يقول البعض أن داود كتب هذا المزمور في أثناء فترة حكم شاول وانتشار الأكاذيب ضده في القصر الملكي، فالكل يُداهِنْ الملك شاول وينشر إشاعات مغرضة ضد داود لإرضاء شاول، وداود يصرخ لله واثقاً في كلام الله ووعوده. ونحن هنا أمام ثلاث أنواع من الكلام.
1. كلام الأشرار: كذب ورياء وكبرياء ينطقون بفم أبيهم إبليس الكذاب وأبو الكذاب.
2. كلام الأبرار: تنهدات المساكين بسبب ما يعانوه من ضيق ومتاعب، والله يسمع لهم.
3. كلام الله: كلام نقي، محل ثقة، مصدر الخلاص. كفضة مصفاة بلا شوائب.
وإن قيل هذا المزمور في أيام شاول أو غيره، فهذه حقيقة واقعة أن كلام الأشرار المتكبرين وأكاذيبهم تنتشر لفترة، وربما يتعالون وينتصرون لفترة ما بسماح من الله وخلال هذه الفترة يكون الأبرار المساكين يتنهدون ويصرخون لله واضعين وعوده بأنه يخلص نصب عيونهم، وتكون فترة انتظار الرب هي فترة طول أناة على الأشرار لعل طول أناته تقتادهم للتوبة، وتكون فترة الانتظار هذه للأبرار فرصة تنقية فهي فترة صراخ لله وصلاة والتصاق بالله، وفي هذا يتنقون كما تتنقى الفضة من الشوائب في البوطة (فرن الصهر). ثم يتدخل الله وينصف الأبرار ويقطع شفاه الأشرار.
آية (1): "خلص يا رب لأنه قد انقرض التقي لأنه قد انقطع الأمناء من بني البشر."
البار قد فني= داود رأي أن الكذب قد انتشر، والخيانة انتشرت، لم يرى واحد بار، فشاول يخونه ومعه رجاله وكذلك أهل زيف وقعيلة، ورأى مذبحة الكهنة بسببه فصرخ خلص يا رب، فلم يبق ولا بار. فمن كثرة الاضطهاد فنى الأبرار. ولأن الشر ساد العالم كله احتاج العالم لمخلص، وكأن صرخة داود خلص يا رب هي بروح النبوة صرخة نداء لله ليتجسد المسيح إذ زاغ الجميع وفسدوا. داود هنا شابه إيليا حين تصوَّر أن الأبرار انتهوا من الأرض ولم يبق سواه (1مل10:19).
الآيات (2-4): "يتكلمون بالكذب كل واحد على صاحبه بشفاه ملقة بقلب فقلب يتكلمون. يقطع الرب جميع الشفاه الملقة واللسان المتكلم بالعظائم. الذين قالوا بألسنتنا نتجبر. شفاهنا معنا. من هو سيد علينا."
رأى داود قلة الأمانة والكذب ينتشران بين الناس. (ونرى في يع3 كيف أن اللسان عطية الله لو استخدم في الباطل يكون كدفة سفينة تقودها للهلاك) ومن علامات الرياء إزدواج القلب= بقلب فقلب يتكلمون= هم غير أمناء ولا يقولون الحق والله سيقطع هذه الشفاه، كما قطع لسان فرعون الذي قال في تجبر "إني لست أعرف الرب" وقطع شعب اليهود ورؤسائهم الذين تجبروا على المسيح، وقطع لسان كل من تجبر على الكنيسة الذين قالوا من هو سيد علينا.
آية (5): "من اغتصاب المساكين من صرخة البائسين الآن أقوم يقول الرب. أجعل في وسع الذي يُنْفَث فيه."
هنا نسمع صراخ الأبرار في ظلمهم وألمهم. تدخل الله في الوقت الذي يراه صالحاً (ملء الزمان) ليصنع لهم الخلاص علانية.
آية (6): "كلام الرب كلام نقي كفضة مصفاة في بوطة في الأرض ممحوصة سبع مرات."
هنا نسمع عن كلمة الله التي هي كفضة مصفاة نقية، والكتاب المقدس كلمة الله منزه عن كل خطأ وشبه خطأ أو تضاد أو كلمة بشرية ساقطة، فالكتاب كله موحى به من الله. والأبرار يثقون في وعود الله التي لا تسقط أبداً، فليس في وعوده غش. هنا نرى التناقض بين عش ورياء البشر وصدق كلمة الله النقية ووعوده التي لا تسقط. بل كلام الله ينقي النفس "أنتم أنقياء من أجل الكلام الذي كلمتكم به" فالرب حين يعطينا من مواهب الروح القدس تنقي حياتنا 7 أضعاف ورقم (7) رقم كامل. وهناك من رأى أن رقم 7 يشير لقول أشعياء روح الرب. وروح الحكمة والفهم.. (أش2:11)
الآيات (7،8): "أنت يا رب تحفظهم تحرسهم من هذا الجيل إلى الدهر. الأشرار يتمشون من كل ناحية عند ارتفاع الأرذال بين الناس."
نرى هنا خلاص الرب لعبيده وأنه سينجيهم في هذا الجيل وكل جيل وإلى نهاية الدهر رغم أن الأشرار ينجحون= إن الأشرار يتمشون من كل ناحية ويرتفعون.
نصلي هذا المزمور في باكر فنبدأ يومنا بالثقة في حماية الله رغماً عن كل المؤامرات حولنا. ونرى فيه أنه بالرغم من مؤامرات اليهود على المسيح وصلبه إلا أنه سيقوم ويصنع الخلاص علانية فنذكر القيامة في بدء يومنا= الآن أقوم يقول الرب