مـنـتـديـات الـمـحـبـه الـمـقـدسـه

كيف عرغت ابويا 4 Wellcome
عزيزى الزائر / عزيزتى الزائرة :- يرجى التكرم بتسجيل الدخول اذا كنت عضو معنا او التسجيل ان لم تكن عضو
وترغب فى الانضمام الى أسرة المنتدى
ونتشرف بتسجيلك معنا

مع تحيات ادارة منتديات المحبه المقدسه




انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

مـنـتـديـات الـمـحـبـه الـمـقـدسـه

كيف عرغت ابويا 4 Wellcome
عزيزى الزائر / عزيزتى الزائرة :- يرجى التكرم بتسجيل الدخول اذا كنت عضو معنا او التسجيل ان لم تكن عضو
وترغب فى الانضمام الى أسرة المنتدى
ونتشرف بتسجيلك معنا

مع تحيات ادارة منتديات المحبه المقدسه


مـنـتـديـات الـمـحـبـه الـمـقـدسـه

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


    كيف عرغت ابويا 4

    فرايم حبيب
    فرايم حبيب
    مشرف عام المنتديات
    مشرف عام المنتديات


    عدد المساهمات : 549
    عدد النقاط : 11935
    تاريخ التسجيل : 14/03/2010
    العمر : 74

    كيف عرغت ابويا 4 Empty كيف عرغت ابويا 4

    مُساهمة من طرف فرايم حبيب الإثنين 30 أغسطس 2010 - 17:44

    --------------------------------------------------------------------------------

    توجهت على الأثر لبيت المهندس كين وحالما اجتمعت به وبزوجته صرخت: أليس من سبيل لأتعمد حالا؟! واقتادتني بلطف ماري زوجة المهندس إلى غرفة الاستقبال وقالت: لقد سألت القسيس المسئول فقال أن المسألة تحتاج إلى بعض الوقت إذ لابد من أن تدرس اللجنة المسئولة طلب السيدة بلقيس للعماد. قلت: لكن ربما يحدث ما يغير الأوضاع في هذه الأيام المقبلة وكانت أفكاري متجهة إلى الإمكانيات التي ربما تحدث عن مقاومة أفراد عائلتي في ظروف متأزمة كهذه!
    وأفاد المهندس كين أن شيئا غريبا حدث له الليلة الماضية إذ سمع صوتا يقول له أنظر إلى صفحة 654 من الكتاب المقدس. واستغربت هذه الطريقة الغريبة بإشارة إلى بعض آيات الكتاب المقدس لأن العادة المتبعة أن نشير إلى السفر والإصحاح والآية لا إلى الصفحة. وكانت الإشارة إلى سفر أيوب حيث يقول: لماذا آخذ لحمي بأسناني واضع نفسي في كفي. هو ذا يقتلني لا أنتظر شيئا فقط أزكي طريقي قدامه (أيوب 14:13).
    وتعجبت أن كان إيماني قد وصل إلى هذا الحد. وللحال تناولت ذراع كين وقلت: أعطِني الماء لمعموديتي الآن! وإذا أراد الله أن يقتلني فليعمل ذلك لأني مستعدة للذهاب عنده لأني هناك أكون في السماء مع ربي! وتطلعت إليّ كين خشية أن أكون قد قسوت عليه بالكلام. وقلت: آسفة إن كنت قد أظهرت مثل هذا الجرأة بيد أنني أصر على تنفيذ ما طلبه الله مني لأنه هو الذي أمرني لأتعمد. فهي تريد أيها الأخ أن تساعدني على إتمام هذا؟!
    وجلس كين على الكرسي بعد أن كان طوال الوقت واقفا وأمر يده على شعره الرمادي الكثيف وقال: من كل بد أريد مساعدتك. ثم وجّه الكلام لماري وقال: ما دام الفس داود وزوجته سيذهبان بعد ظهر اليوم إلى أبت فلما لا نرافقهما إلى هناك لنرى ماذا يمكن أن نعمل في أمر معمودية السيدة بلقيس. وعلى الأثر توجهنا إلى منزل القس داود وجلسنا في غرفة الاستقبال نطلب إرشاد الله بالصلاة. وصرح كين يقوله: نحن متأكدون أن الله هو الذي أرشد السيدة بلقيس إلى هذا الأمر وكان طلبه لها بصورة غريبة الشكل. وما دامت هي تصر على المعمودية وهذه إرادة الله لها، فماذا نكون نحن حجر عثرة في هذا السبيل؟ وقلنا للقس داود ما دمت متذهب بعد ظهر اليوم إلى أبت أباد فلماذا لا نرافقك كلنا إلى هناك ونعمل ترتيباتنا للمعمودية على أثر هذه الزيارة المنتظرة؟
    ورأينا أن هذه الفكرة مقبولة وهي الطريق الأمثل لحل مشكلة المعمودية فهرعت إلى منزلي وطلبت من ريشام أن تهئ لي بعض الملابس الأضافية التي قال كين أنني أحتاج إليها وخاصة بعض الملابس التي لا تتأثر بالماء. ولكني وسط كل هذه الترتيبات والاستعدادات شعرت بعدم الارتياح وأحسست أن الله لم يعد قريبا مني لأنه بطرق عديدة ومناسبات شتى ألح عليّ بأن أتعمد ولم التقاعس يا ترى؟! أليس هذا ما يريده الله مني؟!
    ولما لم يعد في وسعي التأجيل والانتظار أكثر قمت في يوم 24 يناير عام 1967 بمعمودية غير عادية. إذ طلبت من ريشام أن تملأ الحمام بالماء واستغربت الجارية هذا الطلب لأني لم أكن معتادة أن أخذ حماما في مثل ذلك الوقت. وصرفت ريشام عن الحمام وأقدمت على عملية ربما تسبب لي مشكلة لاهوتية لكني لم أفكر في القضايا اللاهوتية لأن رغبتي كانت أن أطيع الله وألبي هذه الحاجة الملحة التي دعا إليها الكتاب المقدس. وفكرت أن أعمد نفسي بنفسي إذ ربما تظهر عوائق تؤخر معموديتي الرسمية، ولم يعد في وسعي الانتظار إلى بعد الظهر. وكانت رغبتي العظمى ومنيتي الكبرى أن أظل قريبة من الله وأحظى بحضوره الدائم. ولن تتحقق لي هذه الأمنية إلا عن طريق إطاعة أوامر الله. لذلك دخلت غرفة الحمام وغطست جسمي في الإناء ووضعت يدي على رأسي وقلت: بلقيس, أعمدك باسم الأب والابن والروح القدس.
    ونهضت من الماء فرحة وطروبة وبدأت أسبح الله وأشكره. وفرحت لأن ذنوبي قد غسلت بالماء المقدس وأنني أصبحت مقبولة لدي الله. كيف لا والمسيح نفسه تعمد ورتب هذا السر لإتباعه. ولم أقل لريشام ماذا فعلت. وهي بدورها لم تسألني لأنها تعودت ألا تكون فضولية. وبعد مضي بعض الوقت كنت على استعداد لمرافقة المهندس كين إلى أبت أباد. ولم يؤنبني ضميري على ما فعلته بمخالفتي بعض المبادئ اللاهوتية إنما المهم عندي أن عملي كان سريعا ومستجيبا لإرادة الأب السماوي ومرويا لنفسي المتعطشة للمعمودية.
    أما الأخوة المسيحيون فكانوا يهتمون بعمل ترتيبات لعمادي الرسمي. وقلت في نفسي سأتركهم يعملون ما يريدون عمله أما أنا فقد فعلت ما طلبه الله مني. وحاولت أن أقرأ الكتاب المقدس لكن روحي كانت مغمورة بالفرح ولم أستطع حصر أفكاري عند ذاك. وتهللت نفسي لأني عدت أتمتع بمجد الله كعادتي. لأنني عندما أطيع الله وأجعل الكتاب المقدس رائدي أشعر بحضور الله وبنشوة علوية تنتابني.

    توقيع صوت صارخ :

    أنه مازال ينزف, من أجلى ومن أجلك



    مسيحيتنا فوق الزمان


    المشاركات: 9,333




















    رد: أقدر أقوله يا بويا


    وجاءت ريشام بالخبر بأن آل أولد قد حضروا وأخبرت محمود أنني سأكون متغيبة عن المنزل طوال بعد الظهر. وذهبت لألاقي كين وماري. ثم سافرنا معا إلى أبت أباد وكانت السفرة ساعتين بالسيارة. وشاهدنا أشجار الصنوبر والسرو تزين جانبي الطريق ولم نشعر بطول الطريق بسبب المناظر الجميلة والأحاديث الحلوة التي تجاذبناها. ولم أخبر آل أولد عن معموديتي في حمامي الخاص. لكني أخبرتهم أنني أنا السيدة العريقة في المجد. ربما ينبذني أبناء قومي ويضطروني لترك بلادي.


    وعندما وصلنا محجتنا كان القس ميتشل وزوجته ينتظراننا في مركز الإرسالية هناك. وقد رافقهما طبيب كندي باسم بوب وزوجته باس ماديتر. وكان برفقتهما رجل باكستاني هو القس باهادور وقد أنيط به أمر معموديتي. وقالت سينوف: هذا حدث نبوي يا سيدة بلقيس! وربما عن طريقك يجري تقارب بين الطوائف المسيحية المختلفة إذ لأول مرة يجري اجتماع لأفراد من طوائف مختلفة معمدانيين ومشيخيين واسقفيين لحضور حفل عماد مشترك. وبعد ذاك خيم على جو الغرفة صمت وهدوء إذ أغلقت الأبواب وأنزلت الستائر. وتصورت نفسي أحد المسيحيين الذين عاشوا في سراديب روما ومارسوا شعائرهم الدينية في الحفاء.


    وفيما نحن نستعد للمعمودية المقدسة سألت: أين جرن المعمودية؟ فأجاب كين: لا ضرورة للجرن لأن المعمودية ستكون بالرش لا بالتغطيس! لكني قلت: لكن المسيح تعمد بالتغطيس في نهر الأردن. وكنا قد اجتزنا في سفرتنا بأحد الأنهار قبل وصولنا مركز الإرسالية فقلت: لماذا لا تأخذوني إلى ذلك النهر. وتذكرت أن الدنيا باردة والطقس لم يكن مواتيا. لذلك لم أشدد على هذا الرأي. ولم أبال كيف سأعمد الآن لأن كنت مرتاحة البال إذ قد عمدت نفسي في غرفة الحمام بمنزلي.


    وتعمدت مرة ثانية بحضور الأخوة المؤمنين وقد جرى العماد بطريقة الرش. ولما انتهت المعمودية شاهدت الدموع تتساقط من أعين الكثيرين وقلت إن مثل هذا البكاء يا أخوتي لا يشجعني. ودنت مني سينوف وهنأتني وعانقتني وقالت: هذه دموع الفرح يا سيدة بلقيس! ثم رتلت لنا ترتيلة جميلة مناسبة. وقرأ كين فصلا من الكتاب المقدس. وعندما حان ميعاد العودة قفلنا راجعين وكانت السفرة مريحة وموفقة وشعرت أنني بين جماعة من الأخوة المسيحيين الغيورين.


    وعندما وصلنا منزلي استقبلتني المسئولة عن الخدم وقالت بصوت متهدج: لقد جاء نفر من أفراد عائلتك يسألون عند يا سيدتي! وسمعتهم يقولون أنك تحضرين اجتماعات المسيحيين وتعاشرين هؤلاء الأجانب الدخلاء. فأمرتها أن تتوقف عن هذا الكلام. ثم أخذت تذكر الذين حضروا وكانوا من الوجهاء في عائلتي بينهم أعمامي وعماتي وغيرهم من الأقارب الذي لا يقصدون زيارتي إلا إذا كان هناك أمر مهم. وغار قلبي في داخلي وملأ الرغب حنايا نفسي. وقلت ربما كان هؤلاء يضمرون شرا لي. وعندما حان موعد نومي انعزلت في عرفتي وتطلعت من نافذتي فوجدت أن الثلج قد توقف سقوطه وشاهدت معالم حديقتي التي أحببتها والطبيعة الجميلة التي من صنع الخالق في الخارج. وشعرت أن هذه المعالم حولي توحي لي بالراحة والسكينة لا سيما وأن بيتي هذا كان واحتي المفضلة والبقعة التي اخترتها للانعزال والوحدة.


    وسألت نفسي: هل يا ترى يظل هذا البيت لي؟ وهل أستطيع الاحتفاظ به؟ وقد نشأت وترعرعت في ارجائه وأحببته منذ نعومة أظفاري! وكنت حتى هذا التاريخ أشعر بالاطمئنان من حيث المسكن والمال والممتلكات والجاه والمكانة الاجتماعية. ولكن هذ أعوان الشر يكسرون عن أنيابهم وسوف يوجهون قواهم ليسلبوا كل ها مني. وكان أمني واستقراري نابع من نفوذ عائلتي. ولست أدري ما هو مصيري إذا كلهم بدأوا يقاومنني؟! لكن عدت فقلت: هذا كان أمر الله وأنا أطعت أوامر الأب السماوي! وتطلعت إلى ظلال الأشجار وهي تتماوج أمامي وأنا وافقة بالقرب من نافذتي فركعت وصليت وقلت: إلهي, لا تسمح لهذه الظلال أن تهبط عليّ فتشوه جمال حياتي وطمأنينيتها. وما كدت أنهي صلاتي هذه إذا بالباب يقرع وتجئ الجارية حاملة لي طردا وهي تقول: هذا الطرد جاءك الآن يا سيدتي! وما إن أزلت لفافته إلا وبكتاب مقدس جميل ومكتوب عليه هذه العبارة: إلى أختنا العزيزة فى عيد ميلادها. وقرأت التوقيع فإذا به كين وماري أولد.


    ومن شدة فرحي رفعت الكتاب إلى صدري وشكرت الله لوجود أمثال هؤلاء الأصدقاء الأوفياء والأخوة المسيحيين المؤمنين. وعندما بدأت أقلب صفحاته الكتاب وقع نظري على هذه العبارات: سأنشر كلام الله في أقاصي الأرض. وفعلا فإن السر الذي استغلق عليّ في بادئ الأمر تحقق. عندما انتشر كتاب الله في كل المسكونة.








    المشاركات: 9,333




















    رد: أقدر أقوله يا بويا


    استيقظت صباح الغد والخوف يغمرني لأني خشيت أن أفراد عائلتي لابد وأن يزوروني في ذلك اليوم إما مجتمعين أو أفرادا. وخفت من مجابهتهم ومن تهديداتهم وانذاراتهم ووعيدهم الصارخ لي. وفي الوقت ذاته أني أكره أن أسبب لأحدهم أي إزعاج أو أذى. وشككت بأن الله سوف يستجيب لطلباتي. ولبست أجمل ملابس وأخبرت البواب أنني على استعداد لاستقبال أي زائر في ذلك اليوم. وجلست على كرسي مغشي بالحرير الأبيض في غرفة الاستقبال استعدادا لقبول الزوار. وبدأت أقرأ بينما كان محمود يلعب قريبا مني بالعابة المتنوعة التي نثرها على السجادة الفارسية ذات النقوش البديعة التي كانت تفرض غرفة الاستقبال. ولما صار الظهر ولم يحضر أحد قلت في نفسي ربما كانوا يفكرون في زيارتي بعد الظهر. وبعد الغداء نام محمود أما أنا فبقيت أنتظر الزوار المرتقبين.


    وحدث أن وقفت سيارة عند مدخل الدار. وكنت أعدّ نفسي للمعركة. لكنها عادت فتابعت سيرها. فسألت الخادمة عن سر وقوف السيارة ثم متابعتها السير فأجابت: إن أشخاصا جلبوا بعض الأغراض للمنزل. وخيّم الظلام وهبط الليل ولم يحضر أحد. وامتلأت الغرفة بالظلام وخلتها أشباحا. وتطلعت إلى الساعة فإذا هي تشير إلى السابعة. وفجأة قرع جرس الهاتف، فقلت ربما بدلوا رأيهم واستعاضوا عن الزيارة بالمحادثة الهاتفية. وعندما أخذت السماعة فإذا المتكلم هو ماري أولد. وكان صوتها الناعم ممزوجا بالقلق. وعرفت أن خبر اهتدائي للمسيحية لابد وأن يكون قد انتشر وقدوم أقاربي أمس للزيارة لدليل على أنهم قد أطلعوا على مجريات الأمور. وسألت ماري إن كانت مرتاحة ولا شئ يعكر صفاءها لأني لمست في صوتها نغمة القلق وعدم الارتياح. فأكدت لي ماري أنه بخير وأنها رغبت في الاستفسار عن أحوالي ولا تودّ أن تتركني وحيدة. وبعد هذه المحادثة القصيرة تطلعت إلى الساعة وكانت تدل على الثالثة فقلت: لا يأتي أحد من أفراد عائلتي بعد هذا الوقت. وشعرت أنه بإمكاني ترك المنزل وزيارة عائلة أولد لمعرفة السبب الذي حمل ماري أن تحدثني وعما كان يقلقها.


    أخذت سيارتي وسرت إلى بيت المهندس كين. وعندما اقتربت من المنزل كان كل شئ مظلما وعندما وقفت عند المدخل شعرت بخوف يستخوذ عليّ. وموجة من الرد تغموني. فدلفت إلى مخيليتي أفكار قاتمة. وقلت لا تدل تصرفاتي على الحكمة إذ ليس من المناسب القيام بمثل هذه الزيارة تحت جنح الليل. وشاهدت على الأثر بين الظلال شيئا أسود رجف قلبي منه. وأردت الرجوع إلى السيارة لكني شجعت نفسي وقلت إن كنت من رعايا الملكوت السماوي فالملك السماوي لابد يحميني.


    وبقيت واقفة وسط الظلال مسلمة أمر حياتي لله الأب السماوي. وبدد خوفي تكراري لكلمة يسوع. إذ قلت يا يسوع يا يسوع! وحالما تفوهت بكلمة يسوع زال الخوف عني وشعرت نفسي بالتنفراج وقتل الآن أنا حرة!


    وتبسمت عندما دنوت من بيت المهندس أولد. وقد شاهدت نورا يشع من بين الستائر، تشجعت وقرعت الباب. وإذا بماري تفتحه ببطء وباحتراس. وعانقتني وأدخلتني البيت بسرعة ونادت زوجها وتنجت بانفراج. وعندما رآني المهندس شكر الله على سلامتي وقال: كنا قلقين عليك لأن القس الباكستاني بعد أن عمدك كان قلقا على سلامتك وقال: ليس من الحكمة أن نتركك وحدك. فعرفت عند ذاك سبب اضطراب ماري الذي بدأ على الهاتف. قلت: لابد وأن البلاد بأسرها ستعرف قريبا عن اعتناقي المسيحية لكن لا بأس فالله معي، وأنا أطعت أوامر سيدي. ونحمد الله لأنه لم يحدث حتى الآن شئ يعكر علينا صفاء الحياة حتى أن أحدا من أفراد عائلتي لم يزورني أو جاء ليعاقبني. وأشكر الله الذي استجاب صلاتي.


    وما هي إلا بضع دقائق حتى كنا الثلاثة جاثين رافعين صلاة الشكر لله لحمايته لي وضارعين إليه أن يستمر في مثل هذه الحماية. وبعد ذلك الاجتماع القصير بعائلة أولد رجعت إلى منزلي وأنا مزودة بنعمة الله. ولمست كيف أن ذكري للمسيح والاستنجاد به بدد الخوف عني. وعرفت من الخدام أن لا أحد جاء ليزورني أثناء غيابي حتى أن جرس الهاتف لم يدق. وذهبت إلى فراشي وأنا أردد الدعاء: لاحترس من الغد وليبعد الله الشر.



















    رد: أقدر أقوله يا بويا


    وفي اليوم التالي بقيت في غرفة الاستقبال أفكر بمصيري وأدرس الكتاب المقدس وأصلي إلى أبي السماوي ليحميني. وكثيرا ما رأنت مني التغاتة إلى نقوش السجادة العجمية البديعة فأخذت أتأمل في براعة النقش وجمال الصنعة. ولم يحضر أحد من أقاربي وقلت ربما في المسألة أمر خفي علي وحال دون قدوم أي من أقارب لزيارتي، خاصة أنهم لابد وأن يكونوا قد سمعوا عن أمر معموديتي. وقلت لأسالن بعض الخدم عن أقاربي. وفي الباكستان أن رمت استقصاء بعض الأسرار فاقصد جماعة الخدام لأنهم يعرفون كل كبيرة وصغيرة. وناديت نورجان وقلت لها: افيديني عن أخبار عائلتي وعن أخوتي وعماتي وأعمامي.


    أجابت بعد أن أصعدت قهقهة عصبية: الغريب أن جميعهم مشغولون في هذه الأيام. فأخوك سيذهب غدا إلى مسابقة في إحدى الألعاب وعمك فتح مضطر للذهاب ليؤدي شهادة خارج الولاية في إحدى المحاكم. أما عمتك أمينة فقد اضطرت أن تذهب إلى لاهور، وإثنان من أبناء عمك اضطرا لترك البلدة لأعمال خاصة بهما. فقلت في نفسي أن أخي يهتم بالألعاب أكثر من اهتمامه بمصير أخته، ويبدو أن لكل من هؤلاء الأقارب شاغلا يلهيه عني. وطلبت من نورجان بأن لا تستمر في سرد مثل هذه التفصيلات عن أفراد عائلتنا. وكأني كنت على مثل اليقين بأن أفراد عائلتي يريدون أن يتركوني وشأني. واتكلت على الله وسلمت أمور للمشيئة البانية.


    وشعرت أن أفراد عائلتي سيفدون عليّ الواحد تلو الآخر. وهكذا كان. أول زائرة لي كانت عمتي أمينة وهي في السبعين من عمرها. امتازت بجمالها الشرقي. وكونها عريقة المجد. ولسنين عديدة كانت بيننا علاقات ثقة متبادلة ومحبة مشتركة. وجاءت لزيارتي ووجهها شاحب اللون، وعيناها ذابلتان من الحزن. وجلسنا لنتبادل أطراف الحديث وقد تلمست السر في زيارتها لي الآن. وتركتها لتبدأ بالحديث. فأخذت تعاتبني بكلمات متقطعة وبصوت متهدج وأول ما قالته: سمعت يا بلقيس أنك أصبحت مسيحية. فهل هذا صحيح؟ فابتسمت لها. لكنها غيرت جلستها على الكرسي واستمرت في العتاب فقالت: ظننت أن الناس ينقلون أخبارا غير صحيحة عنك! وحدجتني بنظرات فاحصة لترى إن كان كلامها صحيحا.


    أجبتها: ما يقوله أناس عني ليس كذبا. فأنا قد سلمت نفسي ليسوع. وأنا قد تعمدت بالماء وبالروح. وقد غدوت مسيحية يا عمتي لأن هذه هي إرادة الله لي. فضربت عمتي يديها على خديها وقالت: ما أفظعها من غلطة يا بلقيس! ثم جلست برهة هادئة وكأن الكلام أتعصى عليها. وما هي إلا لحظات حتى كانت تلف عنقها بالشال المزركش وتقف كالصنم المتجمد وتخرج من البيت بحزن وكابة. وشعرت بأنني سحقت غما لكنني طلبت من الله أن يحميها ن كل أذية وصليت من أجلها.


    عرفت أن الله سيسمع صلاتي من أجل أفراد عائلتي وألا لكنت تركتهم ولا أبال بهم وبمن أحب منهم وقلت في صلاتي: ليت هؤلاء يعرفونك يا إلهي كما عرفتك أنا والشئ المثالي أن تسمح لكل فرد منهم أن يأتي إليك ويسلّم قيادة حياته لك. وأنا أدرك أنك تحبهم رغم أنهم لا يغيرون دينهم وأني أضرع إليك أيها الإله الرحيم أن تشمل كل واحد من هؤلاء الأقارب ببركاتك وتغمرهم بنعمتك ومحبتك وبتدئا بعمتي أمينة. وشكرا لك يا إلهي.


    ورفعت مثل هذه الصلاة في اليوم التالي وكانت مخصصة من أجل ابن عمي إسلام. وكان محاميا وفي مقتبل العمر ويسكن في بلدة تبعد 45 ميلا من واه. وكان هذا القريب قد ورث عن عمي بعض الصفات التي تميز عائلتنا. فالابتسامة العريضة لن تفارق شفتيه والنكتة الجميلة واللطيفة تطرب سامعيه ومحدثيه. وكان إسلام عزيز لديّ ومحبب إلي. وقد جاء ليزورني الآن ومن هيئته تلمست أنه لا يعرف التفاصيل عن أمر اهتدائي. وبعد أن تبادلنا بعض الأحاديث الودية واستعدنا بعض الذكريات عن أمجاد عائلتنا قال: هل تعرفين يا بلقيس متى يكون اجتماع العائلة العام الذي اعتدناه كل عام؟ لأني سوف أعرج عليك وأنقلك معي في سيارتي. أجبت: ليس لي علم عن ميعاد هذا الاجتماع. وغصصت بضحكة خفية لأني تنسمت أنني سوف لا أحضر هذا الاجتماع لأنه سيكون مخصصا بأمر ارتدادي.


    ورغبت أن أصارح إسلام بما جرى. وأطلعته على أمر قبولي المسيحية دينا لي. وطلبت منه ألا يضطرب. وقلت له: إذا ما حظيت أيها الأخ الكريم إلى اجتماع العائلة فقل كلمة خير بحقي. ولاحظته وهو يترك منزلي أنه حزين وأدركت أن الذروة باتت وشيكة وقلت الأفضل أن أتوجه إلى لاهور وراولبندي في أقرب وقت ممكن خشية أن يشوه الناس الحقائق عني، وتسمع بذلك ابنتي توتي وابني خالد. وما أكثر القصص التي ستحوكها ألسن العامة حولي! أما ابنتي خالد فكانت في أفريقيا ومن المتعذر زيارتها أو الاتصال بها، بيد أنه في ميسوري الآن مقابلة ابني وابنتي.

































    رد: أقدر أقوله يا بويا


    توجهت في اليوم الثاني إلى لاهور حيث يقيم ابني خالد. وكان قد نجح في عمله التجاري مما شجعه أن يبني له بيتا جميلا محاطا بشرفات مطلة على الحديقة والمرجة الخضراء المحيطة بالبيت. وكنت قد أخبرته هاتفيا برغبتي بزيارته، ولذلك عندما وصلت مدخل الدار أوقفت سيارتي ومن هناك توجهنا نحو الشرفة المطلة على المدخل. وحالما رآني خالد هب لاستقبالي. وقال: إني سعيد يا أماه أن أراك! وطوال بعد ظهر ذلك اليوم أطلعته على كل ما جرى لي. وشعرت أنه لم يدرك ما كان يجول في أعماق نفسي وما يتردد في خاطري.


    وكان لابد لي من أن أزور ابنتي توني التي تعمل طبيبة في أحد مستشفيات راولبندي. وفكرت كيف أفاتحها في مسألة اعتناقي المسيحية. لأنها لابد وأن تكون قد سمعت أخبارا غريبة عن هذا. وكانت توني تعرف أن أمها تطالع الكتاب المقدس لأنها لابد وأن تكون قد سمعت هذا من زميلتها سنتياغو لدي زيارتي للمستشفى لمعالجة أذن حفيدي محمود. ولكن توني لم تكن لتدرك التأثير الكبير الذي تركه حديث الطبيبة الراهبة في نفسي، وأثره على تغيير مجري حياتي. وهي التي شجعتني أن أصلي دائما لأبي السماوي وأطلب إرشاده وهدايته.


    ولما شاهدتني توني من بعيد صرخت: أماه! أماه! ودهشت عندما شاهدتها تدنو مني وهي لا تلبس لباس الطبيبة. وبأن شعرها الكستنائي الذي كان مغطي بالقبعة المقواة. ومدت ذراعيها لتعانقني واحترت كيف أفاجئها في أمر قضيتي. وأخذ قلبي يزداد في الخفقان والنبض يسوع، وفكرت بطريقة لطيفة خشية أن ينفجر الضغط ويؤذيها. وقلت لها: استعدي يا توني لسماع المفاجأة التي سأطلعك عليها. فأنا قبل يومين قد تعمدت.


    وجمدت توني في مكانها وبقي ذراعاها ممدودين وبانت عينيها وهي تذرف الدموع. وتأوهت بصوت خافت وممزوجا بالبكاء بحيث لا يقدر أحد أن يسمعه لطالما ظننت أن هذه ستكون النهاية، أنك ستتركين دينك وتعتنقين المسيحية. وحاولت أن أهدئ من روعها ولكن بدون جدوى. وقالت: ما دمت لست في الوظيفة الآن فلأذهب معك إلى شقتي، ونفكر في هذه المسألة. ولما دخلنا غرفتها دق جرس الهاتف وكانت المتكلمة نينا وهي قريبة لي تعيش في تلك البلدة وقد رغبت نينا الاستفسار إذا كان ما سمعته عن أم توني حقيقي. فأجبتها توني إن ما سمعته عن أمي صحيح. والقت توني سماعة الهاتف وهي مضطربة ومرتبكة. فقلت لأتركها تجمع أفكارها ولأعطيها بعض الوقت لتستعيد صفاءها. ولأجل هذا استعددت لمغادرة البلدة والعودة إلى واه. وودعت توني وقلت لها: زورني كلما شعرت أنك قادرة على ذلك وسوف نتحدث مطولا في هذه القضية.


    وعدت إلى منزلي وحالما وصلت البيت تجمع الخدم حولي ورأيت ريشام ممتقعة اللون ونورجان تفرك يديها من شدة الاضطراب. وقالت لي: طوال غيابك وجرس الهاتف يدق، وأقاربك يفدون لزيارتك. وما إن أتمت حديثها حتى قرع جرس الهاتف وكان المتكلم في هذه المرة هو جميل زوج أختي وكان يشتغل مع شركة زيت إنكليزية. وقال: يا بلقيس سمعت شيئا غريبا عنك لم أستطع تصديقه فقد أخبرني أحد زملائي أنك غدوت مسيحية. وقد هزئت منه وسخرت من كلامه لأني لا أصدق مثل هذا الكلام عنك! وكانت كلماته تجئ بسرعة فلم أستطع الإجابة عليها. وعندما توقف عن الحديث وكنت أظنه أكثر اختبارا في شؤون الدنيا قلت له: نعم إن القصة صحيحة وما سمعته هو الواقع. وخيم صمت لمدة ثم قال جميل: إنك فقدت أكثر مما تدركين. إنك فقدت أعزاءك والقي سماعة التلفون وانقطع الحديث.


    قلت في نفسي: لم كل هذه الضجة! هل لمجرد اختلاف في وجهة نظراتنا لقضية دينية؟!























    رد: أقدر أقوله يا بويا


    وبعد عشرة دقائق حدثتني توني بالهاتف وقالت: لقد أخبرني العم نواز بأن والد محمود يفكر في أخذ الصبي لأن لا محكمة تسمح لك بالاحتفاظ بالولد بعد تركك الإسلام. وأخذت تذرف الدموع وتجهش في البكاء وحاولت تعزيتها لكنها ظلت تبكي من شدة الحزن. وفي مساء ذلك اليوم وفيما كنت أتناول طعام العشاء مع محمود جاءت توني لتزورني مع بعض القريبات. وكانت وجوه الزائرات مصفرة وعيونهن ملأي بالدموع. وطلبت منهن أن يشاركنني طعام العشاء لكنهن اعتذرن بأنهم قد تعشين. وسررت أن أرى توني وابنتي أختي يفدن ليزارتي. وبعد أن تركنا محمود ليلهو بلعبه بدأت الزائرات بالمعاتبة. قالت ابنة أختي: أتدركين مغبة ما عملتيه؟ وماذا يعني هذا لبقية الناس؟ ومددت يدي لأمسك بيدها وقلت: ليس لي ثمة سبيل أيتها العزيزة سوى أن أطيع! وتطلعت توني إليّ بعينين دامعتين وقد رجتني أن أبرح واه وأترك منزلي. وختمت رجاءها بقولها: أتركي هذا المكان ما دام هناك أحد يستطيع مساعدتك؟ أتركيه لأنك سوف تهاجمين؟ هكذا يقول الناس. وقد يجبر أخوك على أخذ أجراء حاسم ضدك. ثم أخذت تجهش بالبكاء.


    أجبت برفق: أنا آسفة يا توني. أنا لا أريد الهرب لأن إذا هربت الآن فسأظل مشردة طوال حياتي. واستحوذ عليّ إحساس فائق من قوة التصميم. وقلت: إنها مشيئة الله وهو قادر أن يعتني بي بسهولة في بيت! وما دام الله معي فلن يستطيع أحد طردي من منزلي. وجلست على الكرسي لأحافظ على اتزاني، وشعرت أن رواية تمثل أمامي وختمت قولي هاتفة دعوهم يأتوا ليهاجموني لأن الله معي! وشعرت بإحساس فائق من التصميم ويستحوذ على مشاعري، وكان حضور الله الدافئ الهادئ قد ابتعد عني. وبقيت مضطربة ولم أسمع الأصوات حولي لكنني تحققت بما سيحدث وتصورت العواقب التي ستنجم عن اعتناقي المسيحية واقترابي من الأب السماوي. واستعدت كبريائي وعنادي وشخصيتي المعهودة وجاهرت بتصميمي أن لا أحد يستطيع طردي من بيتي!


    وأردفت توني تقول: إذا أنت أصبحت مسيحية يا ماما! لكنه ليس من الضروري أن تصبحي شهيدة مسيحية! وركعت قرب الكرسي الذي كنت أجلس عليه ووضعت رأسها على كتفي وقالت: ألا تدركين يا أماه أننا نحبك ونسعى لراحتك ولسلامتك! ولمست شعرها الناعم وقلت: إني أشعر بذلك ن أعماق قلبي. وطلبت الغفران من ربي لأنني استسلمت لعواطفي ثم قلت: إني أسلم أمري لربي. وحيثما شاءت مشيئته السماوية أن أهذب. فإذا شاء أبي السماوي أن أترك البيت تركته. وعلى الأثر شعرت بحضور الله. وكأن روحه تدفق عليّ وتغمرني فتقوت عزيمتي وتعمق إيماني وزاد ثباتي.


    ولم تستغرق هذه المحادث مع توني وابنتي أختي أكثر من بضع دقائق ورغم أن الزائرات استمررت بالحديث لكني أخذت أشعر أن الحياة أخذت تسير في ناحية ثانية وعلى مستوى آخر. إذ إنني الآن مسلمة أموري لله، فهو الذي يهديني ويقود دفة حياتي. وقبل أن تغادر توني البيت قالت: إذا جاء والد محمود يطلب أخذ الصبي فأرجوك يا أمام ألا تعطيه إياه. فأنا أحق به لأنني لم أغير ديني وأنا أمه الشرعية. وشعرت أن توني وابنتي أختي كن قلقات عليّ، وغدوت أنا بدوري قلقة عليهن ولا أروم لهن الارتباك والاضطراب وصليت إلى الله قائلة: من الصعب أن أتكلم لشخص لا يعرف الأب السماوي حقيقة. ومن ليس له إيمان وطيد بك فساعد يا إلهي أفراد عائلتي ليعرفوك على حقيقتك وأنك أبو الجميع. وهدئ قلقهم لأنني أنا قلقة عليهم.


    واستسلمت لنوم هادئ شعرت فيه أن جسمي يحمل على أجنحة الأثير. وما عتمت أن وجدت نفسي أقف قرب منحدر مكسو بالعشب الأخضر ومحاط بشجر الصنوبر العالي وعلى مقربة مني شاهدت نبع ماء يسيل بمائه العذب. وفوق ذلك المنحدر ترفرف الملائكة وكأنهم كتلة من الضباب وشعلة من النور. وسمعت كلمة ميخائيل تردد على الأفواه. وزودني منظر الملائكة بشجاعة وهتافهم باسم القديس ميخائيل بقوة دافقة. وعلى الأثر نهضت من نومي وتوجهت إلى غرفة محمود وأشرت للملاك أن يحرس محمودا بظل جناحية ثم عدت إلى فراشي وركعت لأصلي لإلهي ومما قلته في صلاتي: لقد أريتني يا إلهي أجوبة عديدة لمشكلتي فأرشدني إلى أي شئ تريد وعرفني مصير محمود لأنني لا أستطيع العيش بدونه. أرشدني إلى الطريق الذي يجب أن أسلكه, وأنا مسلمة أموري إليك.


    وشعرت في تلك اللحظة أنه من الضروري الرجوع إلى كلمة الله، وفتحت الكتاب المقدس ووقع نظري على بعض الآيات من سفر التكوين وكان قول الله بإبراهيم: لا تمد يدك إلى الغلام ولا تفعل به شيئا (تكوين 12:22). فشكرت الله الذي أراني إرادته في هذه الآيات. وأعطاني الجواب المفيد. وأكدت لتوني بأن لا شئ سيحدث لمحمود، وأشرت إلى الآية التي أعطتني الجواب، وإلى جواب الله لي. ولست أدري ماذا كان رد الفعل عندها وهل هي صدقت ما قلته لها من كلام الله، وهل لمسها روح الله فآمنت بما قلته لها، لكنها اطمأنت وشاهدت الابتسامة تعلو محياها لأول مرة بعد ذلك القلق الذي استحوذ عليها خلال اليومين السابقين.


    وظل تدفق الأصدقاء لزيارتي يستمر. وذات يوم جاءت ريشام لتقول لي أن هناك سبعة أشخاص هم من أعز الأصدقاء يرومون مقابلتك. وأحببت أن أقابلهم ومحمود بالقرب مني، فاصطحبته إلى الطابق السفلي حيث قابلتهم ورغبت أن يعرف محمود ما يجري في تلك المقابلات. وأجلست كل من هؤلاء الأصدقاء على كريس بشكل دائرة حولي. وقال أحدهم الذي كنت أعرفه منذ أيام صغري: نحن نحبك يا بلقيس، وكلنا مشغول البال بما عملته. لكن لدينا اقتراح قد يكون مفيدا لك. وأنحني برقة تجاهي وقال بصوت منخفض: ما رأيك أن تبقي مسيحيتك سرا ولا تعلينها جهارا! قلت أتريدون مني أن أحتفظ بإيماني الجديد في خفاء؟ هذا لن يكون لأن معناه خداع ومداهنة مع الله. فأنا أجاهر بإيماني القويم وأن استدعت الأمور إن أموت فدعوني أموت صادقة وأمنية وأذهب شهيدة الإيمان بالله.



























    رد: أقدر أقوله يا بويا


    وأقترب الأصدقاء والأقارب مني وكان أحدهم صديقا لوالدي فحدجني بنظرة عتاب وقال: الجميع مهتم بمصلحتك ومسألتك يا بلقيس نمس جوارح قلوبهم. وامسكت نفسي وملكت عواطفي وقلت: يظهر أنه يتعذر عليّ أن أفعل ما ترغبون. فإيماني آخذ بالنمو بسرعة فائقة وهي مدة لا تزيد عن الشهر أصبح هذا الإيمان أهم شئ في حياتي. وابتسمت واقتبست لهم بعض الآيات من كلمة الله كان أبرزها ما ورد في إنجيل متى قول المسيح: كل ما يعترف بي قدام الناس أعترف أنا أيضا به قدام أبي الذي في السماوات ولكن من ينكرني قدام الناس أنكره أنا أيضا قدام أبي الذي في السماوات (متى 32:10-33).


    وقال رجل مسن آخر من بيت أولئك الزائرين: أنت يا بلقيس في وضع خاص وفي الوسع أن تشذ حالتك عن غيرك، والله لن يهتم إن كنت تؤمنين به جهارا أو سرا. وإذا لم تعلني مسيحيتك فهو يعلم أنك تؤمنين به. وأخذ يقتبس لي آيات قرآنية لإثبات نظريته وليؤثر عليّ بعدم إعلان مسيحيتي جهارًا.


    وابتسمت قليلا في حين أن الزوار كانوا عابسين وأخيرًا عرفوا أن حديثهم لن يؤدي إلى نتيجة إيجابية. وعندما نهضوا ليتركوا البيت وجهوا لي إنذارا مضمونه إذا وقعت يا بلقيس في مشكلة فتأكدي أن لا أحد من عائلتك أو أصدقائك سيقف بجانبك أو يهب لنجدتك. بيد أنني هززت برأسي إشارة إلى أني فهمت ما يريدون أن يقول لي. وكنت قد تمنيت لو تركت محمود يلعب في الحديقة كيلا يسمع مثل هذه الأحاديث والتهديدات. ولما تطلعت إليه وهو يجلس على كرسيه الصغير أخذ يبتسم وكأن لسان حاله يقول: لا تهتمي فكل شئ سيغدو حسنًا. وقد لاحظت بعض الأقارب عيونهم تتغرف بالدموع. وكانت إحداهن صديقة حميمة لوالدتي فاقتربت مني وقبلتني وشددت على قبول النصحة بأن أبقي اعتناقي للمسيحية أمرًا سريًا. ثم أجهشت بالبكاء وتركتني مع جملة الزائرين وباقي الأصدقاء.


    وبعد أن ترك هؤلاء السبعة البيت غدا المكان شبه القبر حتى أن ضجة محمود الاعتيادية هدأت. ولمدة ثلاثة أسابيع لم يسمع ضجة في البيت ولا أصوات غريبة. ولولا اجتماعاتي مع آل ميتشل وآل والد وحضوري الاجتماعات الأحدية المنتظمة للعبادة لشملتني وحشة عارمة واستحوذ جمود على حياتي. وأخذت معركة العائلة تتراءى لي بوضوح يوما بعد يوم. وقد لمست ذلك في نظرات ابن عمي الذي شاهدته في السوق في أحد الأيام. كذلك تطلعت ابنة أختي إليّ بجفاء وهي تسير في شوارع راولبندي عندما كنت في تلك مدينة. ولمسته في رفض عمتي الدعوة لحضور حفلة غداء عندي.


    أجل لقد خالفت روابط الدم والقرابة. ولم أستطع الآن أن أسمع شيئا من أقاربي لأنهم قاطعوني. حتى إن الخدام في منزلي هدأت ضجتهم. وغدوا جديين وعابسين وهم يروحون ويجيئون في جنبات الدار. وما كانوا ليكلموني إلا في أمور الشغل رسمية. وذات يوم ظهرت هذه المقاطعة بشكل غريب إذ دخلت نورجان غرفتي لترتب أدوات زينتي، وعقبتها ريشام التي بدت مقطبة وعابسة، ولم تنطق إحداهما ببنة شفه. فانزعجت من صمتها لأني انتظرت منهما بعض الحديث عن أحوال البيت. وتحمست وقلت: يبدو أن هناك شيئا خاطئا فافيداني عنه؟ فقالت نورجان: إن جميع الخدام المسيحيين من بينهم منصور قد تركوا الخدمة في هذا البيت باستئناء ريشام. إنهم هربوا في منتصف الليل وتحت جنح الظلام وتركونا بدون سابق إنذار.









    تاريخ التسجيل: Aug 2007














    رد: أقدر أقوله يا بويا


    ماذا تعنى مثل هذه المقاطعة لي؟ أولا أن أربعة من خدامي تركوني، وفي بلدة مثل واه حيث الأعمال محدودة، وحيث أنه من المتعذر الحصور على وظيفة جديدة بسهورة، فقرارهم بتركي لم أستطع تعليله. وفكرت أن ذلك لابد وأن يكون نتيجة الخوف. فمنصور خاف لأني طلبت منه مرة أن يدبر لي كتابا مقدسا، كما أنه ساقني في بعض الأحيان بالسيارة إلى بيت المرسل ميتشل. وقد يكون الثلاثة الآخرون من الخدام المسيحيين قد حذوا حذوه، وتركوني خوفا من بعض العواقب المنتظرة. ولابد وأنهم سمعوا بالبركان الذي يتأجج ويستعد للثوران.


    وتساءلت لماذا لم تترك ريشام عملها، وهي مسيحية مثلهم. وكانت قد حضرت لتمشط شعري وتقوم بخدمتي الصباحية، وسألتها وهي تمشط شعري ما هو موقفك تجاه عملك معي؟ فعضت شفتيها وقالت بصوت خافت: ربما يكون من الأنسب لي أنا أيضا أن أترك الخدمة عندك يا سيدتي! لأني أشعر بأنني وحيدة وليس ثمة أحد يستطيع أن يحميني. وقلت لها أنا لا ألومك يا ريشام إنما عليك أن تقرري ذلك. وكوني حكيمة وتذكري قول المسيح أن كثيرين من اتباعه يضطهدون من أجل اسمه! وطأطأت ريشام رأسها وعيناها تدمعان وقالت: أنا أعلم ذلك يقينا. وظلت طوال ذلك اليوم واجمة حتى أن زميلتها نورجان تأثرت من حالها وكأن أمرها يهمها كثيرًا.


    وفي اليوم التالي لم أقرع الجرس في الصباح كعادتي لأني توسمت ألا يكون أحد من الخدام قد بقي في خدمتي. وتراءى لي شبح ريشام قريبا مني رغم أن الصباح في موسم الشتاء يكون قاتما، فشكرتها على بقائها، واستحسنت منها أخذ قرارها بالبقاء. وسمعتها تقول: كما أنك تخدمين الرب أنا أخدمه! وبعد أن ترك باقي الخدام المسيحيين الشغل عندي أصبح البيت هادئا، ولم أعين بدلا منهم. قررا أن لا أعين خداما من المسيحيين خشية أن يقع عليهم اضطهاد. لذلك استخدمت سائقا مسلمًا باسم فايز بدل منصور، ومعاون للطاهي وكان مسلمًا أيضا واقتصرت على هؤلاء إذ لم تعد لي ثمة حاجة لغيرهم.


    وأخذت أتسلى مع محمود، وأفرح عندما أراه يلعب في الحديقة أو في المنزل. وشجعته على دعوة رفاقه من البلدة ليزوروه، ففرح محمود بذلك، وكان أكثرهم أكبر سنا منه لأن محمود لم يتخط الخمس أعوام من العمر. وكنت أشاهد أولئك الصبية وهم يلعبون وأسر عندما أرى محمود يتسلم أمر قيادتهم. ويظهر أن دماء القيادة كانت تجري في عروقه لأنه ورثها عن أسرته التي اشتهرت بالقيادة منذ سبعة قرون.


    وذات يوم سألني محمود متى سيجئ ابن عمه كريم ليصطاد السمك، وكان كريم قد وعد محمود أن يعلمه صيد الأسماك، لا سيما تلك الأسماك التي كانت تعيش في الغدير الذي يجري وسط حدائق منزلنا. وتطلعت إلى محمود وعيناه تلمعان من الفرح المنتظر لكني لم أتجاسر أن أقول له أن حفلات صيد الأسماك قد ذهب زمانها ولن تعود مرة ثانية.


    لم يكن محمود في ذلك الوقت يدرك خطورة كوني اعتنقت المسيحية، ولا كان قد اقترب من الإيمان المسيحي رغم أني كنت أقرأ له بعض القصص من الكتاب المقدس. وكان يحب سماع مثل هذه القصص فقربت سريره من فراشي، ليكون معنا وقتا كافيا لسماع هذه القصص. لكن ما علاقة هذه القصص وعدم مجئ كريم لصيد السمك، أو ما علاقة قراءتي الكتاب المقدس وعدم مجئ الأقارب والأصدقاء ليزوروني؟ ولم يعد رفاق محمود يفدون عليه كعادتهم. فلم يفهم محمود معنى هذه المقاطعة وسألني ذات يوم: من تحبين أكثر يسوع أم أنا؟ واحترت بما أجيب لا سيما وأنه بدأ يشعر بالوحدة لكني تجاسرت وقلت: يجب أن يكون الله فى المقام الأول في الحياة. وقد قال المسيح من أحب أبا أو أما أكثر مني فهو ليس من إتباعي. فالله يجب أن نضعه في رأس قائمة حياتنا، ونعطيه المقام الأول في شتى مجاري حياتنا ونحبه أكثر من أقرب المقربين إلينا. واقتنع محمود بهذا الجواب وكثيرا ما كان يصغي بانتباه إلى ما أقرأه على مسامعه من الكتاب المقدس.


    ويوما وأنا أقرأ له قول يسوع: تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم، ردد بهدوء على مسمعي، أنا أحبك يا يسوع وأنا أريد أن أتبعك. لكن لا تهبني راحة لأني لا أحب الراحة، وكتف يديه وأخذ يصلي. وأعجبت بهذا الفتى الناشئ كيف أثرت كلمة الله عليه، وقد كان صعبا عليه أن يكون منعزلا عن الناس أو أن يراني متوحدة ويقاطعني أعز أقاربي وأصدقائي.


    والغريب أن جرس الهاتف أخذ يتوقف عن القرع. وفوجئت ذات يوم في الساعة الثنية بعد منتصف الليل أن دق الجرس. ولما أخذت سماعة الهاتف وإذا بشخص يتنفس عميقا وينفس بكلمات لاذعة، ويكرر القول: يا كافرة! يا كافرة!


    وعلى الأثر سكت المتكلم وصمت الهاتف، فعدت إلى فراشي وقلت في نفسي قد يكون المتكلم أحد المتعصبين الذين أنذرني عمي بهم. وصرخت يا إلهي أنا لا أبالي بالموت في سبيل إيماني القويم. غير أنني جبانه ولا أستطيع تحمل الآلام والإنذارات والتهديدات فقوي عزيمتي يا أبي السماوي! وفاضت عيناي بالدموع لأن أحسست أنني لست من الأبطال الشهداء لكن عليّ أن أسير مع ربي وأتحمل كل ما يقع عليّ من قسوة واضطهاد وأسمو على كل ألم وحزن.







    08

    المشاركات: 9,333



















    رد: أقدر أقوله يا بويا


    وما أسرع ما توالت عليّ بعض الرسائل بلا توقيع وكلها تهديدات وإنذارات، ومما أكثر ما سمعت منهم قولهم يا كافرة ومرتدة وأن ما ينتظرني من قسوة وعقاب سيكون عظيمًا. ووقفت في حديقتي أحد أيام الصيف من عام 1967 أحمل إحدى رسائل التهديد بيدي وكانت شديدة اللهجة إذ نعتوني بالكافرة والمحتالة، وأن من واجب المؤمنين الحقيقيين أن ينبذوني ويطرحوني في النار ويحرقوني. فأنا مثل العضو المريض الذي يبتر عن جسم الإنسان ويطرح مع النفايات. وأخذت أفكر بهذه العبارات وأنا أحمل بقايا الرسالة المملوءة بالتهديدات. وكانت جذور الريحان وبصلات الزنبق قد بدأت تنمو، وتشق طريقها لنور الشمس، وكان كل ما في حديقة يستعد لاستقبال الصيف، وأثماره اليانعة. وها هو السفرجل قد أينع وتساقطت الأوراق البيضاء عن نوار الأجاص. وقلت ما أحلى هذا الميراث الطبيعي! وما أجمل هذه الطبيعة الخيرة! وتطلعت إلى منزلي وقلت: وهل يموت هذا البيت الذي أفنيت سني حياتي في إرجائه؟ وماذا يكون مصير هذه الممتلكات إن هم أحرقوا سيدة القصر وصاحبة هذه الممتلكات؟ وهل أنا قادرة أن أحمي ثروتي وأحافظ على مركزي؟ وفي غمرة تأملاتي جاءني أحد الخدام يعلن عن قدوم أحد الزوار.


    إنه عامر, ولقد شاهدت سيارته تقف عند مدخل الدار وكان قلبي قد قفز من مكانه لأن هذا القائد كان صديقا حميما لي في الحرب العالمية الثانية. وكنت أعمل تحت قيادته والآن هو من أعظم القواد في الجيش الباكستاني. وبقيت على اتصال معه كل الأوقات الماضية، لا سيما عندما كان زوجي وزير الداخلية. وفكرت في نفسي هل جاء هذا القائد أيضا ليعاتبني وليلومني؟


    وسمعت وقع خطواته وهو يقترب مني قي الحديقة وكان يرتدي بلدة عسكرية، وحذاء طويلا من الجلد. ولما اقترب مني تناول يدي وانحني قليلا وقبلها. وخف اضطرابي لأني أدركت أن مهمته لم تكن لمجابهتي ومقاومتي وتطلع إلي بعينيه السوداوين اللامعتين وكقائد تعود إصدار الأوامر والاختصار في الأحاديث تناول قضيتي بدون آف ودوران وقال: أصحيح يا بلقيس ما يقوله الناس عنك؟ أجبت نعم. قال: وماذا حملك على ترك دينك واعتناقك المسيحية. إنك بعملك هذا قد وضعت نفسك في وضع خطير وفي وموقف خطر. وسمعت كثيرا من الإشاعات أن عددا من المتعصبين الذين يخططون لقتلك! تطلعت إليه بهدوء وهو يجلس على كرسي في الحديقة واستمر قائلا: أنت تعرفين أنني بمثابة الأخ لك. قلت: هذا أملي فيك. وأضاف القائد: كأخ أشعر أنني ملزم بحمايتك. قلت: آمل ذلك. وتابع القائد عامر يقول: تذكري أن بيتي مفتوح دائما ليرحب بك. وكانت هذه أول عبار مشبعة بالعطف والمحبة أسمعها من أقربائي. واستمر يقول: لكن شيئا واحدا يجب أن تعرفيه وهذا الطلب هو مسألة شخصية إذ لا أقدر أن أعمل الشئ الكثير لأن مجال العمل محدود. واقتطف زهرة ونقية مثل هذه الزهرة. ثم تناول يدي ومشينا قليلا على الشرفة ثم دخلنا البيت. وفيما نحن نسير قلت له: لا تتصور أنها كانت سهلة علي! أجاب بحزم وإيجاز: لست أعتقد أنها ستزداد سهولة بل سوف تتعقد أكثر فأكثر.


    وفي غرفة الاستقبال جلسنا لتناول الشاي معا. فسأل بابتسام وبتفحص: لماذا فعلت يا بلقيس مثل هذا العمل؟ فأخبرته بالذي جرى لي، وكنت أراقبه وهن يصغي بانتباه إلى أقوالي وعلق عليها بقوله. إنه لأمر عجيب وغريب! وحاولت إبداء شهادتي للمسيح أمامه ونقل البشارة إليه بطريقة غير شعورية لكني أشك إذا كنت قد استطعت أن أؤثر على هذا القائد أو استمالته للمسيح. وعندما أراد أن يودعني قبّل يدي وهو يضغط على شفتيه ويقول: تذكري يا بلقيس أنني مستعد لعمل ما أقدر عليه كصديق. وسأهب لمساعدتك عندما تحتاجين إلي! وأدار وجهه للباب، وضرب الأرض بحذائه الجلدي وقصد سيارة القيادة التي كانت بانتظاره عند المدخل. وتركني في تلك الامسية وحيدة بعد أن أنهى زيارته الفردية القصيرة لي. وقلت في نفسي: هل أراه مرة ثانية يا ترى؟


    ولأول مرة طوال مدة المقاطعة، وتوارد الرسائل الخالية من التوقيع وسماع شتى الإنذارات والتهديدات من الأصدقاء القدماء تعلمت أن أعيش للوقت الحاضر وتدبير أموري ساعة تلو الأخرى. والغريب أني تجردت عن القلق والاضطراب لأني كنت مسلمة أموري لأبي السماوي ومنتظرة ماذا يريد هذا السيد أن يعمل لي، وما هو مرتب لأمور حياتي. وكنت أقول لنفسي دائما إن كانت هذه مشيئته فعليّ أن أنتظر الخطوة بحضوره الإلهي. وما أجمل إن كان هذا الإله يتراءى لي وسط الشدائد والنكبات. وهذا هو السر الذي اهتديت إليه للحصول على سكينة النفس وراحة البال أ، أتمتع بالعيش بصحبة هذا الأب السماوي. وتأكدت أنه مهما حدث لي من صعوبات، وما يجابهني من اظطهادان فأنا في أمان ما دمت أحصل على حضوره الإلهي وأحظى بوجود الله قربي.


    ولما ازداد الضغط العائلي عليّ واشتدت المقاطعة من أصدقائي وأقاربي فكرت بالملك داود وهو هارب من وجه ابنه أبشالوم. وفي غمرة حزنه واضطرابه تعزى بكلمات المزمور التي دونها في المزمور الثالث والعدد الثالث: أما أنت يا رب فترس لي. مجدي ورافع رأسي. وهذا المجد الذي أشار إليه المرنم هو فرح السماء، وبركات الله، وسعادة القديسين المعذبين. والغريب أنه حتى ذلك الوقت اقتصر الضغط الموجه إلي من عائلتي على المقاطعة. فجميعهم قاطعني حتى أصدقائي القدماء قاطعوني. وكنت أشاهد الناس في الأسواق يحدجوني بنظرات ساخرة، كما أنني حرمت من حضور أي اجتماع عام أو حفلات عائلية في مناسبات أعياد الميلاد أو الزواج أو الوفاة. وعندما كنت أفكر في مثل هذه الوحدة التي فرضتها علي هذه المقاطعة الشاملة كنت أشعر أن مجد الله توارى عني، وحضوره الاسنى ابتعد عني. وكانت أفكاري تتجه إلى ملك المجد يسوع المسيح عندما تركه الجميع، وقاسى الآلام وهو يسير في درب الصليب، وكيف أنه كان وحيدا ولكنه جعل اعتماده على أبيه السماوي الذي في غمرة آلامه رفعه إلى السماء وأجلسه عن يمنيه في المجد الأبدي.






















    رد: أقدر أقوله يا بويا


    أجل أن أفكاري بالنبي داود وبالسيد المسيح ساعدني على التغلب على احزاني، وعلمني كيف أجابه هذه المقاطعة التي سببت الوحدة لي. وتأثرت على نفسي التي كانت تنشد الوحدة والانعزال كيف أنها الآن تخشاها، وتطلب القربى وزيارة الناس. وكنت فد طلبت من آل ميتشل وآل والد أن لا يزرني أحد منهم في بيتي خشية أن يتعدى أحد عليهم، وبذلك أردت حمايتهم من كل أذى مع أنني لم أنقطع عن حضور الاجتماعات الأحدية مع هؤلاء الأخوة المؤمنين.


    وذات يوم انعزلت في غرفتي لأقرأ الكتاب المقدس. وكان الطقس في الخارج باردا مع أنه كان فصل الصيف. وشعرت بهبة ريح تهز نافذتي. ولما قرأت كلمة الله شعرت بالدفء يجري في عروقي، وتتطلع من النافذة فإذا الشمس تتواري وتنحجب وراء الغيوم المتواكمة فقلت: هذا أبي السماوي بعض بشمع نوره ليجلب لي الدفء والراحة وسط بحر اضطرابي. وتطلعت إلى العلاء وقلت: يا إلهي أنا وحيدة أريد شخصيا أن أتحدث إليك! وعدت لمتابعة قراءة كلمة الله فشعرت أن الله قريب مني ويتحدث إلي.


    وفجأة سمعت حرك غريبة في البيت، وإذا بنورجان تتقدم نحوي وهي تلهث وتقول: إن آل أولد هنا ويريدون مقابلتك. وهتفت بالشكر لله من أعماق قلبي وقلت أن أبي السماوي لا يتركني وحيدة. فهرعت إلى استقبال كين وماري وأمسكت يدي وهي تقول: جئنا لنراك يا بلقيس. وأخذت عيناها الزرقاوان تتلألان بالفرح، وليس لنا ثمة قصة من الزيارة سوى أننا نحب أن نكون معك وقريبين منك.


    وفعلا فأنها كان زيارة مفاجئة ومفرحة. وقلت أنني على خطأ في عدم دعوة الناس لزيارتي. وكانت كبريائي قد منعتني من ذلك خشية أن يشعروا أنني بحاجة اليوم. وبرزت الفكرة أمامي, ربما كان جميلا أن أدعو الناس إلى بيتي وأن أعقد اجتماعات الأحد في منزلي. ثم عدت وفكرت اليس هذا كمن يضع بارودا قرب النار المشتعلة؟ وحاولت طرد هذه الفكرة لكنها لازمتني. وعندما كان آل أولد على وشك ترك البت قلت لهما بسرعة: أترغبان في الحضور هنا يوم الأحد مساء؟ وتطلعت ماري إلى زوجها مذهولة. وإذا بي أقول، لهما أنني أعني ما أقول ومددت ذراعي مرحبة بالقادمين. وقلت أن هذا البيت القديم يحتاج إلى نوع من الحياة الجديدة. وهكذا تقرر أن نعقد اجتماعات مسائية يوح الأحد للخدمة والصلاة في بيتي.


    وفي تلك الليلة قررت أن أنعزل عن الناس وقلت في نفسي: ما أعجب الرب الذي يدبر كل الأمور لي. ولما تركني أفراد عائلتي وأصدقائي عوّض الله عنهم بأصدقاء مسيحيين مخلصين. وهكذا نمت تلك الليلة نوما هادئا وعندما استيقظت كانت أشعة الشمس الذهبية تغمر غرفتي، ووقفت غرب النافذة استنشق نسيم الصباح العليل، وتنسمت عبير الأزهار الفواح، وتلمست الدفء في الطبيعة

      الوقت/التاريخ الآن هو السبت 11 مايو 2024 - 19:46