كانت أفواج من الناس تسرع اليوم عبر قريتنا أكثر من المعتاد. إلى أين كانوا يتوجهون؟ كم تمنيت أن أعرف وجهة سيرهم وهدفهم. ها أن البعض يتقدمون حاملين مريضاً على حمالة. وها امرأة تقود رجلها الأعمى. وفي تلك اللحظة أتى رجل آخر ينادي جارنا قائلاً: «تعال معي لنذهب عبر البحيرة إلى حيث يجلس يسوع مع تلاميذه». فصعدا إلى سفينته متجهين نحو الجهة المقابلة. فأدركت أنّ جميعهم يسرعون إلى حيث يوجد يسوع. وأنا كذلك أردت أن أسمعه وأراه. فناديت جاري وصديقه: «انتظراني لحظة، فإني أريد أن أرافقكما».
أسرعت إلى بيتنا مندفعاً نحو أمي أقول: «يا أمي، دعيني أذهب مع جارنا عبر البحيرة إلى حيث يجلس يسوع. قد سمعنا عنه أخباراً كثيرة جيدة ولم أره بعد. اسمحي لي بالذهاب ولا تخافي عليّ، لأن جارنا سيهتم بي».
كم فرحت عندما استجابت أمي لإلحاحي وسمحت لي بالذهاب، إلا أنها قالت: «تمهل قليلاً. خذ معك هذه الأرغفة الخمسة والسمكتين. لأن الطريق طويلة وحتماً ستجوع». لم أرد أن أحمل الطعام في الطريق الطويل، إنما لكي لا أضيع الوقت أذعنت لها.
كان جارنا ينتظرني مع صديقه. ولما وصلت إليهما انطلقنا جميعاً إلى البحر. وبقيت أمي واقفة أمام باب المنزل تنظر إلينا حتى اطمأنت لرعاية جارنا لي.
أصغيت في الطريق باستغراب لما رواه الرجلان عن يسوع. فلقد كان صديق جاري حاضراً بنفسه لما فتح يسوع المسيح عيني الأعمى. وكذلك حين شفى العُرج الذين لم يستطيعوا المشي. وبعد حصولهم على نعمة الشفاء قفزوا وركضوا بابتهاج. ثم روى حادثة أخرى يصعب تصديقها، فلقد أقام يسوع قبل عدة أيام فتاة في الثانية عشرة من عمرها من الموت. وهذا ما أثر كثيراً في الجماهير وجعلهم يتوافدون إلى يسوع.
لم أستطع الانتظار أكثر حتى أرى هذا الطبيب والنبي العظيم بنفسي. ولكن كم خاب انتظاري عند وصولنا إلى ذلك المكان، إذ كانت جماهير لا تُحصى مجتمعة حول يسوع. لم أستطع رؤيته لقصر قامتي، حيث حجب كبار الأجسام عني ذلك المشهد. كم تمنيت لو كنت عملاقاً لأرى يسوع من فوق كل الرؤوس.
ولكن بما أنني لست عملاقاً، كان علي أن أجد حلاً آخر. فتمنيت أن أقترب من يسوع بقدر المستطاع. وكانت رغبتي أن أتعرف عليه شخصياً وأن أسمع كلماته الحلوة.
بعد أن شققت طريقي وسط الجمهور وجدت مكاناً بارزاً على هضبة، حيث استطعت أن أراقب كل شيء. ولشدة فرحي، اكتشفت أني لم أقف بعيداً عن يسوع. ولم يكن لديّ أي شك بأن هذا الرجل هو يسوع، لأن جميع الناس كانوا يحاصرونه. أما هو فكان يشفي المرضى ويعزي الحزانى ثم بدأ يسوع يتكلم، وأخبرنا عن الله، أبيه في السماء. كان يروي لنا بصورة واضحة كأنه كان في السماء. تُرى هل هو أعظم من نبي؟ لم نشبع من الإصغاء إليه. ومرّ الوقت سريعاً، وبدون أن نشعر، حلّ المساء.
تقدم بعض التلاميذ إلى يسوع وقالوا له: «اصرف الجموع ليذهبوا إلى القرى والأسواق المجاورة ليبتاعوا خبزاً، إذ لا يوجد عندهم طعام. وليبحثوا أيضاً عن أمكنة ليبيتوا فيها، لأنه لا يوجد في البرية هنا أية إمكانية للطعام أو المبيت».
أما المسيح فأجابهم قائلاً: «اعطوهم أنتم ليأكلوا». لأنه عرف ماذا أراد أن يفعل. وقال هذا لكي يحثهم على الإيمان ويمتحن ثقة تلاميذه فيه. فأجابه التلاميذ متسائلين مندهشين: «كيف يمكننا أن نذهب إلى القرى ونبتاع خبزاً لهذا العدد من الناس ليأكلوا، وليس عندنا إلا مئتي دينار فقط؟».
فسألهم يسوع: «كم رغيفاً معكم؟ اذهبوا وانظروا».
عندما سمعت كلمات يسوع هذه فكرت حالاً بالأرغفة الخمسة والسمكتين التي أعطتها لي أمي. وعزمت أن أقدمها ليسوع حتى تكون ذات فائدة له. ولكن ماذا يمكن أن تفعل الأرغفة الخمسة والسمكتان لألوف من الناس؟ فهي بالكاد تكفي لإشباع اثنين من الحضور.
في هذه اللحظة اقترب أندراوس، أحد تلاميذ يسوع وهو يلتفت حوله. فأسرعت إليه وأريته الأرغفة الخمسة والسمكتين. فانفرجت أساريره، وبدون كلام كثير أمسكني بيدي وقادني إلى يسوع.
خفق قلبي من الفرح والاضطراب، لأن أمنيتي الخفية قد تحققت، ألا وهي أن أقترب من يسوع. نظر يسوع إليّ بلطف عندما قال له أندراوس: «هنا غلام معه خمسة أرغفة وسمكتان. ولكن ماذا ينفع هذا القليل لإشباع الجمهور الكثير؟».
كان أندراوس يفكر مثلي تماماً. فلم يكن الموجود في يدي يعمل شيئاً للأفواج حولنا. والأغلب أن يسوع يفكر مثلي ومثل أندراوس أيضاً.
تطلعت إليه متسائلاً في نفسي: «ماذا سيقول يسوع أو يعمله الآن يا ترى؟». وأما المعلم العظيم فقبل القليل مني. ولم يتحيّر مثلي ومثل باقي التلاميذ. إنه يختلف عن الجميع وسلامه ساد على المكان.
ثم أمر يسوع تلاميذه قائلاً: «تقدموا للشعب وأجلسوهم في مجموعات من مئة أو خمسين». فارتاح الجميع على العشب الذي كان متوفراً بكثرة في ذلك الربيع.
وعندما جلس الجمهور لم يصعب على التلاميذ إحصاء عدد الشعب، فكان خمسة آلاف شخص. ما أعظم هذا الحضور!
كيف أراد يسوع أن يشبع هذا الجمع بأرغفتي الخمسة والسمكتين؟ هذا مستحيل! وبعدما رجع التلاميذ واجتمعوا حوله، أخذ يسوع الخبز ورفع عينيه إلى السماء وشكر أباه بصوت واضح لأجل القليل الذي أخذه من يديّ، واتكل على أبيه السماوي بأنه سيحوّل هذا القليل إلى كثير ببركته الإلهية.
عندئذ حدثت المعجزة، كسر يسوع الخبز بيديه وأعطى القطع «الكسر» لتلاميذه، وهم بدورهم سلموا الخبز للمتكئين. وكذلك فعل بالسمكتين. لم أصدق عينيّ عندما شاهدت كيف وزّع يسوع الخبز والسمك. وكلما كسر منه وأعطى تلاميذه لم ينفد ما كان في يديه إنما زاد وتضاعف، وأكل الجميع حتى شبعوا.
كم كنت مسروراً لأني سلمت ليسوع القليل الذي كان عندي، فأصبح قليلي كثيراً حتى أشبع كل المجتمعين.
هل تفكر مثلي بأنّ القليل الذي نمتلكه ليس له قيمة؟ سلّم كل ما عندك ليسوع كما فعلت أنا فيقبلك ويبارك عطيتك المتواضعة ويجعلها بركة عظيمة للجميع.
بعدما شبع الألوف تبقّى الكثير من الفضلات على الأرض. ولم يبال أحد بالتقاطها. قد شبعوا ولا حاجة للفضلات بعد. أما يسوع فقال لتلاميذه: «اجمعوا كل ما تبقى من الخبز حتى لا يفسد شيء». فكم سلة مملوءة من الفضلات جمع التلاميذ بعد إشباع الخمسة آلاف؟
لو لم أر بعينيَّ لصعب عليّ أن أصدق الحقيقة. لقد رجع التلاميذ باثنتي عشرة سلة مملوءة. إنه أضعاف مما أعطيت ليسوع. ولم أفهم هذا، لكني أدركت شيئاً واحداً، أنّ يسوع أشبعنا بأعجوبة عظيمة.
عندما فهم الجميع ما حدث حلّت الدهشة والرهبة بين الكل. لم يشبع الشعب من الخبز والسمك فحسب، بل بهر جميعهم لأن ما تبقى كان أكثر من الموجود في البداية. ودبّت الحركة بين الجمع وقال بعضهم لبعض: «بالحقيقة هذا هو النبي الذي تنبأت عنه التوراة أنه سيأتي إلى عالمنا».
وقال الباقون: «نعم فقد كتب موسى: سيقيم لك الرب إلهك نبياً من وسطك مثلي» (تثنية 18 :15). وأطعم الله في زمن موسى الشعب بطريقة عجيبة وأعطاهم خبزاً من السماء مجاناً. فصرخ المستمعون: «تعالوا لنتوّج يسوع ملكاً، فينتهي كل عنائنا وهمنا».
عندما شعر يسوع بأننا أردنا أن نتوّجه ملكاً تسلل بعيداً وصعد منفرداً إلى الجبل.
وتفرق جمهور الشعب بعد أن خاب أملهم بسبب انطلاق يسوع. فسرت أنا أيضاً مع جاري في طريق عودتنا إلى البيت. وفي بيتي جعلت أفكر كثيراً في الذي اختبرته.
لماذا تسللّ يسوع وترك الجميع؟
لماذا لم يدعهم يتوّجونه ملكاً عليهم؟
كم تمنيت أن يكون يسوع ملكاً ورباً علينا. ألا تشتاق أنت أيضاً لرعاية يسوع؟ بعدما مضت سنوات عديدة اتضح لي قصد يسوع عندما امتنع عن تنفيذ أمنية الشعب.
هناك في البرية مع يسوع، أردنا أن نتوجه ملكاً علينا، لأنه أشبعنا خبزاً لذيذاً، وكان كل ما نريده هو أن يحلّ ملكوت إلهنا على الأرض. وظننا أن كل إنسان يستطيع الدخول إليه بدون أن يتجدد روحياً. ولكن طموحنا هذا كان أساسه الأنانية الدنيوية. فهذه الأمنيات لا تنسجم مع هدف الله.
قال يسوع لشيخ محترم: «إن لم تولد من جديد وتتغير في داخلك لا تقدر أن ترى ملكوت الله». كم أشكر ربي لأنه منحني اختبار هذا التجديد في حياتي. لقد طرحت أمامه ذنوبي فقبلني وحلّ روحه في قلبي. فهو الآن ربي وملك على حياتي. إنه يقودني كل يوم لأكون معه أخيراً في ملكوته السماوي.
اختبر الفتى في قصتنا هذه أن يسوع صار سيداً وملكاً على حياته. كيف يبدو هذا عملياً؟ وأمّا بالنسبة لي فإمّا تتربع «الأنا» على عرش قلبي وتسود على حياتي أو يصبح يسوع المسيح ملكاً على حياتي وأدعه يسود عليّ، وأطيعه وأنفذ كلمته. ونحن نعرف إرادته إذا قرأنا الإنجيل. اطلب من الرب أن يدخل ويجلس على عرش قلبك
أسرعت إلى بيتنا مندفعاً نحو أمي أقول: «يا أمي، دعيني أذهب مع جارنا عبر البحيرة إلى حيث يجلس يسوع. قد سمعنا عنه أخباراً كثيرة جيدة ولم أره بعد. اسمحي لي بالذهاب ولا تخافي عليّ، لأن جارنا سيهتم بي».
كم فرحت عندما استجابت أمي لإلحاحي وسمحت لي بالذهاب، إلا أنها قالت: «تمهل قليلاً. خذ معك هذه الأرغفة الخمسة والسمكتين. لأن الطريق طويلة وحتماً ستجوع». لم أرد أن أحمل الطعام في الطريق الطويل، إنما لكي لا أضيع الوقت أذعنت لها.
كان جارنا ينتظرني مع صديقه. ولما وصلت إليهما انطلقنا جميعاً إلى البحر. وبقيت أمي واقفة أمام باب المنزل تنظر إلينا حتى اطمأنت لرعاية جارنا لي.
أصغيت في الطريق باستغراب لما رواه الرجلان عن يسوع. فلقد كان صديق جاري حاضراً بنفسه لما فتح يسوع المسيح عيني الأعمى. وكذلك حين شفى العُرج الذين لم يستطيعوا المشي. وبعد حصولهم على نعمة الشفاء قفزوا وركضوا بابتهاج. ثم روى حادثة أخرى يصعب تصديقها، فلقد أقام يسوع قبل عدة أيام فتاة في الثانية عشرة من عمرها من الموت. وهذا ما أثر كثيراً في الجماهير وجعلهم يتوافدون إلى يسوع.
لم أستطع الانتظار أكثر حتى أرى هذا الطبيب والنبي العظيم بنفسي. ولكن كم خاب انتظاري عند وصولنا إلى ذلك المكان، إذ كانت جماهير لا تُحصى مجتمعة حول يسوع. لم أستطع رؤيته لقصر قامتي، حيث حجب كبار الأجسام عني ذلك المشهد. كم تمنيت لو كنت عملاقاً لأرى يسوع من فوق كل الرؤوس.
ولكن بما أنني لست عملاقاً، كان علي أن أجد حلاً آخر. فتمنيت أن أقترب من يسوع بقدر المستطاع. وكانت رغبتي أن أتعرف عليه شخصياً وأن أسمع كلماته الحلوة.
بعد أن شققت طريقي وسط الجمهور وجدت مكاناً بارزاً على هضبة، حيث استطعت أن أراقب كل شيء. ولشدة فرحي، اكتشفت أني لم أقف بعيداً عن يسوع. ولم يكن لديّ أي شك بأن هذا الرجل هو يسوع، لأن جميع الناس كانوا يحاصرونه. أما هو فكان يشفي المرضى ويعزي الحزانى ثم بدأ يسوع يتكلم، وأخبرنا عن الله، أبيه في السماء. كان يروي لنا بصورة واضحة كأنه كان في السماء. تُرى هل هو أعظم من نبي؟ لم نشبع من الإصغاء إليه. ومرّ الوقت سريعاً، وبدون أن نشعر، حلّ المساء.
تقدم بعض التلاميذ إلى يسوع وقالوا له: «اصرف الجموع ليذهبوا إلى القرى والأسواق المجاورة ليبتاعوا خبزاً، إذ لا يوجد عندهم طعام. وليبحثوا أيضاً عن أمكنة ليبيتوا فيها، لأنه لا يوجد في البرية هنا أية إمكانية للطعام أو المبيت».
أما المسيح فأجابهم قائلاً: «اعطوهم أنتم ليأكلوا». لأنه عرف ماذا أراد أن يفعل. وقال هذا لكي يحثهم على الإيمان ويمتحن ثقة تلاميذه فيه. فأجابه التلاميذ متسائلين مندهشين: «كيف يمكننا أن نذهب إلى القرى ونبتاع خبزاً لهذا العدد من الناس ليأكلوا، وليس عندنا إلا مئتي دينار فقط؟».
فسألهم يسوع: «كم رغيفاً معكم؟ اذهبوا وانظروا».
عندما سمعت كلمات يسوع هذه فكرت حالاً بالأرغفة الخمسة والسمكتين التي أعطتها لي أمي. وعزمت أن أقدمها ليسوع حتى تكون ذات فائدة له. ولكن ماذا يمكن أن تفعل الأرغفة الخمسة والسمكتان لألوف من الناس؟ فهي بالكاد تكفي لإشباع اثنين من الحضور.
في هذه اللحظة اقترب أندراوس، أحد تلاميذ يسوع وهو يلتفت حوله. فأسرعت إليه وأريته الأرغفة الخمسة والسمكتين. فانفرجت أساريره، وبدون كلام كثير أمسكني بيدي وقادني إلى يسوع.
خفق قلبي من الفرح والاضطراب، لأن أمنيتي الخفية قد تحققت، ألا وهي أن أقترب من يسوع. نظر يسوع إليّ بلطف عندما قال له أندراوس: «هنا غلام معه خمسة أرغفة وسمكتان. ولكن ماذا ينفع هذا القليل لإشباع الجمهور الكثير؟».
كان أندراوس يفكر مثلي تماماً. فلم يكن الموجود في يدي يعمل شيئاً للأفواج حولنا. والأغلب أن يسوع يفكر مثلي ومثل أندراوس أيضاً.
تطلعت إليه متسائلاً في نفسي: «ماذا سيقول يسوع أو يعمله الآن يا ترى؟». وأما المعلم العظيم فقبل القليل مني. ولم يتحيّر مثلي ومثل باقي التلاميذ. إنه يختلف عن الجميع وسلامه ساد على المكان.
ثم أمر يسوع تلاميذه قائلاً: «تقدموا للشعب وأجلسوهم في مجموعات من مئة أو خمسين». فارتاح الجميع على العشب الذي كان متوفراً بكثرة في ذلك الربيع.
وعندما جلس الجمهور لم يصعب على التلاميذ إحصاء عدد الشعب، فكان خمسة آلاف شخص. ما أعظم هذا الحضور!
كيف أراد يسوع أن يشبع هذا الجمع بأرغفتي الخمسة والسمكتين؟ هذا مستحيل! وبعدما رجع التلاميذ واجتمعوا حوله، أخذ يسوع الخبز ورفع عينيه إلى السماء وشكر أباه بصوت واضح لأجل القليل الذي أخذه من يديّ، واتكل على أبيه السماوي بأنه سيحوّل هذا القليل إلى كثير ببركته الإلهية.
عندئذ حدثت المعجزة، كسر يسوع الخبز بيديه وأعطى القطع «الكسر» لتلاميذه، وهم بدورهم سلموا الخبز للمتكئين. وكذلك فعل بالسمكتين. لم أصدق عينيّ عندما شاهدت كيف وزّع يسوع الخبز والسمك. وكلما كسر منه وأعطى تلاميذه لم ينفد ما كان في يديه إنما زاد وتضاعف، وأكل الجميع حتى شبعوا.
كم كنت مسروراً لأني سلمت ليسوع القليل الذي كان عندي، فأصبح قليلي كثيراً حتى أشبع كل المجتمعين.
هل تفكر مثلي بأنّ القليل الذي نمتلكه ليس له قيمة؟ سلّم كل ما عندك ليسوع كما فعلت أنا فيقبلك ويبارك عطيتك المتواضعة ويجعلها بركة عظيمة للجميع.
بعدما شبع الألوف تبقّى الكثير من الفضلات على الأرض. ولم يبال أحد بالتقاطها. قد شبعوا ولا حاجة للفضلات بعد. أما يسوع فقال لتلاميذه: «اجمعوا كل ما تبقى من الخبز حتى لا يفسد شيء». فكم سلة مملوءة من الفضلات جمع التلاميذ بعد إشباع الخمسة آلاف؟
لو لم أر بعينيَّ لصعب عليّ أن أصدق الحقيقة. لقد رجع التلاميذ باثنتي عشرة سلة مملوءة. إنه أضعاف مما أعطيت ليسوع. ولم أفهم هذا، لكني أدركت شيئاً واحداً، أنّ يسوع أشبعنا بأعجوبة عظيمة.
عندما فهم الجميع ما حدث حلّت الدهشة والرهبة بين الكل. لم يشبع الشعب من الخبز والسمك فحسب، بل بهر جميعهم لأن ما تبقى كان أكثر من الموجود في البداية. ودبّت الحركة بين الجمع وقال بعضهم لبعض: «بالحقيقة هذا هو النبي الذي تنبأت عنه التوراة أنه سيأتي إلى عالمنا».
وقال الباقون: «نعم فقد كتب موسى: سيقيم لك الرب إلهك نبياً من وسطك مثلي» (تثنية 18 :15). وأطعم الله في زمن موسى الشعب بطريقة عجيبة وأعطاهم خبزاً من السماء مجاناً. فصرخ المستمعون: «تعالوا لنتوّج يسوع ملكاً، فينتهي كل عنائنا وهمنا».
عندما شعر يسوع بأننا أردنا أن نتوّجه ملكاً تسلل بعيداً وصعد منفرداً إلى الجبل.
وتفرق جمهور الشعب بعد أن خاب أملهم بسبب انطلاق يسوع. فسرت أنا أيضاً مع جاري في طريق عودتنا إلى البيت. وفي بيتي جعلت أفكر كثيراً في الذي اختبرته.
لماذا تسللّ يسوع وترك الجميع؟
لماذا لم يدعهم يتوّجونه ملكاً عليهم؟
كم تمنيت أن يكون يسوع ملكاً ورباً علينا. ألا تشتاق أنت أيضاً لرعاية يسوع؟ بعدما مضت سنوات عديدة اتضح لي قصد يسوع عندما امتنع عن تنفيذ أمنية الشعب.
هناك في البرية مع يسوع، أردنا أن نتوجه ملكاً علينا، لأنه أشبعنا خبزاً لذيذاً، وكان كل ما نريده هو أن يحلّ ملكوت إلهنا على الأرض. وظننا أن كل إنسان يستطيع الدخول إليه بدون أن يتجدد روحياً. ولكن طموحنا هذا كان أساسه الأنانية الدنيوية. فهذه الأمنيات لا تنسجم مع هدف الله.
قال يسوع لشيخ محترم: «إن لم تولد من جديد وتتغير في داخلك لا تقدر أن ترى ملكوت الله». كم أشكر ربي لأنه منحني اختبار هذا التجديد في حياتي. لقد طرحت أمامه ذنوبي فقبلني وحلّ روحه في قلبي. فهو الآن ربي وملك على حياتي. إنه يقودني كل يوم لأكون معه أخيراً في ملكوته السماوي.
اختبر الفتى في قصتنا هذه أن يسوع صار سيداً وملكاً على حياته. كيف يبدو هذا عملياً؟ وأمّا بالنسبة لي فإمّا تتربع «الأنا» على عرش قلبي وتسود على حياتي أو يصبح يسوع المسيح ملكاً على حياتي وأدعه يسود عليّ، وأطيعه وأنفذ كلمته. ونحن نعرف إرادته إذا قرأنا الإنجيل. اطلب من الرب أن يدخل ويجلس على عرش قلبك