مـنـتـديـات الـمـحـبـه الـمـقـدسـه

دستور يسوع الملك Wellcome
عزيزى الزائر / عزيزتى الزائرة :- يرجى التكرم بتسجيل الدخول اذا كنت عضو معنا او التسجيل ان لم تكن عضو
وترغب فى الانضمام الى أسرة المنتدى
ونتشرف بتسجيلك معنا

مع تحيات ادارة منتديات المحبه المقدسه




انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

مـنـتـديـات الـمـحـبـه الـمـقـدسـه

دستور يسوع الملك Wellcome
عزيزى الزائر / عزيزتى الزائرة :- يرجى التكرم بتسجيل الدخول اذا كنت عضو معنا او التسجيل ان لم تكن عضو
وترغب فى الانضمام الى أسرة المنتدى
ونتشرف بتسجيلك معنا

مع تحيات ادارة منتديات المحبه المقدسه


مـنـتـديـات الـمـحـبـه الـمـقـدسـه

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


    دستور يسوع الملك

    فرايم حبيب
    فرايم حبيب
    مشرف عام المنتديات
    مشرف عام المنتديات


    عدد المساهمات : 549
    عدد النقاط : 12323
    تاريخ التسجيل : 14/03/2010
    العمر : 74

    دستور يسوع الملك Empty دستور يسوع الملك

    مُساهمة من طرف فرايم حبيب الخميس 27 مايو 2010 - 20:19

    بدأ المسيّا الملك دستوره بالجانب الإيجابي، فلم يتحدّث عن الممنوعات بل جذبهم إلى "الحياة الفاضلة"، كاشفًا لهم عن مكافأتها، ليحثّهم عليها. يقول القدّيس أغسطينوس: [مادمنا نحب المكافأة، يلزمنا ألا نهمل الجهاد لبلوغها. لنلتهب شوقًا نحو العمل للحصول عليها.]
    أ. طوبى للمساكين بالروح
    ما هي "المسكنة بالروح" إلا حياة التواضع، خلالها يدرك الإنسان أنه بدون الله يكون كلا شيء، فينفتح قلبه بانسحاق لينعم ببركاته. فإن كانت خطيّة آدم الأولى هي استغناءه عن إرادة الله بتحقيق إرادته الذاتيّة، لذلك جاء كلمة الله الغني بحق مفتقرًا من أجلنا، ليس بالإخلاء عن أمجاده فحسب، وإنما بإخلائه أيضًا عن إرادته التي هي واحدة مع إرادة أبيه. كنائبٍ عنّا افتقر ليتقبّل غنى إرادة أبيه الصالح، قائلاً: "لتكن لا إرادتي بل إرادتك".
    إن كان الكبرياء هو أساس كل سقطة فينا، فإن التواضع أو مسكنة الروح هو مدخلنا للملكوت: "طوبى للمساكين بالروح لأن لهم ملكوت السماوات" [3].
    v كما أن الكبرياء هو ينبوع كل الشرور هكذا التواضع هو أساس كل ضبط للنفس.
    القدّيس يوحنا الذهبي الفم
    v بالحق ليس للتطويبات أن تبدأ بغير هذه البداية، مادامت موضوعة لأجل بلوغ الحكمة العالية "رأس الحكمة مخافة الرب" (مز 111: 10)، ومن الناحية الأخرى "الكبرياء أول الخطايا" (حكمة يشوع 10: 15). إذن ليبحث المتكبّر عن الممالك الأرضيّة ويحبّها، ولكن "طوبى للمساكين بالروح لأن لهم ملكوت السماوات".
    القدّيس أغسطينوس
    v حقًا أي فقر أشد وأقدس من أن يعرف إنسان عن نفسه أنه بلا قوّة ليدافع بها عن نفسه، طالبًا العون اليومي من جود غيره، وهكذا يعلّم أن كل لحظة من لحظات حياته تعتمد على العناية الإلهيّة... فيصرخ إلى الرب يوميًا : "أما أنا فمسكين وبائس، الرب يهتم بي" (مز 40: 17).
    الأب إسحق
    v لقد وضع هذا (التواضع) كأساس يقوم عليه البناء في أمان، فإن نُزع هذا عنّا حتى وإن بلغ الإنسان السماوات ينهار تمامًا، ويبلغ إلى نهاية خطيرة، بالرغم من ممارسته الأصوام والصلوات والعطاء والعفّة وكل عمل صالح. بدون التواضع ينهار كل ما تجمعه داخلك ويهلك.
    القدّيس يوحنا الذهبي الفم
    v المسكين بالروح وديع، يخاف كلمة الله، ويعترف بخطاياه، ولا يغتر باستحقاقاته وببرّه.
    المسكين بالروح هو من يسبّح الله حين يأتي عملاً صالحًا، ويشكو نفسه حين يأتي سوءًا.
    المسكين بالروح هو من لا يرجو سوى الله، لأن الرجاء فيه وحده لا يخيب.
    المسكين بالروح يتخلّى عن كل ماله ويتبع المسيح... وإذ يتحرّر من كل حمل أرضي يطير إليه كما على أجنحة.
    القدّيس أغسطينوس
    ب. طوبى للحزانى
    الإنسان المتواضع ينطلق بالروح القدس إلى "الحزن الروحي"، حيث يدرك خطاياه ويشعر بثقلها مقدّمًا التوبة الصادقة. إنه يتلمّس أيضًا الضعف البشري فيحزن من كل نفس ساقطة.
    وإن كان السيّد بلا خطيّة، لكنّه انطلق بنا أيضًا إلى هذا الباب "الحزن الروحي"، فكان في لقائه مع الأشرار، "حزينًا على غلاظة قلوبهم" (مر 3: 5). وعند دخوله أورشليم بكى من أجل قسوة قلوبهم. وهكذا وُجد السيّد باكيًا، لكنّه لم يوجد قط ضاحكًا! حقًا لقد كان بشوشًا يسكب سلامه على الآخرين، لا يعرف العبوسة، لكنّه لم يُوجد قط ضاحكًا.
    حمل القدّيس بولس روح سيّده، فقضى سنوات خدمته يبكي بدموع من أجل خلاص كل إنسان، فيقول: "إن لي حزنًا عظيمًا ووجعًا في قلبي... لأجل إخوتي أنسبائي حسب الجسد" (رو 9: 2-3). كما يقول: "لأني من حزن كثير وكآبة قلب كتبت إليكم بدموع كثيرة" (2 كو 2: 4).
    v الحزن هو التأسّف بسبب فقدان أشياء محبوبة، غير أن الذين يهتدون إلى الله يفقدون تلك الأشياء التي اعتادوا اقتنائها في هذا العالم كأشياء ثمينة، لأنهم لا يفرحون فيما بعد بما كانوا يبتهجون به قبلاً. فإذا وُجدت فيهم محبّة الأشياء الأبديّة. فإنهم يكونون مجروحين بقدرٍ ضئيل من الحزن. لهذا يتعزّون بالروح القدس الذي دعي بسبب ذلك "الباركليت" أي المعزّي، حتى يتمتّعوا إلى التمام بما هو أبدي بفقدانهم المتع الوقتيّة.
    القدّيس أغسطينوس
    v لا يُشير هنا ببساطة إلى كل الذين يحزنون بل الذين يحزنون على الخطايا، حيث أن النوع الآخر من الحزن هو ممنوع بالتأكيد، هؤلاء الذين يحزنون لأجل أمر يخصّ هذه الحياة (الزمنيّة). هذا ما أعلنه بولس بوضوح بقوله: "حزن العالم ينشئ موتًا، وأما الحزن الذي بحسب مشيئة الله فينشئ توبة لخلاص بلا ندامة" (راجع 2 كو 7: 10)... إنه يأمرنا أن نحزن ليس فقط على أنفسنا، وإنما أيضًا من أجل شرور الآخرين. هذه النزعة اتّسمت بها نفوس القدّيسين مثل موسى وبولس وداود. نعم هؤلاء جميعًا كانوا يحزنون مرّات كثيرة عن خطايا لا تخصّهم... حينما يهب الله تعزية فإنه وإن حلّت بك أحزان بالآلاف تصير كطبقات ثلجيّة تقف فوقها (تهبك برودة). حقًا إن ما يقدّمه الله أعظم بكثير جدًا ممّا نتحمّله من أتعاب!
    القدّيس يوحنا الذهبي الفم
    v سفر طويل بدون دموع لا يكشف عن الرغبة في رؤية الوطن. إن كنت ترغب فيما لست فيه فأسكب دموعك. وإني أسألك أن تقول لله: لقد وضعت دموعي أمام وجهك (مز55: 9). وأن تقول له: أصبح دمعي خبزي ليلاً ونهارًا! أصبح دمعي خبزًا لي: تعزّيت به حين انتحبت، واغتذيت منه حين جُعتُ. وأي بار خلا من هذه الدموع؟ إن من لم تكن له هذه الدموع لا يكتئب على غربته.
    v أطفئ لهيب الخطيئة بدموعك، وابْكِ أمام الرب! اِبكِ مطمئنًا أمام الله الذي صنعك، والذي لا يحتقر ما صنعته يداه.
    v إن من يبكي ههنا يلقى تعزيته حيث يخشى أن يبكي من جديد!
    v لتكن الدموع نصيبي الآن حتى تتعرّى نفسي من أوهامها ويلبس جسمي الصحّة الحقّة التي هي الخلود. ولا يقل لي أحد: أنت سعيد؛ لأن من يقول لي أنت سعيد يريد أن يغويني!
    القدّيس أغسطينوس
    v كما أنه إذا سقط المطر على الأرض أنبتت وأنتجت الثمار، وفي ذلك راحة وفرح للناس، كذلك الدموع إذا ما وقعت على قلب أثمرت ثمارًا روحيّة وراحة للنفس والجسد معًا.
    القدّيس مقاريوس الكبير
    v الإنسان المتسربل بثوب الأنين المقدّس الذي أنعم به الله عليه، يكون كمن ارتدى ملابس العُرس ويعرف فرح النفس الروحي.
    v لا يستطيع أحد أن يعارض في أن الدموع التي تُسكب من أجل الله مفيدة ومُجْدية، سوف ندرك فائدتها وقت رحيلنا من هذا العالم.
    v الشخص الذي يطوي طريقه في حزن وأنين مستمر من أجل حب الله، هذا لا ينقطع عن السعادة والفرح كل يوم.
    القدّيس يوحنا الدرجي
    ج. طوبى للودعاء
    الحزن الدائم على خطايانا وخطايا الآخرين يصقل النفس فيجعلها وديعة، لا يقدر أمر ما - مهما بلغت خطورته - أن يفقدها سلامها الداخلي، فالوداعة في حقيقتها ليست استكانة، لكنها قوّة الروح الداخلي الذي يدرك أسرار الخلاص الأبدي فلا تربكه الأمور الزمنيّة. يتفهّم رسالته الحقيقية، فلا يتأثّر بالتفاهات الباطلة. إنه كالأسد الذي لا يهتز أمام من يظن أنه يستفزّه، وليس كالعصفور الذي يتأثّر جدًا لأية حركة تصدر عن طفل صغير، هكذا النفس الوديعة إذ تدرك إمكانيّات الله فيها، وتتفهّم قوّة الروح، تحيا بوداعة داخليّة تنعكس على التصرّفات الخارجيّة.
    الكلمة اليونانيّة هنا المترجمة "ودعاء" إنّما تستخدم لوصف الحيوانات المستأنسة، وكأن السيّد يطوّب طبيعتنا التي كانت قبلاً شرسة، وقد خضعت لله مروّضها، فتحوّلت إلى كائن أليف بعدما كانت عنيفة مع الآخرين بل ومع نفسها صارت وديعة وخاضعة، قد رُوِّضت غرائزها ودوافعها. أمّا المكافأة فهي أن ترث الأرض التي هي "الجسد الترابي"، فبعدما كان شرسًا ومقاومًا للروح صار خادمًا لها ملتهبًا بنار الروح القدس.
    ولئلا تُفهم الوداعة كحياة خنوع أو ضعف قدّم السيّد نفسه مثالاً للوداعة، بقوله: "تعلّموا منّي لأني وديع ومتواضع القلب"، ليس لأنه كان محتاجًا إلى ترويض، بل بوداعته الطبيعيّة غير المكتسبة يُروِّضنا. يهبنا حياته فينا فتحمل وداعته داخلنا.
    إذ يحسب العالم أن الشخص الوديع يفقد الكثير بسبب خبث الأشرار ومكائدهم، لهذا أكّد السيّد أن المكافأة هي "ميراث الأرض". وكما يقول القدّيس يوحنا الذهبي الفم: [أن الأرض هنا تُفهم بالمعنى الحرفي، بينما يظن أن الوديع يفقد ماله، يعد المسيح عكس ذلك، إنه لا يحثّنا بالبركات العتيدة فحسب بل وبالبركات الحاضرة أيضًا... لكن ما يقوله لا يعني أنه يحدّد المكافأة في الأمور الحاضرة، وإنما يربطها بالعطايا الأخرى أيضًا. ففي حديثه عن الأمور الروحيّة لا يستبعد الأمور الخاصة بالحياة الزمنيّة، ولا أيضًا بوعده بالأمور الخاصة بالحياة الحاضرة يُحد الوعد عند هذا.]
    ويرى القدّيس أغسطينوس: [أن الأرض هنا إنّما تعني أرض الأحياء الواردة في سفر المزامير (142: 5)، حيث تستقرّ فيها النفس بالتدبير، وذلك كما يستريح الجسد على الأرض ويتقوّت بطعامها.]
    ويمكننا تفسير "الأرض" هنا رمزيًا بكونها الأشرار الذين يرتبطون بالأرضيّات، فإنّنا إذ صرنا بالمسيح يسوع ربّنا سماءً نستطيع بوداعة المسيح السماوي أن نربح هذه الأرض ونرثها لكي تصير هي أيضًا سماءً، إذ يتقبّل الأشرار الحياة السماويّة فيهم.
    وتُشير الأرض إلى الجسد، فإنه خلال الوداعة الداخليّة والمنعكسة على تصرفاتنا مع الآخرين ليس فقط يخضع لنا الآخرون روحيًا ويتحوّلون إلى سماء بالروح القدس العامل فيهم، وإنما يخضع حتى جسدنا لنا فلا يكون مقاومًا للروح.
    ويحذّرنا القدّيس أغسطينوس من أن يصير ميراثنا للأرض بالمفهوم الحرفي هو هدفنا، إذ يقول: [إنكم ترغبون في امتلاك الأرض، ولكن احذروا من أن تمتلككم هي. إنكم ستمتلكونها إن صرتم ودعاء، وستمتلككم إن لم تكونوا هكذا. عند سماعكم هذه الجعالة، أي امتلاك الأرض، لا تبيحوا لأنفسكم الطمع الخفي.]
    v تريد الآن أن ترث الأرض، حذار من أن ترثك الأرض.
    إن كنت وديعًا ورثتها، أو قاسيًا ورثَتكََ...
    سوف ترث الأرض حقًا متّى استمسكت بصانع السماء والأرض!
    v ماذا ينفعك صنع العجائب بكبرياء، إذا لم تكن وديعًا ومتواضع القلب؟! ألم توضع في مصاف القائلين أخيرًا: ألسنا باسمك تنبّأنا؟ وباسمك صنعنا آيات كثيرة؟ وماذا يسمعون؟ لا أعرفكم، ابعدوا عني يا فاعلي الإثم.
    القدّيس أغسطينوس
    v يجد الرب راحة في القلوب الوديعة، أمّا الروح المضطربة فهي كرسي للشيطان. الودعاء يرثون الأرض، أو بالأحرى يسيطرون عليها، أمّا ذوو الخلق الشرّير فيطردون من أرضهم.
    القدّيس يوحنا كليماكوس
    يتحدّث القدّيس أمبروسيوس في كتابه الأول عن "واجبات الكهنة" عن الوداعة التي يلتزم بها المسيحي خاصة الكاهن كحياة داخليّة تمسّ كيانه في الداخل، وتمتد إلى كل تصرفاته، حتى في عبادته وكرازته، نقتطف منها:
    v ما أجمل فضيلة الوداعة، وما أعذب رقَّتها حتى تبدو لا في تصرفاتنا فحسب، بل وفي كلماتنا أيضًا حتى لا تتجاوز الحدود اللائقة في أحاديثنا، بل وحتى لا تكون نبرات هذه الكلمات ونغماتها مستهجنة، بل تصبح كلماتنا مرآة تعكس صورة الذهن...
    حتى في التسبيح والترتيل ينبغي أن ندرك أن الوداعة هي القاعدة الأولى الجديرة بالأتباع...
    ومن أهم مظاهر الوداعة الصمت، حتى تستقرّ كل الفضائل الأخرى. ولا يُلام الصمت إلا إذا كان نابعًا عن روح الكبرياء أو أعمال الطفولة...
    لا شك أن هناك وداعة في نظرات العين؛ وهذه الوداعة بدورها تنزع من المرأة تلك الرغبة في التملّي بطلعة الرجال، أو الرغبة في أن يتطلّع إليها الرجال...
    وفي صلواتنا نفسها تكون الوداعة مقبولة ومرضيّة جدًا، وتكسبنا نعمة عظيمة لدى الله...
    وأكثر من ذلك، يجب أن نتمسّك بالوداعة في حركاتنا وملامحنا وفي طريقة سيرنا ومشينا، لأنه - في الغالب - تفصح حركات الجسد عن حالة العقل.
    القدّيس أمبروسيوس
    د. طوبى للجياع والعطاش إلى البرّ
    إذ يحمل المؤمن وداعة المسيح في داخله يرث الأرض التي تطلب بالأكثر أن ترتوي بالمسيح نفسه، برّنا، فيصرخ قائلاً: "كما يشتاق الإيل إلى جداول المياه هكذا تشتاق نفسي إليك يا الله" (مز 42: 1). يدخل بنا الروح القدس خلال هذا الجوع والعطش إلى اتّحاد أعمق مع السيّد المسيح برّنا، ويرتفع بنا إلى حضن الآب لنراه فنشبع به. لهذا يقول المرتّل: "أمّا أنا فبالبرّ (أي بالمسيح) انظر وجهك، أشبع إذا استيقظت بشبهك" (مز 17: 15). بالسيّد المسيح ندخل إلى حضن أبيه، فنرى وجهه، ونشبع إذ نستيقظ من غفلتنا حاملين شبهه فينا.
    إذ نعطش لله يتقدّم إلينا السيّد المسيح بكونه الصخرة المضروبة تفيض لنا مياه الحياة. وكما يقول القدّيس أغسطينوس: [يروي ظمأنا بواسطة الصخرة في البرّيّة، فإن ضربت الصخرة في البرّيّة، فإن الصخرة هي المسيح التي ضُربت بالعصا لتفيض ماءً. ولكن لكي تفيض، ضُربت الصخرة مرّتين لأن للصليب عارضتين.]
    ويمكننا أن نتفهّم هذه العبارة إن رجعنا إلى الشعب القديم في البرّيّة حين جاءوا وعطشوا؛ لم يكن الجوع بالنسبة لهم مجرّد إحساس بالمعدة الفارغة بين الوجبات، ولا العطش مجرّد رغبة في التمتّع بقليل من الماء لإرواء ظمأ عادي، إنّما كان الأمر يمثّل حياة أو موت، كان الجوع والعطش في البرّيّة ليسا أمرين كماليّين أو عاديّين، وإنما صراع من أجل الحياة ضدّ الموت. هكذا اشتياقنا إلى السيّد المسيح برّنا، لا يكون ثانويًا في حياتنا، إنّما هو يمثّل حياتنا إلى الأبد أو هلاكنا الأبدي.
    وفي اليونانيّة جاء تعبير "إلى البرّ" بمعنى "إلى كل برّ"، فجوعنا وعطشنا ليس إلى نصيب من البرّ، بل إلى التمتّع بكمال البرّ، أي التمتّع بالسيّد المسيح نفسه برّنا الكامل.
    v ليت إنساننا الداخلي يجوع ويعطش، فيكون له الطعام والشراب الخاصين به. فقد قال السيّد المسيح: "أنا هو الخبز الذي نزل من السماء" (يو 6: 41)، فهذا هو خبز الجياع. لنشتاق إلى الشرّاب كالعطشى "لأن عندك ينبوع الحياة" (مز 36: 9).
    v إن كنّا نودّ أن نمتلئ يلزمنا أن نجوع ونعطش، فنسأل ونطلب ونقرع كجائعين وعطشى... الشبع لابد أن يسبقه جوع حتى لا يشمئز الإنسان من الخبز المقدّم له.
    v فليكن فيك عطش إلى الحكمة والبرّ؛ لن تشبع من الحكمة وتمتلئ من البرّ قبل أن تنتهي حياتك هذه وتبلغ حيث وعدك الله!
    القدّيس أغسطينوس
    هـ. طوبى للرحماء
    إن كان الجوع الروحي يدفعنا بالروح إلى التمتّع بالسيّد المسيح وانطلاقنا إلى حضن الآب، فإن علامة هذا الشبع هو تمتّعنا بسماته فينا خاصة الرحمة المملوءة حبًا. يقول السيد: "كونوا رحماء كما أن أباكم أيضًا رحيم" (لو 6: 36)، ليس كوصيّة نلتزم بها بقدر ما هي هبة إلهيّة ننعم بها خلال شركتنا مع الله الرحيم في ابنه.
    الرحمة هي وصيّة الله لنا وعطيّته المجّانيّة، تفتح قلبنا لا عند حد العطاء المادي للفقراء، وإنما يحمل طبيعة الرحمة في كل تصرفاتنا. يقول القدّيس يوحنا الذهبي الفم: [هنا يبدو أنه يتحدّث ليس فقط عن الذين يظهرون الرحمة بتقديم المال، وإنما أيضًا الذين هم رحماء في تصرفاتهم، فإن إظهار الرحمة متعدّد الأشكال، والوصيّة واسعة.]
    لا تصدر الرحمة عن ضعف واستكانة وإنما عن قوّة. نذكر في هذا تصرف أدريانوس قيصر إذ قيل أن شخصًا أهانه قبل أن يصير ملكًا، فلما صار ملكًا قال له: "لقد نجوت يا إنسان، لأني أنا اليوم ملك". هكذا إذ يدرك الإنسان مركزه الملوكي باتّحاده مع ملك الملوك، يحمل في داخله الرحمة حتى بالنسبة للمسيئين إليه، بكونها سِمة ملوكيّة سماويّة.
    ويلاحظ أن كلمة "الرحمة" هنا لا تُشير إلى مجرّد العطاء المادي أو حتى العاطفة وإنما المشاركة الفعليّة للآخرين، وكأننا نحتل مكانهم، فنشعر بآلامهم وأتعابهم، كما فعل السيّد المسيح نفسه الذي رحمنا باقترابه إلينا وقبوله طبيعتنا وحمله آلامنا، لذلك يوصينا الرسول بولس قائلاً: "اذكروا المقيّدين كأنكم مقيّدون معهم والمذلّين كأنكم أنتم أيضًا في الجسد" (عب 13: 3). فإن كنّا ندخل مع إخوتنا تحت آلامهم لنسندهم بالحب والرحمة يدخل إلينا ربّنا يسوع نفسه تحت آلامنا ليهبنا حبّه ورحمته! وعلى العكس "الحكم هو بلا رحمة لمن لم يعمل رحمة، والرحمة تفتخر على الحكم" (يع 2: 13).
    v أعمال الرحمة بذار حصاد الآتي. إن من يزرع بالشُحّ فبالشُحّ يحصد أيضًا، ومن يزرع بكثرة فبكثرة يحصد أيضًا، ومن لا يزرع شيئًا لا يستغل شيئًا...
    v اعط ما لكَ فتستحق أن تأخذ ما ليس لك!
    القدّيس أغسطينوس
    v من لا يرحم لا يستحق مراحم الله، ولا يتحصّل على أي نصيب من العطف الإلهي بصلواته!
    الشهيد كبريانوس
    v من يرحم إنسانًا يصير باب الرب مفتوحًا لطلباته في كل ساعة.
    الشيخ الروحاني
    v إن رأيت إنسانًا بائسًا فأذكر... أنه وإن كان الظاهر ليس هو المسيح، لكنّه هو الذي يسألك ويأخذ منك في زيّ ذاك. إنك تستحي وتستنكف إن سمعت أن المسيح يسأل، لكن لتستنكف إن سأل ولم تعطه.
    القدّيس يوحنا الذهبي الفم
    و. طوبى لأنقياء القلب
    من يتشبّه بالرب حاملاً سِمة الرحمة المملوءة حبًا، يعمل الله في قلبه بلا انقطاع لتنفتح بصيرته الداخليّة على معاينة الله. القلب النقي هو العين الروحيّة الداخليّة التي ترى ما لا يُرى.
    "النقاوة" كما جاءت في التعبير اليوناني إنّما تُشير إلى الغسل والتطهير كإزالة الأوساخ من الملابس، وتعني أيضًا تنقية ما هو صالح ممّا هو رديء كفصل الحنطة عن التبن، وتطهير الجيش من الخائفين. وتستخدم أيضًا بمعنى وجود مادة نقيّة غير مغشوشة، كتقديم لبن بلا مادة غريبة. هكذا القلب الذي ينحني على الدوام عند أقدام ربّنا يسوع المسيح يغتسل على الدوام بالدم المقدّس فيتنقّى من كل شائبة، يقوم الروح القدس نفسه الذي تمتّع به خلال سرّيّ العماد والميرون بحراسته، فلا يترك مجالاً لفكرٍ شريرٍ أو نظرةٍ رديئة أن تقتحمه، ولا يسمح لشهوة رديئة أن تسيطر عليه... وهكذا يصفو القلب ويتنقّى بكل اشتياقاته وأحاسيسه ودوافعه فلا يطلب في كل شيء إلا الله وحده، فيعاينه خلال الإيمان بالروح القدس الساكن فيه.
    v لنُنقِّ قلوبنا بالإيمان، لكي تتنهيأ لذاك الذي لا يُوصف، أي للرؤيا غير المنظورة.
    v لنجاهد بالعفّة حتى يتطهّر ذاك الذي يرفع الإنسان لله.
    القدّيس أغسطينوس
    v هنا يدعو "أنقياء" من حصلوا على كل فضيلة، أو الذين لا يحملون أي مشاعر شرّ فيهم، أو الذين يعيشون في العفّة. فإنه ليس شيء نحتاج إليه لمعاينة الله مثل الفضيلة الأخيرة. لهذا يقول بولس أيضًا: "اتبعوا السلام مع الجميع، والقداسة التي بدونها لن يرى أحد الرب" (عب 12: 14).
    القدّيس يوحنا الذهبي الفم
    v هذا هو غاية حبّنا، هذه هي النهاية التي بها نصير كاملين غير هالكين... فإنّنا إذ نُعاين الله لا نحتاج بعد لشيء من أفعالنا وأعمالنا الصالحة واشتياقاتنا ورغباتنا الطاهرة. لأنه ماذا نطلب بعد مادام الله حاضرًا؟ ماذا يُشبع الإنسان ما لم يشبعه الله؟...
    سبق رب المجد فعدّد المطوّبين وأسباب تطويبهم، ذاكرًا أعمالهم وجزاءاتهم واستحقاقاتهم دون أن يذكر عن أحدهم أنه "يعاين الله"، ولكن عند ذكره نقاوة القلب وعد بمعاينة الله، ذلك لأن القلب يحوي العيون التي تُعاين الله هذه العيون يتحدّث عنها الرسول بولس قائلاً: "إنارة عيون قلوبكم" (أف 1: 18). أنها تستنير الآن بالإيمان، إذ يتناسب مع ضعفنا، أمّا في الأبديّة، فتستنير بمعاينة الله بسبب قوّتها: "فإذ... نحن مستوطنون في الجسد، فنحن متغرّبون عن الرب. لأننا بالإيمان نسلك لا بالعيان" (2 كو 5: 6-7). وإذ نسلك الآن بالإيمان يُقال عنّا: "فإننا ننظر الآن في مرآة في لغز، ولكن حينئذ وجهًا لوجه" (1 كو 13: 12).
    القدّيس أغسطينوس
    v إن كل ما تقدّمه الكتب المقدّسة الإلهيّة لا يهدف إلا إلى تنقية النظر الباطني ممّا يمنعه عن رؤية الله. وكما أن العين خُلقت لكي ترى هذا النور الزمني حتى إذا داخلها جسم غريب عكّر صفوها وفصَلها عن رؤية ذلك النور، كذلك هي عين قلبك فإنها إن تعكّرت وجُرحت، مالت عن نور البرّ وما تجاسرت أو تمكّنت من النظر إليه... وما الذي يُعكّر صفاء عين قلبك؟ الشهوة والبُخل والإثم واللذّة العالميّة؛ هذا كلّه يُعكّر عين القلب ويغلقها ويعميها.
    القدّيس أغسطينوس
    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس 21 نوفمبر 2024 - 21:47