيه صهرت جسدي وأبدلته بآخر . . وكان في كل مرة يكلمني يهز رأسه في استعطاف، وعيناه المضيئتان ترسمان دوائر من نور . . إنها أمامي لا زلت أراها . . وأيضاً صوته الهادئ الحنون في أذني لا أستطيع أن احتمل!! إنه فوق كل عقل وخيال أو تصور، إنه مزيج عجيب رغم كل الرقة والحنان والحب والطيبة، بدى في منتهى القوة، إنه عجيب!! لا أستطيع وصفه، وبعد أن هدأت قليلاً أيقظت ابنتي، إنها نائمة إلى جواري ومن قوة الرؤيا ظننت أنها رأت معي ما رأيت، وسألتها في لهفة "هل رأيت من كان يكلمني؟"
ولاحظت علامات الدهشة على وجهها . . وقالت في هدوء "اهدي يا ماما . . من كان يكلمك؟" . . وصفته لها فقالت "هذا وصف ملاك، لابد أنه ملاك" ولم تقنعني أجابتها . . لا . . إني أعرفه جيداً، أعرف من هو، وأعرف ما يقصد بهذه الكلمات، وتركتها وخرجت من الحجرة وذهبت نحو غرفة ابني . . رويت له كل ما حدث وسألته نفس السؤال وبدت عليه نفس علامات الدهشة، إنه لم يرني من قبل بهذه الحالة وقال في هدوء "اهدي يا ماما لابد أنه ملاك، إنه وصف ملاك" ولكن لا . . أنا أعرف من هو . . ولكني لم أستطيع أن اصدق نفسي، وبعد فترة استيقظ زوجي من نومه على صوتي، وسألته هو أيضاً فرد قائلاً "ربما يوسف أن له نفس الأوصاف" ولكن . . لا ليس يوسف الصديق . . اعرف من هو ولكن من عظم المفاجأة أريد أن يؤكد لي أحد. ارتديت ملابسي بسرعة ونزلت اجري إلى المدرسة، إني أكاد أن أطير، لا أشعر بخطواتي على الأرض، يملكني شعور غريب كأني من عالم آخر، أنا غريبة في هذا العالم، إن ما رأيت وسمعت أعظم من أن يتحمله بشر.
دخلت حجرة سامية وسألتها بلهفة: من له هذه الأوصاف؟ وبدأت أصف لها وأشرح لها كل ما حدث وأنا لا أستطيع أن أتمالك نفسي من شد البكاء، ولا أستطيع السيطرة على جسدي . . إني أرتعد بقوة، فمنذ بدأت أروي لها ما حدث وكأني أعيشه مرة ثانية، إني أرى عينيه تضيئان بأنوار أمامي، وأسمع صوته الحنون الهادئ في أذني. وبعد أن انتهيت بدت على سامية علامات الدهشة والذهول وقالت "سوف أعرض عليك مجموعة من الصور وعليك أن تتعرفي على صورته،" فتحت حقيبة يدها وأخرجت مجموعة كبيرة من الصور وأعطتها لي، نظرت إلى الصور واحدة بعد الأخرى وبسرعة التقطت صورة الحبيب من بين الصور وقلت لها "هذه الصورة له، ولكنه أبدع بكثير منها" ولم انتظر إجابة سامية فمن نظرتها لي عرفت أنه هو . . لم تستطع هي أن تجيبني من هو وقالت "سوف أسأل أبونا أولاً وبعد ذلك أجاوبك."
تركتها وتوجهت إلى مكتبي وتذكرت الأستاذ مفيد، إنه مدرس علوم بالمدرسة لابد أنه جالس في مكتبي وينتظرني كعادته، منذ عامين ويلازمني كظلي رغم كل ما بدى مني ضد مسيحيي المدرسة، أجده يتفانى في خدمتي ومساعدتي، لقد تحمل مني الكثير. تطاولي عليه، تصرفاتي السيئة، خروجي عن حدود الأدب مع كل المسيحيين، بل بالعكس كان يرد على أسائلتي بكل إحسان، لم استطع يوماً أن أفقده سلامه أو هدوءه.
دخلت مكتبي وإذ به جالس بجوار مكتبي يقرأ في الجريدة اليومية كعادته وحينما نظر إلى أسرع قائلاً "ما بك." جلست إلى مكتبي وأنا أشعر أني أكاد أن أسقط على الأرض . . قلت له "مفيد لقد رأيت رؤية عجيبة أريد أن أخبرك بها" قال في لهفة "قولي كل شيء بالتفصيل" وبدأت أروي له كل ما رأيت وبالتفصيل وكنت لا أستطيع السيطرة على نفسي من شدة البكاء، وبدأت علامات الذهول على وجه مفيد. وبعد أن انتهيت قال "أرجوك سامحيني أعيدي مرة أخرى ما قلتيه" وكررت مرة ثانية، وإذ به يريدني أن اكرر للمرة الثالثة، كررت له، وشعرت أن مفيد يرى ما رأيت وأنا أروي له، رفع رأسه لأعلى وقال "أشكرك يا رب" وأضاف في هدوء قائلاً "أتريدين فعلاً أن تعرفي من هو؟" قلت له بكل ثقة "نعم، طبعاً" قال بهدوء "إنه المسيح." رغم إني أعرف أنه هو، ورغم أني متأكدة أنه هو . . فوجئت بهذا النبأ. وانهرت تماماً وأخذت أبكي بشدة وأرتعد، حاول مفيد تهدئتي ولكن دون جدوى، خرج من حجرتي وأغلق خلفه الباب وتركني وحدي. لا أعرف كم مضى من الوقت وأنا في هذه الحالة، لكني كنت أشعر به من حين لآخر يفتح الباب وينظر كيف حالي، حتى هدأت . . دخل حجرتي مرة أخرى وجلس بجواري، التفت إليه وقلت "من أنا حتى أرى المسيح؟ ومن أنا حتى يكلمني بهذه الطريقة؟ إنه يستعطفني بكل حب وحنان ورقة؟ وماذا يعني بخلاص يا ناهد . . متأكدة يا ناهد . . أطمئن يا ناهد؟ أكاد أن أفقد عقلي! كل هذا الحب لي أنا؟ كل هذا الحنان لا أستطيع أن أصدق نفسي أنا لم أكن نائمة أنا كنت مستيقظة، أنا لم أكن في منزلي أو سريري . . لا . . لقد كنت في مكان آخر. لساني يعجز عن وصف ما رأيت . . لا توجد الكلمات المناسبة" . . رد علي قائلاً "نعم نحن لا نستحق شيئاً ولكنه لا يعطينا حسب استحقاقنا إنه يعطي من غنى مجده." قلت له "إني أخجل من نفسي . . يا لذنوبي! أريد أن أنسحق في التراب ندماً على ما فات من عمري دون أن أعرفه، إن ذنوبي كجبل على أكتافي ، ورغم كل هذه الذنوب يقابلني بهذا الحب؟" أجابني بكل هدوء "إنه يحب الخطاة، وعندما يتوبوا، هو يقول أنسى كل خطاياكم ولا أعود أذكرها . . إنه السيد المسيح إلهنا الطيب" قلت له "ماذا يجب علي أن أفعل الآن" قاطعني قائلاً "لا شيء، اصبري وهو سوف يكمل عمله معك ويرشدك ولكن اهدئي وحاولي أن تكوني طبيعية" وتركني وانصرف.
--------------------------------------------------------------------------------
توقيع مونيكا 57 :[b]