كانت نائمة ومسترخية ، وقد تعطرت وتطيبت ، خلعت ثيابها ، وغسلت رجليهما ، ونامت . وصوت حبيبها يسعي إليها من بعيد " ظافراً علي الجبال ، قافزاً علي التلال يقول لها :" قومي يا حبيبتي وجميلتي و تعالي "( نش 2 : 10 ) . بل هو يقف علي بابها يقرع : " افتحي لي يا أختي ، يا حبيبتي يا حمامتي يا كاملتي ، لأن رأسى قد امتلأ من الطل ، وقصصي من ندي الليل "( نش 5 : 2 )… أي سعي من الرب أكثر من هذا ، وأي انتظار في الحاح علي طلب النفس ، أكثر من رأسه تمتلئ من ندي الليل . إنه درس في الرجاء لكل نفس نائمه ، لا تطلب الله ، بل تهتم بذاتها وراحتها …!
الله هو الواقف علي الباب ، وهو الذي يقرع …!
وهو الي يقول في كل حين " هانذا واقف علي الباب وأقرع . إن سمع أحد صوتي وفتح الباب ، أدخل إليه معه وهو معي "( رؤ 3 : 10 ) . إن الله الطيب الذي لم يتركنا حتي في تكاسلنا واهمالنا وبعدنا عنه في حياة التراخي واللامبالاة ، وإنما بلغ من فرط محبته أنه :
سعي حتى الي العشارين و الخطاة ، وجلس علي موائدهم ، ليجذبهم إليه !
إنه يسعي إلي كل هؤلاء ، وينزل إليهم لكي يرفعهم إليه ، ويقول إن هؤلاء ، وينزل إليهم لكي يرفعهم إليه ، ويقول إن هؤلاء أيضاً أبناء لإبراهيم ( لو 19 : 9 ) . بل إن من أجل الآيات في هذا المجال ، هي قوله عن نفسه إنه :
" جاء يطلب ويخلص ما قد هلك "( لو 19 : 10 ) …
*******
وسعي الله لخلاصنا ، ترمز إليه قصة الخليقة :
تحكي لنا الآيات الأولي من سفر التكوين أن " الأرض كانت خربة وخاليه " وكانت مغمورة بالمياة " وعلي وجه الغمر ظلمة " ( تك 1 : 2 ) . صورة كئيبة بلا شك . ولكن الله لم يترك الأرض الخربة هكذا ، وإنما " كان روح الله يرف علي وجه المياة " . ثم قال الله ليكن نور فكان نور .. وبدأ الله ينظم هذه الأرض ، ويمنحها حياة وجمالاً ، ويخلق فيها الأشجار والأزهار والأطيار ، ووضع قوانين الفلك بما فيه من شمس وقمر ، ونجوم وكواكب .. ثم خلق الإنسان . وصارت الأرض جميلة وعامرة بالحياة ..
وفي كل هذا يعطي الرب رجاء لكل أرض خربة تغمرها المياة ..
لاتيأس مهما وصلت المياه إلي نفسك ، فروح الله يرف علي وجه المياه . ولا تيأس مهما غمرتك الظلمة ، فلا بد سيأتي الوقت الذي يقول فيه الله : ليكن نور ...
لذلك ليكن لك رجاء مادام الله يسعي بنفسه لخلاصك .
*******
إن البشرية عاجزة عن تخليص نفسها . وما لا تستطيع أن تفعله من أجل خلاصها ، يعمله الرب من أجلها …
أليست هذه هي قصة التجسد و الفداء في صميم مفهوما اللاهوتي : الله بنفسه يسعي لخلاص البشر ، ويقدم لهم الكفارة و الفداء . أو ليس هو أيضاً الذي أرسل الأنبياء و الرسل لهذا الغرض ، لكي ينادوا داعين الجميع :" اصطلحوا مع الله "( 2 كو 5 : 20 ) . ومن أجل هذا أيضاً أرسل لنا الوحي الإلهي في الكتب المقدسة القادرة أن تحكمنا للخلاص ( 2 تي 3 : 15 ) .
منقول عن مقالة للبابا شنودة الثالث